المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية ضرورية حتى لو كانت مخيّبة لآمال الطرفين

netnyaho-abo-mazen-1782
حجم الخط
الواجب الاخلاقي والسياسي لمعسكر السلام الاسرائيلي بكل اطيافه هو مطالبة السلطة الفلسطينية ومن يقف على رأسها بالاستجابة الى اقتراح رئيس حكومة اسرائيل والبدء في المفاوضات بدون شروط مسبقة. أيضا الواجب الاخلاقي لممثلي القائمة المشتركة لـ «عرب اسرائيل» في الكنيست هو الانضمام الى طلب معسكر السلام الاسرائيلي هذا .
أعلن رئيس حكومة اسرائيل في الاشهر الاخيرة عدة مرات، وايضا بوجود رئيس حكومة بريطانيا وفرنسا، أنه مستعد للدخول في مفاوضات مباشرة مع قادة السلطة الفلسطينية دون شروط مسبقة ومناقشة كل المواضيع المختلف عليها بما في ذلك موضوع الحدود واللاجئين. في مرحلة معينة قال نتنياهو انه مستعد لهذه المفاوضات أيضا في رام الله.
مثل الكثيرين أعرف اللسان المزدوج لرئيس الحكومة والتصريحات الفارغة والخدع السياسية التي يقوم بها. وأعرف ايضا كل الادلة التي تثبت ان فمه وقلبه غير متماثلين، ورغم ذلك اذا اقترح قائد رسمي لدولة اسرائيل البدء في المفاوضات العلنية والواضحة وبدون شروط مسبقة فعلى الفلسطينيين الاستجابة والدخول الى المفاوضات بغض النظر عن نتائجها، حتى لو أدت هذه المفاوضات الى تحسن قليل فقط في العلاقة بين الشعبين، من الافضل أن تكون. حتى لو لم يكن بالإمكان تقسيم القدس، ولكن بالامكان على الاقل إخلاء البؤر غير القانونية واعطاء مناطق اخرى وإن كانت صغيرة من المناطق ج للسلطة الفلسطينية، ستكون هذه مفاوضات ستؤدي الى نتائج مهمة، حتى لو لم يحسم أمر جوهري في هذه المفاوضات، ولكن على الاقل سيكون هناك توزيع أكثر عدلا للمياه للفلسطينيين في «يهودا» و»السامرة» أو سيتحسن وضع الاسرى في السجون – مع ذلك يجدر بالفلسطينيين الجلوس وجها لوجه مع القيادة الاسرائيلية في حوار مفتوح وعلني من اجل البحث عن طريق لتحسين وضعهم.
    يستطيع الفلسطينيون الاستمرار في التوجه الى المؤسسات الدولية والمطالبة بالمساعدة والتأييد خلال المفاوضات المباشرة. لا يوجد تناقض بين النشاط الدبلوماسي الدولي وبين المفاوضات. فإسرائيل ايضا ستستمر في أعمالها الدعائية والسياسية لتقوية موقفها في المفاوضات. المؤسسات الدولية والضغط الاوروبي أو الأميركي لن تؤدي الى حل الدولتين، بل المفاوضات المباشرة فقط. واليوم بات واضحا تماما أن العالم العربي المشوش والغارق في الحروب الاهلية الصعبة لن يحل المشكلة الفلسطينية ولن يمنح الفلسطينيين الحرية السياسية التي يستحقونها. ففي السنوات التي كان فيها العالم العربي قويا وموحدا بعد حرب «الايام الستة» وبعد حرب «يوم الغفران» لم ينجح في منع إقامة مستوطنة واحدة.
اذا كان الفلسطينيون في اعماق قلوبهم يرفضون حل الدولتين ويأملون في الدولة الواحدة أو العكس، فليعبروا عن نواياهم علنا وليقولوا في المفاوضات ما هي الطرق والشروط لاقامة دولة واحدة. في الوقت الحالي، الاحتلال المستمر بكل اخطائه لا يسمم فقط الـ «دي.ان.ايه» الإسرائيلي بل يزيد ايضا من تعفن المجتمع الفلسطيني.
احتاج الفلسطينيون 20 سنة منذ حرب «الايام الستة» ليفهموا حقيقة وضعهم البائس والاعتراف بالوجود السيادي الاسرائيلي في حدود 67، وهذا الاعتراف ايضا جاء فقط في اعقاب السلام مع مصر والاردن وبسبب الهجرة الكبيرة من الاتحاد السوفييتي سابقا.
رفض ياسر عرفات الانضمام الى عملية السلام بين انور السادات واسرائيل في العام 1977. ومرة اخرى فقدت عملية السلام الاسرائيلية- الفلسطينية سنوات مهمة اقيم فيها المزيد والمزيد من المستوطنات التي غيبت حل الدولة الفلسطينية. وقف المفاوضات بعد «كامب ديفيد» والانتفاضة الثانية بكل بشاعتها بحق الشعبين ابعد من جديد الحل المأمول. وحينما أعطى ايهود باراك لابو مازن خارطة حقيقية عليها الحدود الدائمة المقترحة والتي ليست بعيدة عن حدود 67 لم يقم أبو مازن بالجدل حول الاقتراح المهم بل صمت وتجاهله معتقدا ان اولمرت لن يكون ذا صلة فيما بعد. لماذا اهتم ابو مازن بقضايا الحكومة الاسرائيلية. انه زعيم شعب تحت الاحتلال ويحتاج الى الحرية وعليه السعي ليل نهار من اجل المفاوضات المتواصلة مع المحتل لانهاء الاحتلال. اذا حصل على اقتراح واضح كهذا من حكومة اسرائيل فمن الاجدر ان يحولها الى رافعة لاستمرار المفاوضات.
اذا كان معسكر السلام لا يؤمن بتصريحات نتنياهو فيجب ان يمسكه من اقواله ويطلب من السلطة الفلسطينية اخلاقيا وسياسيا الدخول الفوري الى المفاوضات، يمكن انه لا يخدع نفسه، ولكن يبدو لي أن نتنياهو ورجاله يفهمون الآن ان دولة ثنائية القومية في المدى البعيد هي حلم متكدر جدا وخطير على الهوية الاسرائيلية. لهذا فان المفاوضات المتواصلة والعلنية بقدر الامكان، حتى لو كانت متعبة ومخيبة لأمل الطرفين، فهي مهمة بمجرد وجودها.
لا يمكن ان يقوم معسكر السلام بملاطفة السلطة الفلسطينية فقط والتضامن معها. معسكر السلام بالتحديد من واجبه مطالبة القيادة الفلسطينية بشكل قاطع باستدعاء ممثلي اسرائيل الرسمية باعلى مستوى الى رام الله كما اقترح نتنياهو وعلنا وامام عدسات الكاميرا دون شروط مسبقة من اجل التحدث عن المشكلات. كل حل وكل اتفاق حتى لو كان صغيرا سيكون مرحبا به.