بمثابة المجهول
ألقى موشيه كحلون في يوم الاثنين قنبلة. الاقوال التي قالها في جلسة حزب «كلنا» في الكنيست كان يمكن اعتبارها في دولة ذات نظام مختلف بمثابة التمرد العلني. «الاقتراح الأميركي للمساعدة الامنية للعقد القادم هو ايجابي وعادل. وباستطاعة جهاز الامن التأقلم معها، لا يوجد سبب لنقوم بخطوات قد تعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة. قلت لرئيس الحكومة ووزير الدفاع، وأقول لهما اليوم ايضا، يجب تبني الاقتراح ووضع حد لهذا الامر. في ظل الادارة الحالية. الولايات المتحدة هي الشريك الاستراتيجي الاهم بالنسبة لنا، صديق حقيقي وهكذا يجب التعاطي معها». لا داعي للقلق. كحلون لن يحاكم قريبا بتهمة التمرد ولن يتم اتهامه بالخيانة، فله حزب مع 10 مقاعد وهو لا يرى رئيس الحكومة من مسافة متر. في الايام العادية، في دولة سليمة، الاقوال التي قالها تستحق عنوانا ضخما يدوي لفترة طويلة ويتسبب في نقاش جماهيري غير متسامح. وزير المالية ينتقد علنا سياسة رئيس الحكومة ويقول علنا ما يعرفه الجهاز الامني والسياسي وما يقال من وراء الكواليس: نتنياهو يقوم بتخريب التحالف الاستراتيجي بين اسرائيل والولايات المتحدة، ويراهن مرة اخرى على صفقة المساعدة الاستراتيجية الاكثر أهمية ويتعاطى مع الاملاك المهمة للامن القومي الاسرائيلي وكأنها العابه الخاصة. اذا اراد حطمها واذا اراد استمر في اللعب.
إن رأي وزير الدفاع الجديد، افيغدور ليبرمان، يشابه رأي وزير المالية، حيث توجها الى رئيس الحكومة وطلبا منه النزول عن الشجرة التي صعد عليها: «قلت لرئيس الحكومة ووزير الدفاع وأقول لهما اليوم ايضا»، قال يعلون ملمحا للدراما التي حدثت قبل ذلك ببضعة ايام في لقاء ثلاثي بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير المالية. نتنياهو وجد نفسه في الاقلية. جلس امامه اثنان بالغان ومسؤولان حاولا انزاله عن الشجرة العالية التي تسلقها معنا جميعا. لكنه يرفض النزول. هو يفضل تحطيم الرأس بدل الاعتراف بالخطأ ووقف الخسائر.
البروفيسور عوزي اراد ايضا المقرب من نتنياهو، والذي كان مستشارا للامن القومي، اضطر الى قول الحقيقة بصوت عال قائلا إن الحديث يدور عن سقوط، هذه امور ليست هامشية. هذا ملخص وجودنا. صفقة المساعدات الامنية الأميركية لعشر سنوات هي أكبر من أي صفقة اخرى ترتبط بالاقتصاد أو الامن القومي. من ناحية الاهمية، هي أكثر اهمية من اكتشاف الغاز. نجح بوغي يعلون وكحلون بجهد كبير في الموافقة على ميزانية متعددة السنوات من اجل تمكين الجيش من الذهاب الى خطة متعددة السنوات، الامر الذي يسمح للجيش بتخطيط خطوات الى الامام والتفكير بعيد المدى. المشكلة هي أن كل شيء عالق الآن لأنه ليس هناك يقين حول المساعدات الأميركية. الجزء الاهم في المعادلة ما زال مجهولا.
صفقة المساعدات الأميركية هي حدث مفصلي وحاسم في الامن القومي الاسرائيلي. على اسرائيل الذهاب الى المفاوضات بكل مشاعرها وقدرتها على رفع حاجاتها ومصالحها أمام حليفتها الاستراتيجية الاكبر. المسألة ليست مسألة اموال فقط، أو طائرات وصواريخ وقنابل ذكية، الحديث يدور عن تفاهمات استراتيجية وتعاون امني ومعلومات ومظلة جوية وسياسية واقتصادية وامور اخرى حاسمة كثيرة.
كان باستطاعة نتنياهو الحصول على رسالة من اوباما في الصيف الماضي فيما يتعلق بهضبة الجولان كما حصل شارون من بوش على رسالة فيما يتعلق بالكتل الاستيطانية. كان يمكنه تحسين التفاهمات الاستراتيجية. وكان يمكنه ارساء ضمانات سياسية وتشكيل هيئة مشتركة للرقابة على تطبيق الاتفاق النووي مع ايران وايضا بروتوكول متفق عليه للرد في حالة اخلال ايران بتنفيذ الاتفاق. كانت السماء فقط هي الحدود لما كان يمكن أخذه من الأميركيين في تموز الماضي بعد التوقيع على الاتفاق مع ايران في فيينا، حيث اتصلوا مع نتنياهو من البيت الابيض وقالوا له «كفى، توقف، حان الوقت لأن تتصرف بعقلانية».
