العلاقات «الاستثنائية» بين إسرائيل وبريطانيا

20162806080242
حجم الخط
لم تعتبر المؤسسة البريطانية، على مدى الـ 200 سنة الاخيرة، محبة لاسرائيل أو مؤيدة للمشروع الصهيوني. رفيعو المستوى في المجال الدبلوماسي والعسكري اعتبروا "منحازين للعرب" واعتبروا الصهاينة مصدراً للقلق.
لكن يدور الحديث عن سيرة تاريخية لفترات طويلة كان فيها لرؤساء الحكومة تأثير على طابع المملكة المتحدة، حيث كانوا ساميين واضحين مؤيدين للصهيونية. ففي العهد الفيكتوري كان رئيس الحكومة الابرز بنيامين ديورالي يهوديا، ولم يتنصل من جذوره. في القرن العشرين كان اولئك دافيد لويد جورج وونستون تشرتشل وهارولد ولسون، جميعهم اصدقاء مخلصون لاسرائيل. ولكن في فترات متباعدة نجحوا في تغيير السياسة الرسمية الاقل تأييدا لاسرائيل.
الانقلاب الاكبر حدث في فترة مارغريت تاتشر التي مثلت مقاطعة بنتشيلي، قلب الجالية اليهودية في شمال لندن. وقد كانت الاولى التي وقفت أمام وزارة الخارجية المؤيدة للعرب وصممت على زيارة اسرائيل بشكل رسمي اثناء ولايتها، وقامت بتعيين سياسيين يهود في وظائف رفيعة جدا. بعدها جاء طوني بلير، الذي اعتبره الفلسطينيون دائما منحازا لاسرائيل، وغوردون براون الذي تحدث بفرح كيف أنه رضع الصهيونية من أبيه الكاهن، المحب الكبير لصهيون، حيث أكثر من زيارة البلاد في الستينيات.
لن يكون مبالغا فيه القول إن دافيد كاميرون تفوق عليهم جميعا. اصدقاؤه اليهود المقربون كان من بينهم رجال اعمال ووسائل اعلام، بعضهم يذهبون معه منذ ايام المدرسة الداخلية الفخرية "إيتون" وجامعة اكسفورد. وآخرون تعرف عليهم حينما تسلق بسرعة الى نخبة الحزب المحافظ. إنهم شركاؤه في المشاورات الليلية في الشقة في شارع داونينغ. فهناك يستخدم كاميرون عددا كبيرا من الشتائم بالايديش لوصف خصومه السياسيين. أحد هؤلاء الاصدقاء منذ فترة الجامعة هو اللورد أندرو فيلدمان، رجل الاعمال الذي يعتبر المستشار السياسي غير الرسمي الاقرب الى كاميرون، وكان أحد مديري حملته الانتخابية عندما نافس على رئاسة الحزب في 2005، وتم تعيينه من كاميرون رئيسا للحزب.
كاميرون هو ضيف دائم في مناسبات الدعم والتبرع السنوية للمنظمات اليهودية الكبيرة في بريطانيا. ولا يمر شهر تقريبا دون أن يلتقي مع اعضاء الجالية، وهو يشعر بالراحة الكبيرة هناك. خصوصا مقارنة مع الرئيس السابق لحزب العمال، آد مليفاند، الذي هو يهودي، لكنه ليس عضوا في الجالية. وفي كل مناسبة كان يبدو كأنه لا يجد مكانه. زعماء الجالية يتحدثون عن كاميرون بشكل علني على اعتبار أنه واحدا منهم.
القرب من يهود بريطانيا وجد تعبيره ايضا في سياسة حكومته نحو اسرائيل. في الوقت الذي كان سلفاه بلير وبراون يعدون حكومة اسرائيل باجراء تغيير في قوانين الحكم الدولية – التي سمحت لقضاة محليين باصدار اوامر اعتقال ضد قادة اسرائيليين بتهمة تنفيذ جرائم حرب، وهذا بناء على طلب منظمات تؤيد الفلسطينيين – لكنهما لم يطبقا هذه الوعود. وبعد فترة قصيرة من دخوله السلطة، غيرت حكومة كاميرون التشريع، حيث اصبح أمر الاعتقال هذا يصدر فقط بموافقة رئيس النيابة المركزية. ومؤخرا قامت حكومة كاميرون باجراء تعديل يمنع المجالس المحلية من مقاطعة الدول الاجنبية، هذه الخطوة وجهت بشكل واضح ضد     الـ "بي.دي.اس".
