الصدمة...,

رامي مهداوي
حجم الخط
هو برنامج أشبه بالكاميرا الخفية، لكنه غير مضحك بل على العكس تماماً محزن مبكي؛ وسأعترف هنا بأنه أبكاني في حلقتي عقوق الوالدين وإساءة التعامل مع ذوي الإعاقة. برنامج " الصدمة" الذي يعرض على قناة "MBC" في شهر رمضان هو عبارة عن برنامج مقالب يطرح قضايا مجتمعية إنسانية شائكة وواقعية _موقف يستفزهم_ تحدث في مجتمعاتنا لقياس ورصد ردود أفعال الناس "المشاركين" تجاهها هل يتدخلون أم يفضلوا الصمت؟!
يقدم البرنامج عدد من الممثلين والإعلاميين في 5 دول عربية هي لبنان ومصر والسعودية والإمارات والعراق، وذلك من خلال تمثيل مشهد في الشارع، محلات تجارية، صيدلية، الأسواق "مول" وتصوير ردود أفعال الناس "المشاركين" تجاهه قبل أن يتدخل المذيع ويكشف لهم حقيقة المقلب "الصدمة" التي تعرضوا لها.
مع الأخذ بعين الإعتبار بان برنامج "الصدمة" مأخوذ عن البرنامج الأميركي "ماذا كنت ستفعل؟" طبعاً يختلف عنه في طبيعة القضايا والإشكاليات وخصوصية المجتمع العربي بالتالي طريقة معالجة وحل القضية، وخصوصية كل دولة عربية أيضاً بطريقة التعاطي مع الحدث ذاته ليصل الحد ما بين لغة العقل بمختلف المستويات وبين إستخدام الصوت والصراخ الى أن نصل لإستخدام القوة العضلية بالضرب.
بصراحة أكثر ما صدمني في جميع الحلقات التي حضرتها حتى الآن، هو موت النخوة العربية التي كنّا نشتهر بها كعرب، ان قياس عدم تدخل أو/و تأخر ردود أفعال المواطنين مع الإشكالية التي أمامهم يعكس مدى إنسلاخ الفرد عن محيطه وتزايد وتنامي الامثال العربية السلبية" امشي الحيط الحيط وقول يا رب الستر" "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس" ما يعزز الاستسلام والتراخي حتى ردود أفعال المشاركين السلبيين في ردود أفعالهم يبررونها بإنهزامية مقتنعين بها بشكل عقائدي " شو دخلني" "مش عاوز وجع راس". ومع ذلك كله "الدينا لسه فيها خير" نجد ذلك في ردود البعض العوفية التي تصل في بعض الأحيان الى فقدان الأعصاب والإنهيار إمًا بالدموع أو بإستخدام القوة العضلية.
وأيضاً مصدوم من برنامج الصدمة بسبب ان هناك قضايا مازلت المجتمعات العربية تغوص فيها للأسف وكأنها في مستنقع لا خروج منه!! فما زلنا نعاني مثلاً من قضية الحفاظ على النظافة في الأماكن العامة ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين!! مازلنا نغرق في قضايا مجتمعية تدفعنا الى الخلف في سباق التطور الحضاري بين الأمم،ما يجعلنا بحالة تراجع مستمر للأسف.
سيُصدم برنامج الصدمة إذا ما طرح قضايا خاصة لكل دولة، لإن برنامج الصدمة يطرح قضايا عامة على الصعيد المجتمع العربي حتى هذه اللحظة، بمعنى لنتخيل أن يطرح البرنامج قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة، أو نظرة السعوديين الدونية لغير السعوديين من بعض الجنسيات مثل الآسيوية مع أن الكثير من هؤلاء الوافدين لديهم الكفاءة والخبرة، أو قضية "البدون" في الكويت!! أو القات في اليمن!!
أما على الصعيد الفلسطيني، فحدث ولا حرج، إن الصدمة تتكاثر في واقعنا المجتمعي مما أدى إلى إنجابها العديد من الصدمات التي لم أتخيلها يوماً وآخرها صدمة رمي القمامة والأوساخ من قبل بعض المصليين في ساحة المسجد الأقصى بعد أداء صلاة التراويح!! صدمة سرقة سيارة الشرطة والاستيلاء على سيارة وزير!! أما الصدمة الكبرى التي لن ولم ينساها الشعب الفلسطيني بتاريخ حياته هو قتل الفلسطيني لأخيه الفلسطيني أو تعذيبه مع مبررات صادمة؛ وبعد ذلك كله مازلنا تائهين في البحث عن مصالحة!!