قائد مسؤول كان سيتصرف بطريقة مختلفة مع استغلال الرافعات التي لديه. نتنياهو ذهب مع الحفار وحطم كل ما هو قابل للتحطيم. وايضا بعد اهانته للرئيس الأميركي بكل طريقة ممكنة، كان يمكنه الاصلاح: قبل سنة، وبعد توقيع الاتفاق النووي، تم الاقتراح عليه وقف الصراع والدخول في المفاوضات لكنه رفض.
في حينه جلس نتنياهو من اجل التشاور مع شخصية امنية سياسية لا تنتمي لمعسكره السياسي. هذا الشخص الذي له تجربة في هذا المجال قال له أن يوقف الحرب ضد الادارة الأميركية وأن يقوم بتبريد الاجواء وتقليص الفجوة والذهاب الى المفاوضات من اجل صفقة التعويض، كما اقترح الأميركيون. لكن نتنياهو قال «إنهم يعتقدون أنهم يستطيعون شرائي مثلما اشتروا الهنود في حينه بحزمة من الخرز؟»، وقال ايضا «لا أنوي التراجع. ففي نهاية المطاف سنحصل على نفس الشيء».
من الواضح أننا لن نحصل على نفس الشيء. فالفجوة بين ما كان باستطاعتنا الحصول عليه لو كان على رأس الدولة قائد مسؤول وبين ما سنحصل عليه بالفعل، كبيرة ومثيرة للغضب. البرهان على ذلك هو حقيقة أن رئيس الحكومة نفسه لا يوقع على الصفقة ويحاول التمسك بكل قوته ببقايا الأمل. في يوم الاربعاء مساء انكشفت العورة في مقابلة مع أحد مستشاري دونالد ترامب في القناة 2. لقد أوصى الشخص نتنياهو بانتظار ترامب، وأعلن «معنا ستحصل اسرائيل على أكثر من ذلك». هذه هي الورقة الاقوى لنتنياهو الآن، وهذا يؤكد حجم المشكلة.
«عندما اقترح الأميركيون الصفقة علينا، حلق في الفضاء الرقم 5 مليارات دولار سنويا»، كما قال مصدر سياسي مطلع على التفاصيل، «هذا يعني 50 مليار في عشر سنوات. يبدو هذا معقولا للجميع. المال هو الشيء الارخص هنا. يجب علينا الفهم منذ التوقيع على الصفقة السابقة التي حصلنا فيها على 3.1 مليار دولار في السنة، تراجعت قوة الدولار الشرائية، كميات كبيرة من السلاح تغرق الشرق الاوسط. هناك تراجع واضح من ناحيتنا. كان الأميركيون مستعدون لتعويضنا على ذلك. يتبين الآن انه ليس فقط لن يعوضونا بل يزيدون من خطورة وضعنا. إنهم يريدون الغاء امكانية استبدال ربع اموال المساعدة بالشواقل. هذا يعني أن الصناعات الامنية الاسرائيلية ستخسر مئات ملايين الدولارات سنويا».
إن ما فعله نتنياهو في موضوع المساعدة الامنية للولايات المتحدة قريب من الاخلال بالثقة. هذا الاسبوع عندما اضطر كحلون لاسماع صوته في الموضوع ومن بعده ليبرمان، هاجم مقربو باراك وزعموا أن كحلون وليبرمان ليسا خدعة، وليتوقفا عن ازعاج العقل وأن الوحيد الذي يتابع المفاوضات حول الصفقة هو بيبي نفسه، ومعه القائم باعمال رئيس هيئة الامن القومي فعلا، وهو يعقوب نغال، الذي يكثر من الظهور في وسائل الاعلام وبث اقوال مكتب رئيس الحكومة. واضاف المقربون ايضا، بدون ذكر الاسماء، أن ادارة المفاوضات هي مهنة وان نتنياهو يدرك التفاصيل أكثر من كل الاقاويل المحيطة، فليتوقفوا عن ازعاجه وليسمحوا له بالعمل.
التنازل عن كل شيء
أحاول تذكر متى قام نتنياهو مؤخرا بالادارة الجيدة للمفاوضات. بعد الانتخابات الاخيرة، عندما فاز بثلاثين مقعدا، أعلن المحللون السياسيون أن تشكيل الحكومة سيكون «رحلة سهلة بعد الظهر». وما حدث بالفعل هو فوضى استمرت الى أن وجد نتنياهو نفسه قبل 48 ساعة من انتهاء موعد التمديد الاخير بدون حكومة. كان عبقري المفاوضات على قناعة أنهم تآمروا عليه وأنهم سيشكلون حكومة من وراء ظهره. أعلن ليبرمان في اللحظة الاخيرة أنه سيبقى في الخارج، شاس استعرضت عضلاتها وبينيت تحصن.
