على الرغم من الصخب الذي عادة ما يرافق الانعقاد السنوي لمؤتمر هرتسيليا بتل أبيب، إلا أن مراكز القرار تقوم عادة ما بعد المؤتمر بجمع الاقتراحات والاستنتاجات؛ لتأخذ بما تراه مناسبا. أي أن المؤتمر يبقى على الرغم من أهميته كمؤسسة بحثية أو كهيئة دراسات إستراتيجية، ذا طبيعة استشارية. المهم أن البعض، خاصة على الجانب العربي أو الفلسطيني، يتوقف عند التفاصيل وبعض الإشارات وحتى الشكليات، التي لا تعني متخذ القرار الإسرائيلي في شيء!
من هذه التفاصيل، من يشارك، أو ما يلقى في المؤتمر من كلمات أو أوراق، تؤخذ منفصلة حتى عن سياقها العام. لكن مع كل ذلك، فإن المؤتمر هذا العام شهد مشاركة لرجل الأمن الإسرائيلي، الذي خرج لتوه من المؤسسة العسكرية مكرهاً، بعد أن شغل منصب رئيس الأركان ووزير الدفاع، موشي _ بوغي _ يعالون، الليكودي، الذي بعد أن وقف مع قادة الجيش ضد الحكومة، طرده بنيامين نتنياهو من الحكومة بحجة مشاركة أفيغدور ليبرمان، مع أنه كان بإمكانه أن يعوضه بوزارة الخارجية، لو كان الأمر طبيعياً، أي لو لم يكن هناك إقصاء للرجل من الحكومة والحزب.
أهم ما في الأمر، هو أن يعالون أعلن فوراً نيته المنافسة على قيادة البلاد، أي على رئاسة الحكومة، وهكذا ما أن قام نتنياهو برص صفوف اليمين بضم ليبرمان حتى ظهر له تحد جديد، لم يثر في الرجل ولا في حزبه ولا حتى في تحالف اليمين أي رد فعل أو مخاوف من أي نوع، لكن على الجهة المقابلة يبدو أن الأمر لم يكن كذلك.
وفي الحقيقة، فإن ضعف اليسار جعله حتى يتقدم لانتخابات الكنيست العشرين الماضية التي جرت في آذار من العام الماضي كحزب وسط وليس كيسار، وتحت مسمى المعسكر الصهيوني بدلا من حزب العمل، واعتمد على ثنائية _ إسحق هيرتسوغ / تسيفي ليفني، الليكودية السابقة، انسجاماً مع واقع حال الحزب (حزب العمل واليسار) منذ التحاقه برئيس الحكومة السابقة أريئيل شارون، ضمن ثالث حكومة وحدة وطنية منذ إنشاء إسرائيل وذلك عام 2001، بعد حكومتي العامين 84، 88.
وجد بوغي في مؤتمر هرتسليا فرصته لتقديم الملامح العامة لبرنامجه الانتخابي، على الرغم من أنه يعلم أن هنالك وقتاً طويلاً، ما زال يفصله عن موعد إجراء الانتخابات، فماذا كانت النتيجة؟
تحدث يعالون عن مجتمع مثالي، لكن مع بقاء الاحتلال، تحدث يعالون عن الحفاظ على الديمقراطية مع غض النظر عما يحدث في الخلف من احتلال، تحدث عن دولة القانون التي تبيح لجنودها ومستوطنيها قتل الآخرين ميدانياً ودون محاكمة.
باختصار، وعلى ما يبدو، لم يعد هناك أحد في إسرائيل يؤمن بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس، والجميع بات يفكر في التعايش مع هذا الاحتلال، طالما أنه لا يكلفهم شيئاً وطالما أنه يبعد عنهم «تطرف» المستوطنين والمتدينين، وطالما أنه يمكن تطبيق القانون وقواعد الديمقراطية داخل إسرائيل، وقوانين الاحتلال خارج «حدود» مجتمعها الإثني.
بل إن بعض الإسرائيليين بات؛ لإراحة نهائية للضمير يتحدث عن أن الاحتلال كان أمراً محتماً، بل وفرض على إسرائيل كنتيجة لحرب فرضت عليها عام 1967!
