الحاج فكرى الجزار هو أحد أشهر السياسيين الفلاحين فى تاريخ مصر المعاصر.. ولد فى قرية دماط مركز قطور محافظة الغربية.. وأصبح نائباً فى عهود الرؤساء.. عبدالناصر والسادات ومبارك.
نشأ فى عهد الملك فؤاد.. ورحَلَ أثناء ثورة يناير.. وبينهما لُقِّب بـ«شيخ المستقلين».. ولقّبه الرئيس عبدالناصر بـ«الفلاح الفصيح».
(1)
بينما أُقلِّب فى بعض أوراقى.. وجدت سطوراً كتبتها عن زيارتى قبل سنوات للحاج فكرى الجزار فى منزله بقرية دماط مركز قطور.
ولقد تشرفتُ بزيارته لمنزلى فى قريتى فيما بعد.. ثم إنّه تفضّل وزَارَنى فى مبنى صحيفة الأهرام.. حيث دعوتُ على شرفِ حضورِه عدداً من الزملاء فى القسم البرلمانى وفى مركز الدراسات الاستراتيجية.. وكان الصحفى البرلمانى الأشهر الأستاذ محمود معوض فى مقدمة الحضور.
زارنى الحاج فكرى الجزار فى «الأهرام» وهو يرتدى الزىّ الشهير.. الجلابية البيضاء والعصَا.. وحين وصلنا إلى مطعم الأهرام فى الطابق الثانى عشر.. كان قد صافحَ الجميع.. من موظفى الاستقبال.. إلى موظفى المطعم.. وبينهما عدد كبير من الصحفيين.
(2)
فى زيارتى للحاج فكرى.. تحدّث «الفلاح الفصيح» عن جانبٍ من ذكرياته.. وهاجم «مبارك» و«الإخوان» معاً.. انتقدَ ترشيح الإخوان لأحد كوادرهم أمامهُ فى دائرة قطور، واعتمادِهم على الإنفاق المالى الكبير و«الرشوة الغذائية» للناخبين.
كما انتقد المستوى الثقافى لأعضاء البرلمان.. وقال إنه يسعى مع النائب «أحمد طه أحمد» لتأسيس.. «مدرسة للنوّاب».. لكى يتعلّموا فيها قواعد العمل السياسى وآليات العمل البرلمانى.
وفى زيارته لى.. تحدّث «شيخ المستقلين» عن خطر «الغموض» على وضع الدولة المصرية.. وأن عدم وضوح الرؤية بشأن مستقبل النظام السياسى.. وعدم القدرة على الإجابة عن سؤال: مَنْ بعد مبارك؟.. إنما يضع البلاد كلها فى مهبّ الريح.. وأنّه إذا لم يقم «مبارك» بتقديم إجابة واضحة ومقبولة للشعب.. ستأتى الإجابة من خارج النظام.. ووقتها قد يكون تماسك وبناء الدولة فى خطر.
عاشَ الحاج فكرى الجزار.. حتى تحقّق ما قال.. أدركَ أيّام الثورة على «مبارك».. إلا أنّه لم يُدرك سقوطَه.. رحل الحاج فكرى قبل أن يرحلَ النظام بسبعين ساعة!
خرج الآلاف فى وداع.. الفلاح المثقّف.. والنائب الوطنى.. وابن العمدة الذى لم يأخذ شيئاً من وراء مواقعِه.. بل أنفق من مالِهِ وأرضِه.. على دائرته وبلده.. فكان نموذجاً رائعاً للمسئولية والعطاء.
(3)
سألتُ الحاج فكرى الجزار عن «قصة جيفارا».. وقلتُ له إننى قرأتها فى أحد ملفات أرشيف الأهرام.. قال لى: (لقد زرت كوبا فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر ضِمن وفد من الفلاحين المصريين.. ذهب للاطلاع على الثورة والدولة فى كوبا.
وهناك.. التقينا جيفارا.. وتحدثنا كثيراً.. وصارت بيننا «صُحبة».. وبعد فترة جاء جيفارا لزيارة مصر.. وذهبنا نحن النواب لتحيته فى حضور الرئيس عبدالناصر.. كان الرئيس يُقدِّم له بعض الشخصيات.. ثم فوجئ الرئيس كما فوجئ الحضور بالثائر العالمى جيفارا ينادى علىّ: فكرى.. فكرى.
نظر الرئيس عبدالناصر إلىّ.. وكان مندهشاً.. من أين أتتْ المعرفة بين جيفارا وفكرى الجزار.. إلى الحدّ الذى ينادى فيه جيفارا علىّ بهذا الودّ وهذه العفوية. ولقد تحدثت فيما بعد أمام الرئيس عبدالناصر.. وقد أعجب بحديثى.. وأطلق علىّ لقب «الفلاح الفصيح».. ومن هنا جاءت شهرتى بهذا الوصف).
(4)
لقد زرتُ قطور مؤخراً.. وتذكرتُ هذه السطور من سيرة شخصية نبيلة.. تحتاجُ الأجيال الجديدة فى بلادنا أن تُدركَ.. أن هذا الوطن لطالما امتلأ برجالٍ عظامٍ. لقد انتهى الفاسدون برحيلهم، وتلاشى التافهون بغيابهم.. لم يبق فاسدٌ واحدٌ فى ضمير الشعب.. ولم يصمد خائنٌ واحدٌ على ضفاف الذاكرة.. هوى تحالف عديمى الموهبة إلى قاع التاريخ.. وما ينفعُ الناسَ مكثَ فى الأرض.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
عن الوطن المصرية