فوضى نتنياهو التي ارسلته الى ستوديو التلفزيون في 1992 ليقول لشعب اسرائيل إنه يخون زوجته بسبب شريط متقد لم يكن، سببت له الاستجابة بسرعة لمطالب درعي وكل مطالب بينيت، بما في ذلك التنازل عن الامر الاستراتيجي الهام (ملف وزارة العدل) من اجل تشكيل الحكومة في الدقيقة التسعين وبدون تنفس تقريبا. كل ذلك حدث بعد انتصار كبير في صناديق الاقتراع. لا شك ان الشخص هو مدرسة في ادارة المفاوضات.
ما يميز طريقة ادارة نتنياهو للمفاوضات هو التنازل عن كل شيء، من اجل المصلحة الشخصية. إنه يوزع كل الوزارات الهامة على شركائه في الائتلاف من اجل ضمان تشكيل الحكومة. وبعد ذلك يتبين أنه لم يبق شيء لليكود. ولكن من يهتم بأمرهم؟ ليقولوا شكرا لأن نتنياهو أدخلهم الى الكنيست. للاسف الشديد هذا ما رأيناه ايضا مع الأميركيين بخصوص صفقة التعويض. لقد رهن مستقبلنا وأمننا من اجل القاء خطاب «تاريخي» آخر في الجمعية العمومية للامم المتحدة وضد الاتفاق النووي، لقد راهن بكل شيء من اجل الاستمرار في حملة الخطابات، الامر الذي لم يغير شيء. اذا وقع على الاتفاق ستنكشف عورته، واذا لم يوقع فانه قد يشتاق له.
ما العمل اذا؟ لا شيء في الوقت الحالي. هذا ما دفع وزراء المالية والدفاع الى الجنون. وهذا ما يجب أن يقلقنا جميعا. تشير الاحتمالات الى أن الاتفاق سيوقع في نهاية المطاف مع ادارة اوباما. وسينتصر المنطق، لكن المشكلة أن هذا سيكون قليلا جدا ومتأخرا جدا.
لعبة لقصة
صور افيغدور ليبرمان وهو يوقع على طائرة «أدير» (اف 35) الاولى لسلاح الجو، وبعد ذلك يجلس في داخلها ويراقب، لم تفرح نتنياهو. فهو يعرف ما الذي يفكر فيه ليبرمان عنه. وهو غير راض حينما يشاهد وزير الدفاع الجديد وهو يجلس في مقصورة الطيار. الاشخاص الذين التقوا مع نتنياهو في هذا الاسبوع يتحدثون عن رئيس حكومة متوتر جدا، وسنتحدث عن اسباب ذلك في السياق.
ورغم كل شيء، نتنياهو يستمر في رحلة الزحف لاحتلال جهاز السلطة الرسمي في اسرائيل وتحويله الى قيساريا. والورقة المستخدمة في هذا الاسبوع كانت عضو الكنيست يوآف كيش من الليكود، الذي قدم اقتراح قانون يمنع اعضاء الكنيست من التوجه لمحكمة العدل العليا للاستئتنافات. أعتقد أنه حان الوقت لاختصار الرحلة والذهاب مباشرة الى السطر الاخير: جميع اعضاء الكنيست سيضطرون الى أداء اليمين أمام عائلة نتنياهو، لن يستطيعوا تقديم اقتراح لحجب الثقة وسيوافقون على كل بشرى تخرج من بلفور.
اليكم قصة اقتراح آخر أكثر جدية لعضو الكنيست عوفر شيلح من يوجد مستقبل. شيلح هو المشرع الاكثر اطلاعا على الشؤون الامنية. وقد اقترح على الكنيست في هذا الاسبوع قانون الخدمات السرية. الهدف: ترتيب الاطار الدستوري والاداري لعمل الخدمات السرية في اسرائيل (وخصوصا الموساد والشباك). هذان الجهازان يخضعان مباشرة لرئيس الحكومة. ولكن كون الجدول الزمني والاستماع من قبل رئيس الحكومة في اسرائيل، هما امران نادران جدا، ففي الواقع يتصرفان بدون رقابة أو تخطيط.
