بريطانيا تهز قلاع الاتحاد

thumbgen (23)
حجم الخط
 

الاستفتاء البريطاني، الذي تم يوم الخميس الماضي، ونتج عنه إنتصار المعارضين للبقاء في الاتحاد الاوروبي بنسبة 51.9%، شكل صدمة قوية في بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي والعالم على حد سواء وبتفاوت وكل من موقعه وخلفيته وحساباته الاوروبية عموما والقومية خصوصا.

ومن ردود الفعل المباشرة في بريطانيا على نتائج الاستفتاء حتى الان: اولا إعلان رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون إستقالته وحكومته؛ ثانيا إعلان متحدثة بإسم حزب المحافظين البريطاني، أن رئيس الحزب، أندرو فيلدمان سيتنحى من زعامة الحزب مع مغادرة رئيس الحكومة كاميرون موقعه في إكتوبر القادم؛ ثالثا رفض إيرلندا وإسكتلندا نتائج الاستفتاء، وانعكاس ذلك على مستقبل بريطانيا ووحدة اراضيها ونظامها السياسي؛ رابعا هبوط حاد في قيمة الجنيه الاسترليني وصلت لنسبة 10%؛ خامسا التغييرات الكبيرة المتوقعة في المدى المنظور 1- ركود اقتصادي.2- زيادة التضخم.3- زيادة اسعار الفائدة. 4-زيادة تكلفة الرحلات للخارج.5- سن قوانين جديدة للتجارة.6-  إنعكاس سلبي على مسألة الهجرة ... إلخ

اما ردود الفعل الاوروبية، فهي عديدة، منها: اولا من المقرر ان يعقد رئيس المفوضية الاوروبية، جان كلود يونكر، ورئيس البرلمان الاوروبي، مارتن شولتز، ورئيس المجلس الاوروبي، دونالد توسك لقاءا في بروكسل  لتحديد الآفاق الجديدة للمشروع الاوروبي. وحاول قادة الاتحاد طمأنة الشارع الاوروبي واصحاب المصالح المختلفة  للتخفيف من حدة ردود الفعل الناجمة عن الاستفتاء البريطاني، فقال رئيس الاتحاد شولتز: ان القرار البريطاني لن يكون بداية لقرارات مماثلة في دول اوروبية اخرى. وفي نفس السياق قال توسك، رئيس المجلس الاوروبي: ان قادة الاتحاد عازمون على الحفاظ على وحدته، مشيرا الى ان الاتحاد كان متأهبا لهذا السيناريو السلبي، وأكد الى ان زعماء الدول ستجتمع في ال27 من حزيران الحالي في اجتماع غير رسمي لمناقشة التداعيات. وتمهيدا لذلك عقد وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد (المانيا، فرنسا، هولندا، ايطاليا، بلجيكا ولوكسمبورغ) اجتماعا امس السبت لاجراء مشاورات حول خروج بريطانيا من الاتحاد؛ ثانيا المانيا، إعتبرت المستشارة، أنغيلا ميركل أن خروج بريطانيا من الاتحاد "حدا فاصلا" داخل اوروبا. لكنها أكدت ان الاتحاد سيواصل الحفاظ على علاقات طيبة وقوية مع بريطانيا. في حين يرى وزير خارجية المانيا قرار بريطانيا بمثابة الصدمة، ويمثل يوما حزينا على كل القارة الاوروبية. اما وزير المالية الالماني فقال، انه سيسعى مع نظرائه في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى لضمان خروج بريطانيا من الاتحاد بشكل منظم؛ ثالثا حلف شمال الاطلسي، أكد على ان بريطانيا ستبقى حليفا قويا، رغم خروجها من الاتحاد. وقال نيس ستولتنبرغ، امين عام الحلف أن "مكان بريطانيا في الحلف، الذي تقودة اميركا لن يتغير"؛ رابعا اعرب الرئيس الفرنسي عن اسفه بشأن نتائج الاستفتاء. في حين اعلن وزير الخارجية إيرو، إستمرار اوروبا، لكن عليها العودة لكسب ثقة الشعوب في دول الاتحاد؛ خامسا دعا رئيس وزراء بلجيكا، شارل ميشيل لتحديد اولويات الاتحاد من اجل رسم مستقبل اوروبا؛ سادسا وقال رئيس وزراء إيطاليا، ان على الاتحاد الاوروبي ان يكون أكثر عدلا وإنسانية. كما اعلن وزير الاقتصاد الايطالي، ان علينا ان لا نخشى آثارا سلبية ما قد يخلقها سيناريو عدم الاستقرار المترتب على خروج بريطاني؛ سابعا واستبعد المستشار النمساوي، ان يكون لخروج بريطانيا "أثر الدومينو" على باق الدول الاعضاء. واكد ان بلاده لن تقدم على مثل هذه الخطوة، واضاف " ستخسر اوروبا مكانتها واهميتها في العالم بسبب خطوة بريطانيا، كما اننا نستشعر بالآثار الاقتصادية طويلة المدى على اوروبا"؛ثامنا دعا النائب اليميني في هولندا، غيرت فيلدرز لاجراء استفتاء في هولندا للخروج من الاتحاد. كما دعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، الى استفتاء مشابه داخل فرنسا وباقي الدول الاوروبية؛ تاسعا اعلن الرئيس بوتين، ان خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون له تأثير على اوروبا وروسيا. لكنه لم يتوقع حدوث اي كارثة عالمية في الاسواق. وكأنه يشجع الخروج البريطاني، ودعا في تصريح لاحق الى تحسين العلاقات الروسية البريطانية، ورد الرئيس الروسي على تصريحات كاميرون حول مصلحة روسيا بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، لا اساس له من الصحة، وهي محاولة للتأثير على البريطانيين، وتابع ان نتائج الاستفتاء شأن بريطاني داخلي، وروسيا لم تتدخل في الاستفتاء.

إيراد ردود الفعل المختلفة، تؤكد بما لايدع مجال للشك، بأن اوروبا امام ازمة عميقة قد تطيح بمستقبل الاتحاد الاوروبي برمته. لاسيما وان ثقل الاحزاب والقوى اليمينية في دول اوروبا بات ملحوظا ومؤثرا في مستقبل بقاء الدول في الاتحاد. هذا بالاضافة الى ان ما جرى في بريطانيا سيؤثر على خارطة اوروبا كلها، لا بل سيكون له انعكاسات على مستوى العالم. اضف الى انه سيفتح الباب واسعا امام الصراعات القومية والطبقية الاجتماعية والثقافية في دول اوروبا بشكل خاص، وسيعيد للايديولوجيا ثقلها السابق في زمن الحرب الباردة قبل انهيار المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. وبالضرورة سيكون لارتدادات الخروج البريطاني تأثير قوي على الصراع في المنطقة. الامر الذي يستدعي من القيادة الفلسطينية والدول العربية العمل على إستقراء التطورات، وعدم الانتظار لحين حدوث التداعيات.