من العبث إذاً، بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد، أن تستمر مراهنة القيادة الفلسطينية، على حل الدولتين الذي لم يعد، ليس فقط أنه غير واقعي سياسياً، بل وميدانياً، وصار أشبه بقطعة قماش بالية، لا تفيد في شيء، ومع وجود حكومة متطرفة ومعارضة متوافقة وغير رافضة لوجود الاحتلال، من العبث ومن غير المجدي، بل من غير المنطقي أن تبقى القيادة الفلسطينية تفكر في طريق التفاوض، مع الجانب الإسرائيلي، بدلاً من التفكير في كل الطرق التي يمكن أن تضغط عليه، وفي المقدمة، إلقاء حل الدولتين في وجه إسرائيل، وإعلان مقاومة الاحتلال بكل الطرق المشروعة والممكنة، وأن تعلن نفسها كقيادة مقاومة، هدفها هو وضع الحد النهائي للاحتلال، ولا شيء غير هذا.
ومن الطبيعي أن يبدأ الكل الفلسطيني بالتفكير في الاندفاع إلى الأمام، فوضع حد للاحتلال يشمل وقف العمل بالقوانين العسكرية والطارئة، وبأن الفلسطينيين موحدين في الضفة والقدس وغزة والشتات وداخل إسرائيل، يعلنون مسيرات ومظاهرات حاشدة وجماعية تطالب بوضع حد لاحتلال العام 1967، وبوحدة شاملة للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، أي لا بد من تغيير ليس فقط قواعد اللعبة والصراع السياسي، ولكن تغيير برنامجه أيضاً، وبدلاً من، وكرد على الحل الإقليمي الذي يفضله اليمين الإسرائيلي ويسعى إليه، فإنه يمكن رفع شعار الحل «داخل إسرائيل»، بما يفتح أبواب جهنم، عبر فكرة الدولة ثنائية القومية، حيث إنه آن أوان، التفكير الجدي بالانتقال من خانة التهديد باستخدام هذا الخيار، للبدء بطرح آليات العمل به، والشروع بها فورا، فإسرائيل إن لم تكن بين خيارين أحلاهما حل الدولتين، لن تقبل به، وإن وجدت نفسها بين حل الدولتين والحل الإقليمي فمن الطبيعي أن تختار الحل الإقليمي الذي سيفصل نهائيا غزة عن الضفة، والذي سيعني حلا لاحتلال الضفة يختلف عن الحل لاحتلال غزة، والذي يعني انه ليست هناك دولة فلسطينية مستقلة وموحدة على أراضي العام 67، وحل قضية اللاجئين داخل دولة غزة وضمن الحدود العربية، أي بتوطينهم حيث هم أو عودتهم لدولة غزة الفلسطينية الموسعة بتبادل الأراضي، وحل القدس بتقسيمها إداريا وليس سياسيا أو جغرافيا، بحيث يبقى الحل الحالي الذي يتضمن سيادة سياسية لإسرائيل وإدارة دينية للأردن، إضافة لتفاصيل أخرى.
من هذه التفاصيل، من يشارك، أو ما يلقى في المؤتمر من كلمات أو أوراق، تؤخذ منفصلة حتى عن سياقها العام. لكن مع كل ذلك، فإن المؤتمر هذا العام شهد مشاركة لرجل الأمن الإسرائيلي، الذي خرج لتوه من المؤسسة العسكرية مكرهاً، بعد أن شغل منصب رئيس الأركان ووزير الدفاع، موشي _ بوغي _ يعالون، الليكودي، الذي بعد أن وقف مع قادة الجيش ضد الحكومة، طرده بنيامين نتنياهو من الحكومة بحجة مشاركة أفيغدور ليبرمان، مع أنه كان بإمكانه أن يعوضه بوزارة الخارجية، لو كان الأمر طبيعياً، أي لو لم يكن هناك إقصاء للرجل من الحكومة والحزب.
أهم ما في الأمر، هو أن يعالون أعلن فوراً نيته المنافسة على قيادة البلاد، أي على رئاسة الحكومة، وهكذا ما أن قام نتنياهو برص صفوف اليمين بضم ليبرمان حتى ظهر له تحد جديد، لم يثر في الرجل ولا في حزبه ولا حتى في تحالف اليمين أي رد فعل أو مخاوف من أي نوع، لكن على الجهة المقابلة يبدو أن الأمر لم يكن كذلك.
وفي الحقيقة، فإن ضعف اليسار جعله حتى يتقدم لانتخابات الكنيست العشرين الماضية التي جرت في آذار من العام الماضي كحزب وسط وليس كيسار، وتحت مسمى المعسكر الصهيوني بدلا من حزب العمل، واعتمد على ثنائية _ إسحق هيرتسوغ / تسيفي ليفني، الليكودية السابقة، انسجاماً مع واقع حال الحزب (حزب العمل واليسار) منذ التحاقه برئيس الحكومة السابقة أريئيل شارون، ضمن ثالث حكومة وحدة وطنية منذ إنشاء إسرائيل وذلك عام 2001، بعد حكومتي العامين 84، 88.