في الولاية السابقة عندما كان يوفال شتاينيتس وزيرا للاستخبارات قام بمحاولة بطولية من اجل الحصول على صلاحيات لمراقبة هذه المنظمات. وتم كبح المحاولة من قبل الجهاز. يحاول شيلح مأسسة ذلك عن طريق القانون الذي يقضي بـ وضع وزير لشؤون الاستخبارات، وتكون هذه وظيفته الوحيدة ويكون عضوا في الكابنت. تستمر الخدمات السرية في خضوعها لرئيس الحكومة، ويكون وزير شؤون الاستخبارات مخول من رئيس الحكومة لمتابعة هذه الاجهزة. يتم تعيين رئيس الموساد والشباك من رئيس الحكومة بعد التشاور مع الوزير. هو يراقب نشاطهما باسم رئيس الحكومة، وكذلك تعيين القادة رفيعي المستوى في داخلها، وهو يبلور سياسة الاستخبارات ويضع خطط متعددة السنوات ويراقب الميزانيات وخطط العمل ومبنى القوى وصلاحيات الوزير تمنح له بناء على صلاحيات رئيس الحكومة. هو يكون بمثابة ذراع لرئيس الحكومة بوظيفة كاملة أمام منظماتنا السرية.
قدم شيلح اقتراحه لتمير فردو ويورام كوهين، رئيسي الموساد والشباك سابقا، وحظي بتأييدهما. وقد جعلاه يعتقد أن الاقتراح ستتم الموافقة عليه. ويعرف الجميع تقريبا ويفهمون أن الموساد والشباك يديران شؤونهما بأنفسهما. فلرئيس الحكومة لا يوجد الوقت من اجل مراقبتهما. وهذا يؤدي احيانا الى أخطاء كبيرة وصدامات حول المجالات والصلاحيات والجدالات حول الميزانيات وغيرها. لا توجد يد موجهة، كل شيء صدفي وتقوم اللجنة الثانوية للجنة الخارجية والامن بالمراقبة فيما بعد.
قيل لشيلح إن الكين يؤيد وإن لفين يؤيد وشتاينيتس ايضا. ولكن قيل له ايضا إن رئيس الحكومة سيؤيد القانون اذا وافق شيلح على أن يأخذ معه الوزير الحالي للاستخبارات اسرائيل كاتس. وفهم شيلح أن كاتس هو تهديد استراتيجي على نتنياهو، لذلك فان فرصة أن يتنازل بيبي عن جزء من الاعيبه، هي صفر. وافق شيلح على أن تتم الموافقة على القانون وأن يسري فقط في الولاية الرئاسية القادمة فقط حيث لن يكون كاتس وزيرا للاستخبارات، لكن هذا ايضا لم يفد.
قبل اسبوعين قامت لجنة الوزراء للتشريع بتأجيل، بضغط من نتنياهو، التصويت على هذا القانون. وبعد ذلك تأجل مدة شهر. شيلح أحضر الاقتراح الى قاعة الكنيست وصعد من اجل تقديمه، وألقى أحد الخطابات الابرز في الاونة الاخيرة. قدم شيلح ادعاءاته مؤكدا أن الاجهزة الاستخبارية تابعة لرئيس الحكومة وليس لأي شخص آخر، وأن لا أحد يتنازل عن هذه اللعبة الخاصة حتى لو لم يكن لديه الوقت لها. اضافة الى ذلك، اسرائيل كاتس هو وزير الاستخبارات واذا كان لهذا الدور اهمية، فانه قد يتطور في وعي الجمهور ويحصل على قيمة في الشؤون الامنية. وهذا خطر وجودي على اسرائيل اذا كان رئيس الحكومة لا يستطيع تحمل ذلك. كرر ذلك اربع مرات.
صعد كاتس ليرد باسم الحكومة مشيرا الى أنه رغم جدية الاقتراح، إلا أن فيه مشاكل بنيوية وهو يطلب تأجيل النقاش لشهر. عضو الكنيست دافيد بيتان، رئيس الائتلاف، اشار الى كاتس أنه لا توجد اغلبية كافية في القاعة، لذلك أطال الوقت والمزيد من الوقت، لكن ادعاءاته انتهت ونزل فصعد شيلح للرد عليه، ولم تكن هناك اغلبية في القاعة. فطلب بيتان ان يصعد كاتس مرة اخرى، وهذا ممنوع حسب قانون الكنيست. لهذا بحثوا عن وزير آخر. وعندها بدأ شيلح بالمزاح مع الوزير ليتسمان (الذي قدم حل الوسط في ازمة الكابنت مع بينيت) وقال له «يعقوب، لماذا لا تصعد وتقترح أن تحسم الامر المحكمة الدينية». وحاول اقناع حاييم كاتس على الصعود، لكنه لا يفهم في هذا الامر، فصعد في النهاية ياريف لفين الذي أيد الاقتراح أصلا، فانفجر شيلح بالضحك وصرخ من أسفل «كيف يرسلونك وأنت مؤيد». وتحدث لفين عن محاسن القانون واطال الوقت الى أن اشار له بيتان أن هناك اغلبية، فنزل وصوتت الكنيست ضد وزال الخطر الوجودي.
