أبدأ بسؤال: ما هو المشترك بين ظاهرتي دونالد ترامب وبيرني ساندرز، وانتفاضات مصر وتونس، ونتائج الاستفتاء في المملكة المتحدة حول الخروج من الاتحاد الأوروبي؟
منذ ظهرت نتائج الاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي، تعج وسائل الإعلام بمختلف أنواعها بالتحليلات حول الأسباب والنتائج المحتملة. لكن يلاحظ من تابع بعض منها أن وسائل الإعلام «المؤسساتية» في الغرب خاصة تحجم عن القول الصريح حول أسباب هذه النتائج. فيقال مرة إنها ثورة ضد الطبقة السياسية في بريطانيا، أو إنها ضد لندن العاصمة التي صوتت مع البقاء في الاتحاد، أو أنها عودة لتنامي «الشعور القومي»، أي أن هذه التفسيرات تبقى جميعها على سطح المشهد، فلا يسأل مثلاً: لماذا تنامى الشعور القومي؟ أو ما هي المشكلة الحقيقية في الطبقة السياسية في بريطانيا؟ ولماذا يصوتون ضد لندن العاصمة؟
وأقرب ما يكون من ذكر للسبب الحقيقي هو القول: إن تصويت ضد «العولمة» دون تحديد ما هو المقصود بهذه الكلمة ذات المعاني المتعددة. فيترك للقارئ أو المشاهد التفكير فيما تعني، لعله مثلا تصويت ضد «العولمة الثقافية»، أو ضد «القرية الكونية»، أو ضد «الشبكة العنكبوتية» أو ضد البضائع الصينية، وهكذا.
والسبب الحقيقي يكمن في الإجابة على السؤال أعلاه. وصريح القول يبدأ في صريح قول المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بيرني ساندرز. وهو يشكل في الواقع ظاهرة لم يكن بالإمكان رؤيتها في أي انتخابات رئاسية أميركية قبل عقد من الزمن، أي قبل الأزمة الاقتصادية التي بدأت في الولايات المتحدة في العام 2008 وانتقلت إلى دول أخرى بسبب العولمة الاقتصادية ضمن إطار النظام النيوليبر إلى الاقتصادي المعولم.
هنا يكمن ما هو مسكوت عنه في معظم وسائل الإعلام التي تمثل وجهة نظر «المؤسسة» غربيا وعربيا أيضا. وقد قالها صراحة بيرني ساندرز أنه يريد إحداث ثورة في النظام الحالي داخل الولايات المتحدة، وهاجم في معظم خطاباته النظام الذي يسمح للواحد في المائة كما قال بالاستئثار بالثروة على حساب إفقار الـ 99% الباقين.
أما دونالد ترامب المرشح الجمهوري في نفس الانتخابات، فقد عبر عن غضب الطبقة العاملة في الولايات المتحدة من ضمنها تلك الفئات التي تصوت تقليديا للحزب الجمهوري، بسبب إفقارها المطّرد في ظل هذا النظام الاقتصادي المعولم، حتى وإن كانت مواقفه شعبوية غوغائية غامضة في تفاصيلها. لكنه التقط اللحظة وتاجر بها أيما تجارة. غير أن مواقفه لا تتعدى عن كونها تعبيرا فقط عن الغضب العارم دون حلول مقدمة من قبله سوى شعارات عامة، وتعبئة عنصرية ضد المهاجرين والمسلمين. لكنه هو أيضا نتيجة لنفس أسباب ظاهرة ساندرز وإن كان من منحى يميني عنصري غوغائي.
أما ثورات أو انتفاضات مصر وتونس، فقد قامت إلى حد بعيد لنفس الأسباب حتى لو كان هناك خصوصيات عربية من بينها الفساد و»اقتصاد المحاسيب» كم أسمي، أي المحسوبين على النظام، والإفقار المتزايد لأغلبية من الشعب بهذا المزيج. هذا أيضا في ظل هيمنة النظام الاقتصادي المعولم الذي يسعى لفرض سياساته الاقتصادية على دول العالم المختلفة من خلال عدة آليات منها وصفات صندوق النقد الدولي المعروفة. ومن الملفت للنظر والمفارق أيضا أن تقريرا حديثا صدر مؤخرا في حزيران 2016، أي قبل بضعة أسابيع، عن صندوق النقد الدولي نفسه يعترف فيه بوضوح أن السياسات التي اتبعها منذ انتهاء الحرب الباردة بتوجيه من الدول المسيرة للصندوق، تؤدي إلى الإفقار وإيقاف عجلة التنمية في معظم البلدان. وهو تقرير مفاجئ ومهم ويمكن الرجوع إليه على موقع الصندوق:
(http://www.imf.org/external/pubs/ft/fandd/2016/06/ostry.htm).
