في مكان ما بين الاعتداء جنسيا على الاطفال وبين القتل، المكان الأشد خطرا من السرقة وربما من الاغتصاب.. تقع «اللا صهيونية». إنها جريمة مرتبطة بالإبادة ولا يشملها العفو او الغفران او التدخل في نطاق العقوبة المخففة. كتاب الجرائم في إسرائيل لم يعرف هذه الجريمة – لا أحد يعلم بالضبط من هو «اللا صهيوني» وما هي «اللا صهيونية» - ولكن من يشتبه بأنه كذلك، فحكمه واحد. على سبيل المثال: عضو في لجنة حكام جائزة اسرائيل، مشتبه بكونه ارتكب هذه الجريمة الخطيرة (تحت بند الجنايات)، مُنع من المشاركة في التحكيم.
هذه النغمة ليست جديدة: هكذا تم التعامل مع من اتهموا بأنهم أعداء الشيوعية في الانظمة الشيوعية، وهكذا تم التعامل مع من اشتبهوا بأنهم شيوعيون في الولايات المتحدة في احدى المراحل الاكثر ظلاما في تاريخها. هنا يتم العقاب على التطلعات، بالطرد على خلفية التعبير عن الرأي، بحظر الفنون والأفكار التي لا تستطيع الدول احتمالها.
ذرائع انعدام التسامح تتكرر باستمرار: تطلعات هذه الأقليات تحفر تحت أساسات النظام، ولذلك هي ممنوعة، في الشيوعية وكذلك في الصهيونية، الاساليب متشابهة: الإدانة، الرفض، العزل، التحقير وفي مرحلة معينة (لم تصلها إسرائيل بعد) ارسال من يفكرون بشكل مختلف للعلاج او للسجن. لحرية التعبير في اسرائيل حد – انه الصهيونية. من يجتز هذا الحد يفقد شرعية وجوده، باستثناء المتدينين المتشددين «الحراديم». هؤلاء ينطبق عليهم شرط «الظروف المخففة» لارتكاب الجريمة.
في إسرائيل المعاصرة، حيث «اليساري» هو لعنة، فإن الأشد سوءا من بين اللعنات كافة هو «اللا صهيوني»، الذي يعيش ويموت خارج الحد. لكن المشكلة لا تكمن فقط في انعدام وجود من يعرف ما هي الصهيونية في ايامنا هذه، بل كون مقولة اللا صهيوني رديفة لمقولة خيانة. المستوطن سارق الاراضي وحارق الحقول بالتأكيد صهيوني، حتى انه من أفضل نوع. لا يبطل ذلك لو أنه ارتكب اشد المعاصي ويدعو إلى رفض الخدمة في «المناطق» – فهو صهيوني. حنين زعبي خائنة، لأنها لا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية، اما اليمينيون الذين لا يعترفون بإسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية فهم صهاينة، وبالتالي شرعيون. الاسرائيليون الرافضون ليكونوا جزءا من هذه الصهيونية، ولديهم ما يكفي من الشجاعة كي يعرفوا انفسهم على أنهم «لا صهاينة» يجري اعتبارهم كفارا، مع كافة ما يترتب على ذلك. توجد قرون على رؤوسهم. ذلك انهم يتجرؤون على القول لا لهذه الصهيونية، للتفكير بأنها عصبية قومية وكذلك عنصرية، بأنها سارقة، محتلة وتتجه نحو «الابارتهايد».
غسيل الأدمغة وصل حداً بموجبه كل من يصاب بهذا المرض لا يعتبر معارضا لوجود الدولة فحسب، بل يُعتبر داعية لإبادتها. الإبادة موجودة في دمائنا ودائما ما تبرز باعتبارها الخيار المهدد الأول الصادر عن كل من ينتقد الدولة، وكأن نصف العالم مشغول فقط في إبادة إسرائيل. لذلك هو لا صهيوني كونه يتطلع إلى ارسال اليهود إلى أفران الغاز او إلى البحر، أو على الأقل لإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية.
لكن النظام الحاكم ليس هو الدولة، ويمكن أن تكون مناهضا للصهيونية دون أن تكون داعية للمحارق. دولة إسرائيل هي حقيقة واقعة، لم يتبق سوى القليل في العالم ممن يشككون في استمرار وجودها، وبالتأكيد أقل بكثير من المحاولات التي تعمل دعايتها التخوفية على نشرها. يدور النضال الآن على طابعها وفي الاساس على طبيعة نظامها. الصهاينة يجري اعتبارهم في الخارج كدعاة احتلال، متسببين في الحروب، داعمين للحكومة ومبررين لأفعالها. لذلك من السهل هناك أن يكون المرء مناهضا للصهيونية، وتقريبا يتوجب على كل صاحب ضمير ان يكون كذلك، في اسرائيل الصورة أقل وضوحاً: الصهيوني هو المستوطن أو أزعر الحواجز. حتى أولئك الذين اصابهم اليأس من حل الدولتين، من يعتقدون أن اسرائيل الصهيونية تبذل كل جهودها لإفشاله، ومن يفكرون بضرورة التركز في صيغة حل الدولة الواحدة – لا يمكن أن يحاكموا على مقياس الصهيونية. يجب ترك الصهيونية لكتب التاريخ. هنا توجد دولة، وهي ستبقى هنا، والآن يجب أن يدور النضال حول عدالتها، وليس على صهيونيتها.
عن «هآرتس»