ألقى موشيه كحلون في يوم الاثنين قنبلة. الاقوال التي قالها في جلسة حزب «كلنا» في الكنيست كان يمكن اعتبارها في دولة ذات نظام مختلف بمثابة التمرد العلني. «الاقتراح الأميركي للمساعدة الامنية للعقد القادم هو ايجابي وعادل. وباستطاعة جهاز الامن التأقلم معها، لا يوجد سبب لنقوم بخطوات قد تعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة. قلت لرئيس الحكومة ووزير الدفاع، وأقول لهما اليوم ايضا، يجب تبني الاقتراح ووضع حد لهذا الامر. في ظل الادارة الحالية. الولايات المتحدة هي الشريك الاستراتيجي الاهم بالنسبة لنا، صديق حقيقي وهكذا يجب التعاطي معها». لا داعي للقلق. كحلون لن يحاكم قريبا بتهمة التمرد ولن يتم اتهامه بالخيانة، فله حزب مع 10 مقاعد وهو لا يرى رئيس الحكومة من مسافة متر. في الايام العادية، في دولة سليمة، الاقوال التي قالها تستحق عنوانا ضخما يدوي لفترة طويلة ويتسبب في نقاش جماهيري غير متسامح. وزير المالية ينتقد علنا سياسة رئيس الحكومة ويقول علنا ما يعرفه الجهاز الامني والسياسي وما يقال من وراء الكواليس: نتنياهو يقوم بتخريب التحالف الاستراتيجي بين اسرائيل والولايات المتحدة، ويراهن مرة اخرى على صفقة المساعدة الاستراتيجية الاكثر أهمية ويتعاطى مع الاملاك المهمة للامن القومي الاسرائيلي وكأنها العابه الخاصة. اذا اراد حطمها واذا اراد استمر في اللعب.
إن رأي وزير الدفاع الجديد، افيغدور ليبرمان، يشابه رأي وزير المالية، حيث توجها الى رئيس الحكومة وطلبا منه النزول عن الشجرة التي صعد عليها: «قلت لرئيس الحكومة ووزير الدفاع وأقول لهما اليوم ايضا»، قال يعلون ملمحا للدراما التي حدثت قبل ذلك ببضعة ايام في لقاء ثلاثي بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير المالية. نتنياهو وجد نفسه في الاقلية. جلس امامه اثنان بالغان ومسؤولان حاولا انزاله عن الشجرة العالية التي تسلقها معنا جميعا. لكنه يرفض النزول. هو يفضل تحطيم الرأس بدل الاعتراف بالخطأ ووقف الخسائر.
البروفيسور عوزي اراد ايضا المقرب من نتنياهو، والذي كان مستشارا للامن القومي، اضطر الى قول الحقيقة بصوت عال قائلا إن الحديث يدور عن سقوط، هذه امور ليست هامشية. هذا ملخص وجودنا. صفقة المساعدات الامنية الأميركية لعشر سنوات هي أكبر من أي صفقة اخرى ترتبط بالاقتصاد أو الامن القومي. من ناحية الاهمية، هي أكثر اهمية من اكتشاف الغاز. نجح بوغي يعلون وكحلون بجهد كبير في الموافقة على ميزانية متعددة السنوات من اجل تمكين الجيش من الذهاب الى خطة متعددة السنوات، الامر الذي يسمح للجيش بتخطيط خطوات الى الامام والتفكير بعيد المدى. المشكلة هي أن كل شيء عالق الآن لأنه ليس هناك يقين حول المساعدات الأميركية. الجزء الاهم في المعادلة ما زال مجهولا.
صفقة المساعدات الأميركية هي حدث مفصلي وحاسم في الامن القومي الاسرائيلي. على اسرائيل الذهاب الى المفاوضات بكل مشاعرها وقدرتها على رفع حاجاتها ومصالحها أمام حليفتها الاستراتيجية الاكبر. المسألة ليست مسألة اموال فقط، أو طائرات وصواريخ وقنابل ذكية، الحديث يدور عن تفاهمات استراتيجية وتعاون امني ومعلومات ومظلة جوية وسياسية واقتصادية وامور اخرى حاسمة كثيرة.
كان باستطاعة نتنياهو الحصول على رسالة من اوباما في الصيف الماضي فيما يتعلق بهضبة الجولان كما حصل شارون من بوش على رسالة فيما يتعلق بالكتل الاستيطانية. كان يمكنه تحسين التفاهمات الاستراتيجية. وكان يمكنه ارساء ضمانات سياسية وتشكيل هيئة مشتركة للرقابة على تطبيق الاتفاق النووي مع ايران وايضا بروتوكول متفق عليه للرد في حالة اخلال ايران بتنفيذ الاتفاق. كانت السماء فقط هي الحدود لما كان يمكن أخذه من الأميركيين في تموز الماضي بعد التوقيع على الاتفاق مع ايران في فيينا، حيث اتصلوا مع نتنياهو من البيت الابيض وقالوا له «كفى، توقف، حان الوقت لأن تتصرف بعقلانية».
