قوانين الطوارئ تزداد قسوة

12372410501447493984
حجم الخط
قانون مكافحة الارهاب الذي تمت المصادقة عليه قبل اسبوعين في الكنيست، والذي سيدخل الى حيز التنفيذ في تشرين الثاني، من شأنه تجميع كافة بنود التشريع التي هي ذات صلة بموضوع مواجهة الدولة للمخالفات المصنفة على أنها أمنية. وبالتوازي، فانه من المفروض أن يستبدل القانون الكثير من أوامر الدفاع وقوانين الطوارئ التي ما زالت سارية المفعول منذ الانتداب البريطاني.
يجب التشديد على أن القانون هو قانون جغرافي. وفي الوقت الحالي يسري فقط داخل دولة اسرائيل، وليس في الضفة الغربية. لذلك فهو سيؤثر بشكل مباشر فقط على مواطني الدولة وسكان شرقي القدس (رغم أنه في المستقبل يمكن أن يسري القانون أو اجزاء منه في الضفة الغربية ايضا).
للوهلة الاولى يمكن القول إن هذا القانون من المفروض أن يكون تجديدا، على المستوى الدولي ايضا. لكن يبدو أنه في نهاية المطاف هو يعتمد الى حد كبير على أوامر وقوانين الطوارئ، تلك التي كان من المفترض أن يستبدلها. واذا لم يكن هذا كافيا، فان القانون يشمل في داخله أوامر فيما يتعلق بالتحقيق مع المشبوهين في المخالفات المصنفة على أنها أمنية. وبخصوص الضرر الكبير الذي تلحقه هذه القوانين بحقوق المشتبه فيهم. فمن المفروض أن تكون هذه القوانين مؤقتة، لكن الاوامر المؤقتة والتي تم الغاء بعضها في السابق من قبل محكمة العدل العليا، هي الآن جزء لا يتجزأ من مجموع قوانين دولة اسرائيل.
يتجاهل القانون بمنهجية مبادئ تشريعية ومبادئ اساسية في كل ما يتعلق باجراءات الاعتقال، حيث أن الاوامر تسمح بعدم عرض المعتقل على القاضي مدة 96 ساعة، وهي تسمح باجراء نقاشات اعتقال واعادة النظر في ظل غياب المشتبه فيه. ايضا عدم ابلاغه بخصوص القرار المتخذ بحقه.
حسب القانون الجديد يمكن تمديد اعتقال المشبوهين لفترات اطول من تلك المسموح بها حسب قوانين الاعتقال العادية. يمكن منع المشبوهين من الالتقاء مع محاميهم، ويمكن استخدام المواد السرية بشكل واسع. إن وجود تحقيقات وقوانين اعتقال حسب هذا النمط، يشكل ارضا خصبة للسلوك الغير قانوني، الامر الذي سيؤدي الى الحصول على اعترافات كاذبة مثل تلك التي تم أخذها من مشتبه فيهم كانوا معزولين بشكل متواصل تحت الضغط وبعيدا عن الرقابة القضائية.
هذا القانون هو استمرار للتوجه الذي تقوده الكنيست في السنوات الاخيرة، من اجل ايجاد بنية تشريعية مكونة في اغلبيتها من الاوامر والقوانين التي هي تحت مسؤولية "الجهات الامنية". وقد نشرت لجنة الامم المتحدة ضد التعذيب تقريرا شاملا حول اسرائيل في الشهر الماضي، وهو يشمل توصيات بناء على الاستعراض الذي أجرته اللجنة حول وفاء اسرائيل بالشروط والمطالب الواردة في ميثاق الامم المتحدة ضد التعذيب. وأوصت اللجنة ايضا أن "تضمن اسرائيل بالقانون وبشكل فعلي بأن كل من يتم الغاء حريته، بغض النظر عن طبيعة الاتهامات ضده، أن تعطى له كل الضمانات المنصوص عليها في القانون منذ لحظة اعتقاله، بما في ذلك حق الالتقاء مع محاميه والمثول أمام القاضي بدون أي تأجيل".
مع المصادقة على القانون تكون الكنيست قد التفت على قرار محكمة العدل العليا وتجاهلت تماما توصيات اللجنة. ليس فقط أنها لم تلغ اوامر الطوارئ، بل العكس: لقد رسخت الاوامر التي كانت مؤقتة، بالقانون.
قانون مكافحة الارهاب يعطي تعريفات واسعة جدا لمفاهيم مثل "منظمة ارهابية"، "عضو في منظمة ارهابية"، "عمل ارهابي". توسيع التعريفات يفسح المجال للتقديرات الواسعة جدا لسلطة تطبيق القانون، الامر الذي يعني أن تصنيف أي شخص على أنه ارهابي سيسمح بفرض العقوبات الثقيلة التي يحتوي عليها القانون.
التفسيرات الواسعة لهذه التعريفات يمكن أن تشمل بسهولة نشاطات الاحتجاج المشروعة في كل نظام ديمقراطي. التفسيرات الواسعة يمكنها على سبيل المثال أن تؤدي الى تقديم لائحة اتهام ضد مواطن بسبب عمل ارهابي في اعقاب مشاركته في مظاهرة اذا تحولت المظاهرة الى عنيفة قليلا. هذا سيناريو ليس خياليا أبدا.
يشمل القانون ايضا ترتيبات مختلفة تضر بشكل كبير بحرية التعبير، خصوصا نحو مواطني الدولة العرب الذين ينتمون بشكل طبيعي للشعب الفلسطيني وهم أول من سيحتج ويتضامن مع نضال الفلسطينيين في المناطق المحتلة. كل تضامن مع منظمة "ارهابية"، سواء من خلال مدحها أو رفع علمها أو تأييدها أو انشاد نشيدها، من شأنه أن يؤدي الى لائحة اتهام. كل واحد من النشاطات المذكورة يمكن أن يؤدي الى ثلاث سنوات اعتقال فعلي. بنود القانون ستمنع النقاش الجماهيري والاحتجاج ضد الاخلال بحقوق الانسان في المناطق المحتلة – هذه امور مهمة جدا لمواطني الدولة العرب.
قانون مكافحة الارهاب يتم تقديمه اليوم على أنه قانون متحضر ينظم معظم المبادئ والاوامر لمكافحة الارهاب مع الحفاظ على الحد الاقصى من حقوق الانسان. لكن النتيجة النهائية تشكل اخلالا بمبادئ اساسية في القانون الجنائي، وتخلد الترتيبات الاعتباطية. لقد وافقت الكنيست على قانون اشكالي جدا وسيلحق الضرر كما يبدو بحقوق اساسية مثل حرية التعبير وحرية الحصول على محاكمة عادلة.