"داعش" يحوز العلامة التجارية للكراهية

screen_shot_2015-12-22_at_12.39.51_am
حجم الخط
قد لا يكون لتنظيم «داعش» أي علاقة بالهجمات الإرهابية الأخيرة التي أعلن مسؤوليته عنها، ولكنه يظل مع ذلك علامة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفظاعات في الأذهان. ولعل الأهم من ذلك أن تلك الهجمات تحمل طابع «داعش» في أذهان من يميلون إلى تفجير شيء ما، أو الخروج وإطلاق النار على بعض الغرباء، إنها علامة حديثة خُلقت لعالم يطبعه الغضب السريع وقصر مدى التركيز.
والواقع أن إعلان «داعش» المسؤولية عن الهجمات عادة ما لا يصحبه سوى النزر القليل من التفاصيل المتاحة لأي شخص قرأ بعض التقارير الصحافية حول الهجوم على الإنترنت. وهذه ملاحظة عامة تنطبق على جل الهجمات التي ينسبها التنظيم الإرهابي إلى نفسه، في الحقيقة. وعلى سبيل المثال، فعندما أعلن التنظيم التابع لـ«داعش» أنه «نجح في إسقاط» طائرة روسية في مصر في تشرين الاول الماضي، لم يقدم أي معلومات أو تفاصيل تؤكد مزاعمه.
وقد يبدو هذا تصرفاً مخالفاً لما هو شائع، ولكن «داعش» ليس تنظيماً عادياً، فالهجمات المجهولة هي السائدة عموماً بين الإرهابيين، إذ لا يتم إعلان المسؤولية عن الهجمات الإرهابية إلا في حالة واحدة من أصل سبع حالات. فالتنظيمات الإرهابية قد تستهدف مدنيين، ولكن التبجح بذلك نادر، ويُعتبر غير مفيد.
وتنظيم «داعش» خرج من عباءة «القاعدة» وزعيمُه المدعو أبو بكر البغدادي بدأ مشواره «الجهادي» من داخلها، غير أن التنظيم الأحدث تخلى عن بعض أساليبها. ويمكن تشبيه «داعش» بخبير تسويق شاب، أصيب بالإحباط من بيروقراطية وبطء واحدة من كبريات الشركات الأميركية، فقرر مغادرتها ليؤسس شركته الخاصة ويبيع المنتج نفسه، ولكن بأساليب تسويق أكثر تطوراً في وسائل التواصل الاجتماعي وصورة أكثر نزقاً وشبابية.
وبالفعل، فتنظيم «داعش» يبدو أنه يقوم على التسويق أكثر منه على التخطيط. إنه يدفع بعلامة تجارية ينضوي تحت لوائها الساخطون، علامة يريدها بديلا للمواقف الحكومية. وكلما حاولت الحكومات الغربية سحقه سعى لنسبة المسؤولية لنفسه عن كل ساخط يحمل سلاحاً، ويقترف جريمة عنف.
فالمنجذبون إلى علامة «داعش» تجذبهم فكرة أنهم يستطيعون إيذاء المجتمعات التي رفضتهم بطريقة ما، ولكنهم يعلنون ولاءهم لشيء أكبر من أنفسهم، لسلطة يتصورون أنها دينية، قصد تطهير أنفسهم، على نحو يحوّلهم - في الوهم - من مجرمين إلى «شهداء»! ومطلق النار في أورلاندو، عمر متين، يندرج ضمن هذه الفئة. ففي ليلة هجومه على النادي الليلي، اتصل بالشرطة ليعلن ولاءه لـ«داعش»، وبعد أن أثار الهجوم عناوين الصحف في كل مكان، أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم، وأعلن أن أحد مقاتليه هو الذي نفذه. ولكن مرة أخرى، لم يقدم «داعش» أي تفاصيل لتأكيد علاقة ذات مصداقية بين القاتل والتنظيم.
وحسبما تبين فإن متين تردد على الملهى الليلي الخاص بالمثليين في أورلاندو الذي قام بإطلاق النار فيه خلال عطلة نهاية الأسبوع. وكان قد سبق له أن تردد عليه لتناول الشراب، وكان يتبادل الرسائل مع زبون آخر، يتردد على الملهى بانتظام لفترة عام على تطبيق إلكتروني خاص بالمثليين. ولكن بالنظر إلى مقت «داعش» المعروف للكحول والمثلية، فإن من الواضح أن متين لم يكن مقاتلًا من التنظيم.
بيد أن الدعاية «الجهادية» التي يبدو أن متين استهلكها على الإنترنت لم تأتِ كلها من «داعش» - إذ كان مصدر بعضها منافسين للتنظيم مثل «القاعدة». ولكنه اختار أن يعلن ولاءه لـ«داعش»، التي لم تقدم له أي مساعدة في التخطيط للهجوم: فهي أشبه بناد متاح للعموم والدخول إليه مجاني! ومجرد نطق «داعش» يُغْني عن مزيد من التفسيرات، فتختفي العواقب الأخلاقية للقتل في فوران الفقاعات السياسية. ولكن يوما ما، قد يأتي هذا «الركوب المجاني» بنتائج عكسية عندما تفند الحقائق المحرجة الادعاءات، مثلما هو الحال في حالة «متين»، أو عندما يقرر المنفذون الحقيقيون كشف بعض التفاصيل.
إن «داعش» ليس أخطبوطاً إرهابياً لا يُقهر، ولكنه يملك قوة مسلحة في سورية والعراق وفريق تسويق لا أكثر. وعندما تتم هزيمته عسكرياً، سيبحث المهاجمون الغاضبون واليائسون، الذين تحرِّكهم كل أنواع الكراهية والتظلمات الشخصية، عن علامة أخرى ينضوون تحتها - وقد يظهر تنظيم آخر ليوفرها. ولكن الحقيقة المرة هي أنه لا يوجد حل بسيط، أو حظر للهجرة، أو عملية عسكرية تستطيع وقف هجمات مثل تلك التي شهدتها أورلاندو، لأن بذور الكراهية موجودة، بغض النظر عن العلامة التي تنمو تحتها.