قائد مسؤول كان سيتصرف بطريقة مختلفة مع استغلال الرافعات التي لديه. نتنياهو ذهب مع الحفار وحطم كل ما هو قابل للتحطيم. وايضا بعد اهانته للرئيس الأميركي بكل طريقة ممكنة، كان يمكنه الاصلاح: قبل سنة، وبعد توقيع الاتفاق النووي، تم الاقتراح عليه وقف الصراع والدخول في المفاوضات لكنه رفض.
في حينه جلس نتنياهو من اجل التشاور مع شخصية امنية سياسية لا تنتمي لمعسكره السياسي. هذا الشخص الذي له تجربة في هذا المجال قال له أن يوقف الحرب ضد الادارة الأميركية وأن يقوم بتبريد الاجواء وتقليص الفجوة والذهاب الى المفاوضات من اجل صفقة التعويض، كما اقترح الأميركيون. لكن نتنياهو قال «إنهم يعتقدون أنهم يستطيعون شرائي مثلما اشتروا الهنود في حينه بحزمة من الخرز؟»، وقال ايضا «لا أنوي التراجع. ففي نهاية المطاف سنحصل على نفس الشيء».
من الواضح أننا لن نحصل على نفس الشيء. فالفجوة بين ما كان باستطاعتنا الحصول عليه لو كان على رأس الدولة قائد مسؤول وبين ما سنحصل عليه بالفعل، كبيرة ومثيرة للغضب. البرهان على ذلك هو حقيقة أن رئيس الحكومة نفسه لا يوقع على الصفقة ويحاول التمسك بكل قوته ببقايا الأمل. في يوم الاربعاء مساء انكشفت العورة في مقابلة مع أحد مستشاري دونالد ترامب في القناة 2. لقد أوصى الشخص نتنياهو بانتظار ترامب، وأعلن «معنا ستحصل اسرائيل على أكثر من ذلك». هذه هي الورقة الاقوى لنتنياهو الآن، وهذا يؤكد حجم المشكلة.
«عندما اقترح الأميركيون الصفقة علينا، حلق في الفضاء الرقم 5 مليارات دولار سنويا»، كما قال مصدر سياسي مطلع على التفاصيل، «هذا يعني 50 مليار في عشر سنوات. يبدو هذا معقولا للجميع. المال هو الشيء الارخص هنا. يجب علينا الفهم منذ التوقيع على الصفقة السابقة التي حصلنا فيها على 3.1 مليار دولار في السنة، تراجعت قوة الدولار الشرائية، كميات كبيرة من السلاح تغرق الشرق الاوسط. هناك تراجع واضح من ناحيتنا. كان الأميركيون مستعدون لتعويضنا على ذلك. يتبين الآن انه ليس فقط لن يعوضونا بل يزيدون من خطورة وضعنا. إنهم يريدون الغاء امكانية استبدال ربع اموال المساعدة بالشواقل. هذا يعني أن الصناعات الامنية الاسرائيلية ستخسر مئات ملايين الدولارات سنويا».
إن ما فعله نتنياهو في موضوع المساعدة الامنية للولايات المتحدة قريب من الاخلال بالثقة. هذا الاسبوع عندما اضطر كحلون لاسماع صوته في الموضوع ومن بعده ليبرمان، هاجم مقربو باراك وزعموا أن كحلون وليبرمان ليسا خدعة، وليتوقفا عن ازعاج العقل وأن الوحيد الذي يتابع المفاوضات حول الصفقة هو بيبي نفسه، ومعه القائم باعمال رئيس هيئة الامن القومي فعلا، وهو يعقوب نغال، الذي يكثر من الظهور في وسائل الاعلام وبث اقوال مكتب رئيس الحكومة. واضاف المقربون ايضا، بدون ذكر الاسماء، أن ادارة المفاوضات هي مهنة وان نتنياهو يدرك التفاصيل أكثر من كل الاقاويل المحيطة، فليتوقفوا عن ازعاجه وليسمحوا له بالعمل.
التنازل عن كل شيء
أحاول تذكر متى قام نتنياهو مؤخرا بالادارة الجيدة للمفاوضات. بعد الانتخابات الاخيرة، عندما فاز بثلاثين مقعدا، أعلن المحللون السياسيون أن تشكيل الحكومة سيكون «رحلة سهلة بعد الظهر». وما حدث بالفعل هو فوضى استمرت الى أن وجد نتنياهو نفسه قبل 48 ساعة من انتهاء موعد التمديد الاخير بدون حكومة. كان عبقري المفاوضات على قناعة أنهم تآمروا عليه وأنهم سيشكلون حكومة من وراء ظهره. أعلن ليبرمان في اللحظة الاخيرة أنه سيبقى في الخارج، شاس استعرضت عضلاتها وبينيت تحصن.
