كيف يُقاس القائد السياسي؟

حجم الخط

سنبدأ على الفور بحكاية حديثة جداً: ايفيت ليبرمان من حركة «اسرائيل بيتنا» ليس فقط أراد تقليص تمثيل الوسط العربي في الكنيست، فقد ابتدع حزبه حينئذ فكرة رفع نسبة الحسم في الانتخابات بذريعة الحاجة لرفع جودة الحكم الى مستوى أعلى. النتيجة الآن هي ان رفع نسبة الحسم وحد كل الكتل العربية في قائمة واحدة. هم أغلقوا أعينهم وتغلبوا على خصوماتهم وأعراض النفور القائمة بينهم.
الأمر الصحيح وفق معطيات اليوم، وأؤكد على كلمة اليوم، أن القائمة العربية المشتركة قد تجر الناخبين العرب الى صناديق الاقتراع. وفقا للاستطلاعات المتوقعة قد يحصلون على 11 – 15  مقعداً، الامر الذي سيعتبر كتلة مانعة لحكومة اليمين.
سخرية القدر ان الاستطلاعات تشير الى أن كتلة ليبرمان على شفا نسبة الحسم المحددة. آري درعي أو يعقوب ليتسمان سيرتبطان إن اتيح لهما المجال في هذه الحالة لاقتباسهما مقولة «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها» الواردة في الكتب المقدسة. باختصار: من الصحيح القول وفقا لمعطيات اليوم ان ايفيت ورفاقه قد «أكلوها». هذا في الوقت الحالي.
ما الذي نريد قوله هنا؟ ان وظيفة السياسيين تقريبا هي التكلم فقط. في الحملة الانتخابية يطالبون بالتحدث الى الجمهور من 5 – 8 مرات في اليوم احيانا، وربما أكثر. هذه حرفتهم. وها هي الحقيقة نوردها إليكم: سياسيون مهمون (ومفكرون) في كل المستويات من رئيس الوزراء وما دونه لا يستطيعون الاتيان بامور جديدة في أقوالهم، وهم يميلون لهذا السبب لاجترار ما قالوه وتكرار الوعود التي أطلقوها. هم لا يستطيعون أيضا باي شكل من الاشكال التنبؤ بالمستقبل بدقة، وفي حالات غير قليلة يضطرون لمواجهة ظروف جديدة تنشأ فجأة لتخلق واقعا آخر. في بعض الاحيان يجدون امامهم فقط بضع دقائق للتفكير ولتخطيط وجه المستقبل. وفي هذه الحالة يضطرون لقول ما يعتبرونه صحيحا في تلك اللحظة الراهنة. وفي بعض الاحيان يتفوهون بالتفاهات والكلام الفارغ.
ولماذا أتطرق أنا لهذه القضية الآن تحديدا؟ لأن الكثيرين من جمهور الناخبين، بما في ذلك أنا، يميل لعدم النسيان وتذكير السياسيين والعسكريين تحديدا بما قالوه لنا ذات مرة. الا ان الواقع الديناميكي الذي نعيشه قد دحضه. لدينا ميل بالنبش في مقولات قد صدرت في ظروف اخرى وازمنة اخرى وتذكير من نسوا بهذه المقولات وبأن ما قالوه لم يصمد أمام محك الواقع المتقلب. وبالمناسبة هناك رجال إعلام قد أعدوا ارشيفات للتسجيلات وقصاصات الصحف من أجل التذكر وعلى الأخص من أجل التذكير.
نقول صراحة إننا لا نتحدث هنا عن القادة الذين يخدعون شعبهم عن قصد ولا بالافكار الوطنية من الدرجة الاولى. هؤلاء بطبيعة الحال يختفون من الخارطة السياسية او يصعدون للأعلى الى أن يتبين ان افكارهم الوطنية غير قابلة للتطبيق في واقعنا. التاريخ الاسرائيلي مفروش بجثثهم الكثيرة.
التاريخ اليهودي والاسرائيلي حافل بالمناسبة بعدد قليل من مقولات القادة – من هرتسل مرورا بجابوتنسكي وانتهاء ببن غوريون – الذين لا يستطيعون حتى ابداء الاسف على ما قالوه. ورغم ذلك نحن نعتبرهم قادة الامة. لماذا؟ القائد يقاس ليس فقط بتركيز الاخطاء التي ارتكبها خلال مسيرته السياسية، والمعادلة هي ان مكانته القيادية تزداد كلما قلت اخطاؤه. هو يحظى بالشعبية ويفوز في صناديق الاقتراع إن تنبأ بالمستقبل بصورة صحيحة. وسيكون رابحا إن ادرك الواقع الجديد وقاد شعبه في المسار الصحيح.
ولكن القائد الحقيقي يقاس ايضا وفقا لمجموعة القرارات وبالاساس الافعال التي يقوم بها خيراً أو شراً، لا سمح الله، وهو لا يقاس وفقا للمقولات التي ينثرها من دون أن ترمش له عين هنا، وهناك كما اعتادت المرحومة امي أن تقول «وماذا إذن ان قال ما قاله...».

عن «يديعوت»