انعكست قمة التفاهة التي وصلت اليها النقاشات الجماهيرية في اسرائيل بشكل جيد اثناء مؤتمر هرتسليا قبل اسبوع، خصوصا في أقوال ايهود باراك، الذي هاجم بشكل فظ غير مسبوق الحكومة. ولشدة السخرية فان ولاية باراك كرئيس للحكومة كانت الاقصر في تاريخ الدولة، مع أداء خاطئ في كل المجالات، ولا سيما في المجال الأمني، الذي يفترض أن يكون من اختصاصه. من الواضح أن «الاحترام المشكوك فيه» لم يمنعه من توجيه اللوم الى من هو عكسه، حيث إنه موجود في هذا المنصب مدة تفوق أي رئيس حكومة باستثناء بن غوريون. لستُ محاميا لنتنياهو وحكومته. بل العكس: في السابق عبرت عن قلقي العميق وتحفظي من سياسته وتعاطيه مع الكثير من المواضيع، لكن أقوال باراك مع محاولته الظهور بأنه من يحذر، خصوصا على ضوء السيرة السياسية القليلة له، يمكن اعتبارها ما بين الهذيان والاساءة. يعول باراك على ذاكرة الجمهور القصيرة وعلى اخفاء ما حدث في حكومته عن مواطني اسرائيل، حيث حدث الكثير من الاخطاء والاخفاقات. يتهم حكومة نتنياهو بـ «الفشل مرة تلو الاخرى من اجل ضمان الامن»، وأذكر هنا أن باراك هو الذي بادر الى الهروب المتسرع أحادي الجانب للجيش الاسرائيلي من الحزاب الامني في جنوب لبنان، ليترك المكان لسيطرة «حزب الله»، الذي تسلح وانتشر في السنوات التالية على الحدود. بعد ذلك بست سنوات اندلعت حرب لبنان الثانية التي كان فيها كثير من المصابين، وفي أعقابها زادت كمية السلاح لدى العدو عشرة اضعاف مع تحسن نوعيته. ايضا في ظل حكم باراك اندلعت الانتفاضة الثانية التي استمرت نحو خمس سنوات وجلبت القتل والرعب الى شوارع الدولة، وبعد عودته الى السياسة ايضا، حينما كان وزيراً للدفاع في حكومة ايهود اولمرت (2007 – 2009) وفي حكومة نتنياهو (2009 – 2013) تدهور الوضع الامني في الجنوب الى درجة اضطر فيها الجيش الاسرائيلي الى العمل مرتين من أجل اعادة الهدوء في عمليتي الرصاص المصبوب وعمود السحاب. للأسف الشديد، خرجت «حماس» بعد ذلك غير مهزومة وزادت قوتها. يصعب الامتناع عن الاستنتاج أن انتقادات باراك للفشل المتواصل في ضمان الأمن ما هي إلا وقاحة. فشل بالحجم ذاته ميز طريق باراك في ادارة الشؤون السياسية الداخلية مع هزائم كبيرة في الانتخابات لرئاسة الحكومة في 2001 وللكنيست في 2009 (الهزيمة الاصعب لحزب العمل مع 13 عضو كنيست فقط). ايضا في مجال القيم الجماهيرية يبدو أنه لا يوجد لباراك ما يتفاخر به: قال مراقب الدولة في التقرير الذي نشر في العام 2011 إن العملية التي نقل في سياقها باراك اعماله الخاصة لبناته الثلاث «كانت فيها أخطاء... أعمال باراك لم تلائم المعايير المتوقعة من وزير». وبلهجة مشابهة قالت صحيفة «ذي ماركر»: «التقرير توبيخ جماهيري خطير للوزير باراك». إن هجومه على الحكومة يتسبب بضرر كبير لصورة دولتنا واستقامة الحكومة المنتخبة. اتهاماته الكاذبة يستغلها اعداؤنا الذين يعملون على تشويه صورتنا. ما الذي سيأملونه أكثر حينما يحذر رئيس الحكومة السابق من وجود «بوادر فاشية» في اوساط النظام في اسرائيل؟ إن امكانية إسماع انتقادات شديدة الى هذه الدرجة وظهورها في وسائل الاعلام الاسرائيلية تضع انتقاداته موضع السخرية حول الفاشية التي تقترب. وبالقدر ذاته ليس من الصعب وصف العاصفة الاعلامية التي كانت ستثور لو كان نتنياهو بدلا من باراك هو الذي ينتقد خصومه بشكل مشابه. كان يمكن قول كل جملة وكل تحريض في خطاب باراك اليائس الذي كان من أبرز القادة الفاشلين في تاريخ الدولة. ولكن في سياق مقال آخر، توجد حدود لكمية السخافات التي يمكن دحضها. وفي نهاية المطاف، آمل أن يكون الجمهور الاسرائيلي مستعدا ومجربا بما يكفي كي لا يتم اغراؤه وتضليله بالاكاذيب التي يبثها الشخص الذي اثبت مرة تلو الاخرى أنه لا يستطيع بالفعل. عن «إسرائيل اليوم»
لابيد وبن باراك يُرشحان أنفسهما لرئاسة حزب "ييش عتيد"
03 أكتوبر 2023