وجد بوغي في مؤتمر هرتسليا فرصته لتقديم الملامح العامة لبرنامجه الانتخابي، على الرغم من أنه يعلم أن هنالك وقتاً طويلاً، ما زال يفصله عن موعد إجراء الانتخابات، فماذا كانت النتيجة؟
تحدث يعالون عن مجتمع مثالي، لكن مع بقاء الاحتلال، تحدث يعالون عن الحفاظ على الديمقراطية مع غض النظر عما يحدث في الخلف من احتلال، تحدث عن دولة القانون التي تبيح لجنودها ومستوطنيها قتل الآخرين ميدانياً ودون محاكمة.
باختصار، وعلى ما يبدو، لم يعد هناك أحد في إسرائيل يؤمن بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس، والجميع بات يفكر في التعايش مع هذا الاحتلال، طالما أنه لا يكلفهم شيئاً وطالما أنه يبعد عنهم «تطرف» المستوطنين والمتدينين، وطالما أنه يمكن تطبيق القانون وقواعد الديمقراطية داخل إسرائيل، وقوانين الاحتلال خارج «حدود» مجتمعها الإثني.
بل إن بعض الإسرائيليين بات؛ لإراحة نهائية للضمير يتحدث عن أن الاحتلال كان أمراً محتماً، بل وفرض على إسرائيل كنتيجة لحرب فرضت عليها عام 1967!
من العبث إذاً، بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد، أن تستمر مراهنة القيادة الفلسطينية، على حل الدولتين الذي لم يعد، ليس فقط أنه غير واقعي سياسياً، بل وميدانياً، وصار أشبه بقطعة قماش بالية، لا تفيد في شيء، ومع وجود حكومة متطرفة ومعارضة متوافقة وغير رافضة لوجود الاحتلال، من العبث ومن غير المجدي، بل من غير المنطقي أن تبقى القيادة الفلسطينية تفكر في طريق التفاوض، مع الجانب الإسرائيلي، بدلاً من التفكير في كل الطرق التي يمكن أن تضغط عليه، وفي المقدمة، إلقاء حل الدولتين في وجه إسرائيل، وإعلان مقاومة الاحتلال بكل الطرق المشروعة والممكنة، وأن تعلن نفسها كقيادة مقاومة، هدفها هو وضع الحد النهائي للاحتلال، ولا شيء غير هذا.
ومن الطبيعي أن يبدأ الكل الفلسطيني بالتفكير في الاندفاع إلى الأمام، فوضع حد للاحتلال يشمل وقف العمل بالقوانين العسكرية والطارئة، وبأن الفلسطينيين موحدين في الضفة والقدس وغزة والشتات وداخل إسرائيل، يعلنون مسيرات ومظاهرات حاشدة وجماعية تطالب بوضع حد لاحتلال العام 1967، وبوحدة شاملة للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، أي لا بد من تغيير ليس فقط قواعد اللعبة والصراع السياسي، ولكن تغيير برنامجه أيضاً، وبدلاً من، وكرد على الحل الإقليمي الذي يفضله اليمين الإسرائيلي ويسعى إليه، فإنه يمكن رفع شعار الحل «داخل إسرائيل»، بما يفتح أبواب جهنم، عبر فكرة الدولة ثنائية القومية، حيث إنه آن أوان، التفكير الجدي بالانتقال من خانة التهديد باستخدام هذا الخيار، للبدء بطرح آليات العمل به، والشروع بها فورا، فإسرائيل إن لم تكن بين خيارين أحلاهما حل الدولتين، لن تقبل به، وإن وجدت نفسها بين حل الدولتين والحل الإقليمي فمن الطبيعي أن تختار الحل الإقليمي الذي سيفصل نهائيا غزة عن الضفة، والذي سيعني حلا لاحتلال الضفة يختلف عن الحل لاحتلال غزة، والذي يعني انه ليست هناك دولة فلسطينية مستقلة وموحدة على أراضي العام 67، وحل قضية اللاجئين داخل دولة غزة وضمن الحدود العربية، أي بتوطينهم حيث هم أو عودتهم لدولة غزة الفلسطينية الموسعة بتبادل الأراضي، وحل القدس بتقسيمها إداريا وليس سياسيا أو جغرافيا، بحيث يبقى الحل الحالي الذي يتضمن سيادة سياسية لإسرائيل وإدارة دينية للأردن، إضافة لتفاصيل أخرى.