للمرة الأولى في تاريخ زعامته لليمين والحكومة على حد سواء، يجد بنيامين نتنياهو نفسه أمام تحدٍ كبير من جانب عدد من كبار قادة الأمن، وليس فقط على المستوى الأمني، بل في الحلبة السياسية. وقد اجتمعت في اليومين الماضيين مشاهد عدة لتُكّون صورةً كبيرة تشكل تحدياً واضحاً لزعامة نتنياهو.
وبدأ الأمر بخطابين ألقاهما في مؤتمر هرتسليا وزيرا الدفاع الأخيران، موشي يعلون وإيهود باراك، ضد نتنياهو، وانتهى بإعلان تحالف بين رئيسي الأركان الأخيرين غابي أشكنازي وبني غانتس لتصحيح وجهة إسرائيل. وبتعابير سياسية، ثمة من يرون في الأفق بوادر تحالف سياسي كبير ضد نتنياهو في الانتخابات المقبلة.
ومعروفٌ أن موشيه يعلون كسَر تحالفه مع نتنياهو بعدما آثر الأخير عليه أفيغدور ليبرمان لتولي وزارة الدفاع إثر بعض الخلافات القيمية على عدد من المواقف. وعندما قدّم يعلون استقالته من منصبه، أعلن أنه سيخرج لفترة قصيرة في إجازة من الحياة السياسية على أساس العودة إليها من بوابة التنافس على القيادة. وقد أظهرت الاستطلاعات أن فرص يعلون في تحدي نتنياهو محدودة، خصوصاً إذا كان التحدي في صفوف اليمين. ولكن حاله يختلف إن تحالف مع قوى أخرى من «الليكود» و «كلنا» في حزب وسط جديد يميل إلى اليمين. وأظهرت آخر استطلاعات أن نتنياهو يتفوق على يعلون كرئيس للحكومة، ولكن ليس بفارق كبير.
أما إيهود باراك، الذي كان يرأس حزب العمل وخرج عنه لتولي وزارة الخارجية في حكومة نتنياهو اليمينية، فقد قرر التخلي عن نتنياهو بعدما يئس من إمكانيات التغيير. وكان هدف تحالفه مع نتنياهو هو تحقيق غاية مشتركة تتمثل في القضاء على الخطر النووي الإيراني وحل النزاع مع الفلسطينيين، لكن عملياً لم يتحقق من هذا التحالف شيء. فالمشروع النووي الإيراني وصل إلى «حافة النووي»، كما أن المسألة الفلسطينية أصيبت بالشلل في عهد نتنياهو. ورغم أن باراك ترك الحياة السياسية وتفرغ لأموره الخاصة، غير أن خطابه الأخير في مؤتمر هرتسليا ألمح إلى عودته للمنافسة.
واختار يعلون في خطابه أمام المؤتمر توجيه أشد انتقاد لنتنياهو، وأيضاً من موقع اليمين، ولكن لسياسته الداخلية ولمساسه بأسس الحكم الديموقراطي والقانون في إسرائيل. وبالعكس من ذلك، اختار إيهود باراك توجيه الانتقاد لنتنياهو في خطابه ولكن لواقع أنه يمنع بكل ثمن إنشاء دولة فلسطينية.
ورأى المعلقون في خطابي يعلون وباراك تعبيراً بارزاً عن مطامحهما السياسية رغم أنهما لم يجيبا بعد عن أسئلة مثل متى سيعودان للمنافسة، وكيف وفي أي إطار. ومع ذلك، كان لخطابيهما أثر كبير في وسائل الإعلام الإسرائيلية أسهم في إثارة نقاش عام حول وجهات النظر. والرأي السائد يرى أنه لم يسبق أن تعرض نتنياهو لنقدٍ ثاقب ومعمق اعتبره كثيرون لائحة اتهام من جانب وزيري دفاع سابقين.
وقال باراك، الذي كان شريك السر الأقرب لنتنياهو في الحكومة قبل السابقة، إنه ليس هناك في العالم من بقي يصدق كلام نتنياهو في الشأن السياسي، لا في واشنطن ولا في برلين ولا في موسكو ولا في أي مكان آخر. وحمل على الصورة التي يحاول نتنياهو ورجاله إشاعتها عن قوة العلاقات مع الإدارة الأميركية التي تمّر بحسب رأيه «بأزمة خطيرة». كما أن يعلون عمد إلى نسف الفكرة المركزية التي يخاطب نتنياهو الجمهور الإسرائيلي بها، وهي أن إسرائيل تواجه في السنوات الماضية «خطراً وجودياً». وقال إنه يمارس الترهيب والتخويف.
من جهة أخرى، أعلن رئيسا الأركان السابقان، غابي أشكنازي وبني غانتس، عن تشكيل حركة جديدة «اجتماعية»، وليست سياسية تسمى «نحو الداخل». وبحسب ما أعلنا، فإنه «ليس للحركة هدف الإطاحة بأحد، بالتأكيد ليس نتنياهو»، وأن «رسالتها هي وجوب أن يشكل الأمل جدول الأعمال وليس الخوف». ولكن الحلبة السياسية الإسرائيلية تتعامل مع أشكنازي وغانتس على أنهما شخصيات مركزية ستلعب دوراً في المستقبل. وهناك أحاديث عن تقارب بين الرجلين ووزير الدفاع السابق موشي يعلون، وهو ما يخيف «الليكود» عموماً ونتنياهو خصوصاً. وكان غانتس قد حمل أيضاً على نتنياهو معلناً أنه لا صحة لوجود أخطار وجودية تتهدد إسرائيل.
في كل حال، رأى كبير المُعلقين في «يديعوت» ناحوم بارنيع أن كلام يعلون وباراك أقرب إلى «الصرخة». وأشار إلى أن باراك تحدث بصراحة عن الخوف من الفاشية ومن الدولة ثنائية القومية. ولاحظ أن يعلون قال للإسرائيليين إن إيران و «حزب الله» ليسا الخطر الذي يتهدد إسرائل بقدر ما أن الخطر يتمثل في «تآكل القيم». واعتبر بارنيع أنه «بعد سنة كلها احتفال نصر متواصل، سكرة احاسيس، تبدأ الحكومة بدفع الثمن على شذوذها، حماستها. وهي تدفعه في العالم وتدفعه في البلاد. باراك ويعلون هما مجرد طرف الجبل الجليدي».
وقد حمل «الليكود» على باراك ويعلون، وأعلن في بيان خاص أن «من وجدوا أنفسهم خارج الساحة السياسية، يقفون وراء كل ميكروفون ويقولون بالضبط عكس ما قالوه عندما كانوا في مناصبهم، المهم هو الحصول على عنوان والبقاء في وعي الجمهور. هذه ليست ايديولوجيا بل كرسيلوجيا. إن الدعوة لاسقاط حكومة منتخبة بعد قرار الشعب بسنة، تُذكر بدعوة استبدال الشعب وتُثبت أنه لم يتغير أي شيء. اليسار ببساطة غير مستعد لقبول حقيقة أن الليكود في الحكم. الحكومة لم يتم خطفها، بل قام الشعب بانتخابها. والغريب هو أن هؤلاء الاشخاص الذين يتحدثون عن سمو الديموقراطية لا يفهمون ذلك».
لابيد وبن باراك يُرشحان أنفسهما لرئاسة حزب "ييش عتيد"
03 أكتوبر 2023