خلافاً للتوقعات والمساعي والمصالح الإسرائيلية، من المتوقع أن يتبنى الاتحاد الأوروبي في اجتماع وزراء خارجيته اليوم، وبشكل رسمي، المبادرة الفرنسية للسلام في الشرق الأوسط. وإذا تحقق ذلك، فإن هذه ستكون واحدةً من أشد الضربات السياسية التي تتلقاها حكومة بنيامين نتنياهو التي استخفت بالمبادرة وعملت على وأدها في مهدها. ويمثل تبني الاتحاد الأوروبي هذه المبادرة أكبر دليل على أن فرنسا لم تنطلق من ذاتها عندما عرضتها، وأن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن تبنيها، أو على الأقل، عدم الاعتراض الجدي عليها.
وأشار المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس» باراك رابيد إلى أن وزراء خارجية 28 دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي، في اجتماعهم المقرر اليوم (الإثنين)، قد يتخذون قراراً مؤيداً للمبادرة الفرنسية، ويتبنى البند المركزي فيها، ألا وهو عقد مؤتمر سلام دولي بمشاركة إسرائيل والفلسطينيين قبل نهاية العام الحالي. ونقل المراسل عن مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية إقرارهم بأن إسرائيل أخفقت في مساعيها لمنع صدور قرار كهذا يمنح حقنةَ تشجيعٍ جوهرية للمبادرة الفرنسية. ويقول هؤلاء إن إسرائيل شرعت في بذل مساعٍ لتلطيف حدة القرار وصياغته.
وكانت فرنسا قد أطلقت مبادرتها عملياً في اللقاء الذي عقد في باريس وجمع وزراء خارجية وممثلين عن 29 دولة مطلع الشهر الحالي. وتعاملت الحكومة الإسرائيلية في البداية باستخفاف مع الأفكار الفرنسية، لكن قبول واشنطن حضور اللقاء في باريس أثار مخاوف حول جدية المبادرة. ثم عاد البيان الختامي الباهت الذي صدر عن اللقاء ليشجع المسؤولين الإسرائيليين على إشاعة نوعٍ من الاستهانة به وبنتائجه. ولكن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت أعاد في مكالمة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية التأكيد على أن المبادرة الفرنسية مستمرة رغم الرفض الإسرائيلي لها. وقال إن أهم ما في المبادرة ليس الصياغات التي وردت في البيان الختامي، وإنما الآلية التي سوف تتجسد في لقاءات الطواقم المتخصصة التي ستبحث الأوضاع وتحاول تقديم صياغات متفق عليها دولياً.
وبحسب «هآرتس»، فإن الفرنسيين لم يدخروا جهداً بعد انتهاء لقاء وزراء الخارجية من أجل تحويل مبادرتهم إلى حقيقة وإكسابها عوامل القوة وتوفير الدعم الدولي الواسع لها. والأهم أن الفرنسيين سعوا لتطوير زخمها والاستمرار بها عبر إنشاء مجموعات العمل الدولية المتعلقة ببلورة خطوات بناء الثقة، والترتيبات الأمنية والحوافز الاقتصادية.
وقبيل اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المقرر عقده اليوم في بروكسل، ضغط الفرنسيون على وزيرة خارجية الاتحاد، فيدريكا موغيريني، وعلى باقي وزراء خارجية الدول الأعضاء، لاتخاذ القرار الذي يربط الاتحاد بمبادرتهم السلمية. وأوضح مسؤول إسرائيلي كبير أن الفرنسيين يتوقعون أن ينالوا من اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين كل مرادهم، وهو الإعلان عن أن وزراء خارجية كل دول الاتحاد يرحبون بالمبادرة الفرنسية، ويدعون إلى عقد مؤتمر سلام دولي قبل نهاية هذا العام.
وبحسب «هآرتس»، فإن وزارة الخارجية والسفارات الإسرائيلية في العواصم الأوروبية ومؤسسات الاتحاد عملت في الأسبوع الأخير من أجل منع صدور القرار. ولاحظ مسؤول في الخارجية الإسرائيلية أن السفراء سلموا رسائل اعتراض مطلق على المبادرة الفرنسية وأي خطوة من أجل تحقيقها. وقال إنه من التقارير التي وصلت إلى وزارة الخارجية في تل أبيب يتبين أن الأوروبيين رفضوا بأدب كل التبريرات التي عرضها السفراء الإسرائيليون.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير في القدس المحتلة إن «الجميع يتفقون معنا من حيث المبدأ أنهم يفضلون مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن بشكل عملي لا يتعاملون فعلياً مع معارضتنا للمبادرة الفرنسية. وفي دول كثيرة، فإنهم ببساطة لا يفهمون موقفنا». وأضاف المسؤول الكبير أنه «عدا ذلك، هناك انجراف متزايد لدول تريد تعزيز المبادرة الفرنسية، أساساً لعدم وجود أي مبادرة أخرى على الطاولة تحاول كسر الجمود في العملية السلمية».
ومن تقارير وصلت في الأيام الأخيرة إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية من السفارات في أرجاء أوروبا، يتبين أن الدول الأكثر وداً لإسرائيل في القارة، مثل تشيكيا، قبرص وإيطاليا، تؤيد المبادرة الفرنسية ومعنية ببحثها. أما ألمانيا التي كثيراً ما ساعدت إسرائيل في الماضي على كبح خطوات مشابهة في الاتحاد الأوروبي، فإنها لا تعارض أيضاً القرار المتوقع اتخاذه اليوم، رغم تحفظاتها على المبادرة الفرنسية.
وفي ضوء الفشل في منع القرار، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية تحاول الآن تلطيف صيغة القرار. والقضية المركزية التي يركز عليها الديبلوماسيون الإسرائيليون هي محاولة إبعاد بند يربط بين المبادرة الفرنسية وبين اقتراح الاتحاد الأوروبي في كانون الأول 2013، بتطوير العلاقة مع إسرائيل إلى مكانة «شريك مفضل خاص»، مقابل اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وحتى اليوم، رفضت إسرائيل إجراء اتصالات رسمية مع الاتحاد بشأن هذا الاقتراح.
وثمة اعتقاد في إسرائيل بأن خلق الصلة بين الأمرين يشكل وضع شرط أوروبي إضافي لتحسين العلاقات مع إسرائيل. وفي العامين الماضيين، حاولت إسرائيل مرات عدة تحقيق أمور مختلفة في الاتحاد الأوروبي، لكن الرد عليها كان أن هذا سيتحقق فقط في إطار تطوير مكانة إسرائيل بعد إبرام السلام مع الفلسطينيين.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن «الأوروبيين يضعون أمامنا المزيد والمزيد من الشروط لتطوير العلاقات. والآن هل ستغدو المبادرة الفرنسية شرطاً؟ لن ننجح في منع ذكر المبادرة الفرنسية في القرار الذي سيتخذ يوم الإثنين، ولكننا نريد أن نقطع قدر الإمكان بينها وبين السياسة العامة للاتحاد الأوروبي، خصوصاً في كل ما يتصل برزمة الحوافز التي تقترحها أوروبا على إسرائيل».
عن ظاهرة القيادات الشابة في أوروبا
02 أكتوبر 2023