فوضى نتنياهو التي ارسلته الى ستوديو التلفزيون في 1992 ليقول لشعب اسرائيل إنه يخون زوجته بسبب شريط متقد لم يكن، سببت له الاستجابة بسرعة لمطالب درعي وكل مطالب بينيت، بما في ذلك التنازل عن الامر الاستراتيجي الهام (ملف وزارة العدل) من اجل تشكيل الحكومة في الدقيقة التسعين وبدون تنفس تقريبا. كل ذلك حدث بعد انتصار كبير في صناديق الاقتراع. لا شك ان الشخص هو مدرسة في ادارة المفاوضات.
ما يميز طريقة ادارة نتنياهو للمفاوضات هو التنازل عن كل شيء، من اجل المصلحة الشخصية. إنه يوزع كل الوزارات الهامة على شركائه في الائتلاف من اجل ضمان تشكيل الحكومة. وبعد ذلك يتبين أنه لم يبق شيء لليكود. ولكن من يهتم بأمرهم؟ ليقولوا شكرا لأن نتنياهو أدخلهم الى الكنيست. للاسف الشديد هذا ما رأيناه ايضا مع الأميركيين بخصوص صفقة التعويض. لقد رهن مستقبلنا وأمننا من اجل القاء خطاب «تاريخي» آخر في الجمعية العمومية للامم المتحدة وضد الاتفاق النووي، لقد راهن بكل شيء من اجل الاستمرار في حملة الخطابات، الامر الذي لم يغير شيء. اذا وقع على الاتفاق ستنكشف عورته، واذا لم يوقع فانه قد يشتاق له.
ما العمل اذا؟ لا شيء في الوقت الحالي. هذا ما دفع وزراء المالية والدفاع الى الجنون. وهذا ما يجب أن يقلقنا جميعا. تشير الاحتمالات الى أن الاتفاق سيوقع في نهاية المطاف مع ادارة اوباما. وسينتصر المنطق، لكن المشكلة أن هذا سيكون قليلا جدا ومتأخرا جدا.
لعبة لقصة
صور افيغدور ليبرمان وهو يوقع على طائرة «أدير» (اف 35) الاولى لسلاح الجو، وبعد ذلك يجلس في داخلها ويراقب، لم تفرح نتنياهو. فهو يعرف ما الذي يفكر فيه ليبرمان عنه. وهو غير راض حينما يشاهد وزير الدفاع الجديد وهو يجلس في مقصورة الطيار. الاشخاص الذين التقوا مع نتنياهو في هذا الاسبوع يتحدثون عن رئيس حكومة متوتر جدا، وسنتحدث عن اسباب ذلك في السياق.
ورغم كل شيء، نتنياهو يستمر في رحلة الزحف لاحتلال جهاز السلطة الرسمي في اسرائيل وتحويله الى قيساريا. والورقة المستخدمة في هذا الاسبوع كانت عضو الكنيست يوآف كيش من الليكود، الذي قدم اقتراح قانون يمنع اعضاء الكنيست من التوجه لمحكمة العدل العليا للاستئتنافات. أعتقد أنه حان الوقت لاختصار الرحلة والذهاب مباشرة الى السطر الاخير: جميع اعضاء الكنيست سيضطرون الى أداء اليمين أمام عائلة نتنياهو، لن يستطيعوا تقديم اقتراح لحجب الثقة وسيوافقون على كل بشرى تخرج من بلفور.
اليكم قصة اقتراح آخر أكثر جدية لعضو الكنيست عوفر شيلح من يوجد مستقبل. شيلح هو المشرع الاكثر اطلاعا على الشؤون الامنية. وقد اقترح على الكنيست في هذا الاسبوع قانون الخدمات السرية. الهدف: ترتيب الاطار الدستوري والاداري لعمل الخدمات السرية في اسرائيل (وخصوصا الموساد والشباك). هذان الجهازان يخضعان مباشرة لرئيس الحكومة. ولكن كون الجدول الزمني والاستماع من قبل رئيس الحكومة في اسرائيل، هما امران نادران جدا، ففي الواقع يتصرفان بدون رقابة أو تخطيط.
