لم يشطح أعدى أعداء بريطانيا إلى حدّ أن يتخيل أنه يمكن لمواطنين بريطانيين أن يَدعوا يوماً ما إلى استقلال العاصمة لندن عن البلاد، ليكون لها وضع سياسى مستقل يسمح بإبقائها فى الاتحاد الأوروبى الذى يحقق لها مصالح ضخمة باتت تتعارض مع رؤية الأغلبية التى اختارت فى الاستفتاء الأخير أن تغادر الاتحاد لحسابات أخرى تخصهم!
دخول لندن المفاجئ، أو الصادم، على خط غير مفاجئ من سكوتلاندا وإيرلندا يترتب عليه تدمير الوحدة التى تقوم عليها البلاد، بما يتخطى ما كان يتوقعه البعض فيما بعد الحرب العالمية الثانية أن تتدهور أحوال بريطانيا العظمى إلى أن تصبح انجلترا الصغرى! لأن أسوأ ما توقعه هؤلاء أفضل كثيراً من احتمال انسلاخ لندن!
لقد كشف الاستفتاء الأخير أن هناك خلافات جذرية متعددة بين البريطانيين فى قضايا الوطن. وربما تكون أخطر الأعراض فى جمع توقيعات لما يزيد على مليونى بريطانى يطالبون بإعادة الاستفتاء الذى خالف، فى رأيهم، أهم قواعد الديمقراطية بعدم اشتراط نسبةِ مشارَكة تزيد على ما حدث، وأن يكون الفوز بأغلبية خاصة لا بالأغلبية البسيطة التى فازت! وأما من فازوا فهم فى فرحة عارمة ولا يُبدون، حتى الآن، أنهم يُعِيرون ما يُقال أى اهتمام!
هل يصح فى هذه اللحظة الصعبة التى يمرّون بها أن تُذكِّرهم بتناقضاتهم فى خصوصياتنا؟ ليس فقط فى الجرائم التاريخية للاستعمار القديم، ولكن سياستهم الراهنة بنقل خبراتهم الاستعمارية لمن يخططون لتفتيت دول المنطقة، ولزرع العصابات الطائفية الدامية، وباحتضانهم جماعة الإخوان الإرهابية على أراضيهم وتبنى سياستها وخطابها الدعائى! أما أكبر تناقض فهو فى أخذهم على الشعب المصرى ما قالوا إنه انتهاك لقواعد الديمقراطية ضد من اعتمدوا تسميته “أول رئيس مدنى منتخب”، فى حين أن بعضهم يأملون الآن فى أن ينجح مسعاهم الذى ينتهك عملياً نتيجة الاستفتاء الديمقراطى الذى وافقوا على قواعده قبل الشروع فيه، ثم انقلبوا عليه عندما لم توافقهم نتائجُه!
عن الاهرام