التعاون العسكري والاستخباري بين الدولتين اثناء ولاية كاميرون وصل ذروة غير مسبوقة. حيث عمل كاميرون ووزير المالية البريطاني جورج أسبورن من اجل فصل ايران عن الشبكة البنكية العالمية. وحسب ما قاله دبلوماسيون اسرائيليون، كانت بريطانيا في فترة ما أكثر تشددا من الادارة الاميركية في فرض الحصار الاقتصادي على ايران. ايضا عند الحديث عن سياسة تؤيد اسرائيل بشكل تقليدي – فان الولايات المتحدة وألمانيا هي أمثلة بارزة – تأييدهما السياسي والتعاون الامني ليسا مقرونين دائما بعلاقات حميمية بين زعماء الدول. نشأت بين بنيامين نتنياهو وكاميرون علاقة شخصية حميمة نسبيا خلافا لانغيلا ميركل التي كانت لها محادثة توبيخ شديدة لنتنياهو في الهاتف، وباراك اوباما الذي قاطعه بعد الانتخابات الاخيرة فترة طويلة احتجاجا على اقواله بحق "عرب اسرائيل"، قد كانت المحادثات بين لندن والقدس في العادة ودية.
بعد الانتخابات الاخيرة في اسرائيل في السنة الماضية، سافر أحد رجال حملة نتنياهو، الاستراتيجي اهارون شفيف، لتقديم الاستشارة لهيئة المحافظين في لندن. نقاط شبه كثيرة ظهرت في الحملتين الانتخابيتين، الامر الذي ساعد كاميرون على الفوز في الانتخابات بعد ذلك بشهرين. وحسب استطلاعات مختلفة فان ثلثي يهود بريطانيا صوتوا لمحافظي كاميرون في تلك الانتخابات.
"في مواضيع مختلفة، يتحدثان ببساطة بالموجة ذاتها"، قال دبلوماسي بريطاني، مؤخراً، وهو ليس ممن يحبون نتنياهو. "في الاقتصاد يتفقان حول حاجة الغرب لمواجهة الاسلام المتطرف. وقد قبل كاميرون كل مواقف نتنياهو في هذا الموضوع". في اوساط الدبلوماسيين يعتبر كاميرون "مؤيدا كبيرا" لاسرائيل. مستشاروه اليهود أفشلوا محاولة لوزارة الخارجية لادخال فقرة تندد بسياسة المستوطنات في خطاب كاميرون في الكنيست. وبدل ذلك بقيت في الخطاب جملة واحدة مختصرة وضعيفة حول الموضوع.
لم تعبر مؤسسة الجاليات اليهودية في بريطانيا عن رأي واضح مع أو ضد الخروج من الاتحاد الاوروبي. وما زالت المعلومات حول تصويتهم، الخميس الماضي، غير موجودة. لكن الاستطلاع الذي أجري في الشهر الماضي وعينة من يوم الاستفتاء تظهر أن الاغلبية صوتت ضد الخروج من الاتحاد الاوروبي. حاخامات من التيارات المختلفة أعربوا بوضوح عن معارضتهم للخروج لعدة اسباب – خشية من ازدياد العنصرية تجاه المهاجرين، الامر الذي قد يتحول الى لاسامية، الحاق الضرر بالتضامن مع يهود اوروبا الذين يتعرضون للارهاب واللاسامية والرغبة في اعطاء مظلة لكاميرون. ومع ذلك، صوت قسم كبير من اليهود مع الانفصال خشية من هجرة المسلمين المتطرفين وبسبب الشعور الصعب في اوساط الجناح الاكثر يمينية في الجالية، الذي يعتبر أن الاتحاد "معاد" لاسرائيل.