في الولاية السابقة عندما كان يوفال شتاينيتس وزيرا للاستخبارات قام بمحاولة بطولية من اجل الحصول على صلاحيات لمراقبة هذه المنظمات. وتم كبح المحاولة من قبل الجهاز. يحاول شيلح مأسسة ذلك عن طريق القانون الذي يقضي بـ وضع وزير لشؤون الاستخبارات، وتكون هذه وظيفته الوحيدة ويكون عضوا في الكابنت. تستمر الخدمات السرية في خضوعها لرئيس الحكومة، ويكون وزير شؤون الاستخبارات مخول من رئيس الحكومة لمتابعة هذه الاجهزة. يتم تعيين رئيس الموساد والشباك من رئيس الحكومة بعد التشاور مع الوزير. هو يراقب نشاطهما باسم رئيس الحكومة، وكذلك تعيين القادة رفيعي المستوى في داخلها، وهو يبلور سياسة الاستخبارات ويضع خطط متعددة السنوات ويراقب الميزانيات وخطط العمل ومبنى القوى وصلاحيات الوزير تمنح له بناء على صلاحيات رئيس الحكومة. هو يكون بمثابة ذراع لرئيس الحكومة بوظيفة كاملة أمام منظماتنا السرية.
قدم شيلح اقتراحه لتمير فردو ويورام كوهين، رئيسي الموساد والشباك سابقا، وحظي بتأييدهما. وقد جعلاه يعتقد أن الاقتراح ستتم الموافقة عليه. ويعرف الجميع تقريبا ويفهمون أن الموساد والشباك يديران شؤونهما بأنفسهما. فلرئيس الحكومة لا يوجد الوقت من اجل مراقبتهما. وهذا يؤدي احيانا الى أخطاء كبيرة وصدامات حول المجالات والصلاحيات والجدالات حول الميزانيات وغيرها. لا توجد يد موجهة، كل شيء صدفي وتقوم اللجنة الثانوية للجنة الخارجية والامن بالمراقبة فيما بعد.
قيل لشيلح إن الكين يؤيد وإن لفين يؤيد وشتاينيتس ايضا. ولكن قيل له ايضا إن رئيس الحكومة سيؤيد القانون اذا وافق شيلح على أن يأخذ معه الوزير الحالي للاستخبارات اسرائيل كاتس. وفهم شيلح أن كاتس هو تهديد استراتيجي على نتنياهو، لذلك فان فرصة أن يتنازل بيبي عن جزء من الاعيبه، هي صفر. وافق شيلح على أن تتم الموافقة على القانون وأن يسري فقط في الولاية الرئاسية القادمة فقط حيث لن يكون كاتس وزيرا للاستخبارات، لكن هذا ايضا لم يفد.
قبل اسبوعين قامت لجنة الوزراء للتشريع بتأجيل، بضغط من نتنياهو، التصويت على هذا القانون. وبعد ذلك تأجل مدة شهر. شيلح أحضر الاقتراح الى قاعة الكنيست وصعد من اجل تقديمه، وألقى أحد الخطابات الابرز في الاونة الاخيرة. قدم شيلح ادعاءاته مؤكدا أن الاجهزة الاستخبارية تابعة لرئيس الحكومة وليس لأي شخص آخر، وأن لا أحد يتنازل عن هذه اللعبة الخاصة حتى لو لم يكن لديه الوقت لها. اضافة الى ذلك، اسرائيل كاتس هو وزير الاستخبارات واذا كان لهذا الدور اهمية، فانه قد يتطور في وعي الجمهور ويحصل على قيمة في الشؤون الامنية. وهذا خطر وجودي على اسرائيل اذا كان رئيس الحكومة لا يستطيع تحمل ذلك. كرر ذلك اربع مرات.
صعد كاتس ليرد باسم الحكومة مشيرا الى أنه رغم جدية الاقتراح، إلا أن فيه مشاكل بنيوية وهو يطلب تأجيل النقاش لشهر. عضو الكنيست دافيد بيتان، رئيس الائتلاف، اشار الى كاتس أنه لا توجد اغلبية كافية في القاعة، لذلك أطال الوقت والمزيد من الوقت، لكن ادعاءاته انتهت ونزل فصعد شيلح للرد عليه، ولم تكن هناك اغلبية في القاعة. فطلب بيتان ان يصعد كاتس مرة اخرى، وهذا ممنوع حسب قانون الكنيست. لهذا بحثوا عن وزير آخر. وعندها بدأ شيلح بالمزاح مع الوزير ليتسمان (الذي قدم حل الوسط في ازمة الكابنت مع بينيت) وقال له «يعقوب، لماذا لا تصعد وتقترح أن تحسم الامر المحكمة الدينية». وحاول اقناع حاييم كاتس على الصعود، لكنه لا يفهم في هذا الامر، فصعد في النهاية ياريف لفين الذي أيد الاقتراح أصلا، فانفجر شيلح بالضحك وصرخ من أسفل «كيف يرسلونك وأنت مؤيد». وتحدث لفين عن محاسن القانون واطال الوقت الى أن اشار له بيتان أن هناك اغلبية، فنزل وصوتت الكنيست ضد وزال الخطر الوجودي.