نعود إلى بريطانيا وما هو مشترك بين عناصر السؤال الأول. مؤشر واحد يوضح الفكرة: إن معظم من اقترع للخروج من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة (باستثناء إسكتلندا) يسكنون في شمال لندن، أي المقاطعات التي يتشكل أغلب سكانها من الطبقة العاملة التي عانت من سياسات «التقشف» التي فرضتها الطبقة السياسية عليها. من ضمن ذلك الخصخصة المطردة للنظام الصحي الوطني الذي برز بوضوح في النقاش العام قبل الاستفتاء. إنها أيضا نفس الظاهرة والسياسة الاقتصادية المعولمة التي هي القاسم المشترك في بريطانيا والولايات المتحدة ومصر وتونس ودول أخرى في العالم. ولا غرابة أن هناك حركات انفصالية تدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي تنظر إليه الشركات الكبرى فقط كسوق كبير لا غير، في بلدان مثل اليونان وإسبانيا وإيرلندا ومالطا ولوكسمبورغ وحتى فرنسا وإن كان بقيادة اليمين العنصري في هذه الحالة، أي «دونالد ترامب» فرنسا في شخص «مارين لو بين».
سنرى ما سيحدث كنتيجة لهذا الاستفتاء. وبالرغم مما قالته المستشارة الألمانية أنحيلا ميركل من أنهم لن يسعوا لمعاقبة بريطانيا بسبب نتائج هذا الاستفتاء، من الواضح أن الطبقة السياسية في الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي لها مصلحة واضحة في عدم تشجيع الحركات الانفصالية الأخرى في دول الاتحاد، إن رأت أنه يمكن الخروج من الاتحاد دون دفع ثمن باهظ. وهذا ما نوهت إليه ميركل أيضا في نفس التصريح!!
ويجب التوقع أن الطبقة السياسية في دول الاتحاد ستخشى الآن معظم أنواع الاستفتاءات التي تعطي الشعب قولا مباشرا في سياسات الدولة. ويمكن التوقع أيضا أنه سيتم التقيد الصارم بالإجراءات «الديمقراطية» العادية: ينتخب الشعب ممثليه مرة كل أربع سنوات ثم ينتهي دورهم. ويقوم ممثلو الشعب بعد ذلك بعمل ما يريدون.
منذ ظهرت نتائج الاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي، تعج وسائل الإعلام بمختلف أنواعها بالتحليلات حول الأسباب والنتائج المحتملة. لكن يلاحظ من تابع بعض منها أن وسائل الإعلام «المؤسساتية» في الغرب خاصة تحجم عن القول الصريح حول أسباب هذه النتائج. فيقال مرة إنها ثورة ضد الطبقة السياسية في بريطانيا، أو إنها ضد لندن العاصمة التي صوتت مع البقاء في الاتحاد، أو أنها عودة لتنامي «الشعور القومي»، أي أن هذه التفسيرات تبقى جميعها على سطح المشهد، فلا يسأل مثلاً: لماذا تنامى الشعور القومي؟ أو ما هي المشكلة الحقيقية في الطبقة السياسية في بريطانيا؟ ولماذا يصوتون ضد لندن العاصمة؟
وأقرب ما يكون من ذكر للسبب الحقيقي هو القول: إن تصويت ضد «العولمة» دون تحديد ما هو المقصود بهذه الكلمة ذات المعاني المتعددة. فيترك للقارئ أو المشاهد التفكير فيما تعني، لعله مثلا تصويت ضد «العولمة الثقافية»، أو ضد «القرية الكونية»، أو ضد «الشبكة العنكبوتية» أو ضد البضائع الصينية، وهكذا.
والسبب الحقيقي يكمن في الإجابة على السؤال أعلاه. وصريح القول يبدأ في صريح قول المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بيرني ساندرز. وهو يشكل في الواقع ظاهرة لم يكن بالإمكان رؤيتها في أي انتخابات رئاسية أميركية قبل عقد من الزمن، أي قبل الأزمة الاقتصادية التي بدأت في الولايات المتحدة في العام 2008 وانتقلت إلى دول أخرى بسبب العولمة الاقتصادية ضمن إطار النظام النيوليبر إلى الاقتصادي المعولم.
هنا يكمن ما هو مسكوت عنه في معظم وسائل الإعلام التي تمثل وجهة نظر «المؤسسة» غربيا وعربيا أيضا. وقد قالها صراحة بيرني ساندرز أنه يريد إحداث ثورة في النظام الحالي داخل الولايات المتحدة، وهاجم في معظم خطاباته النظام الذي يسمح للواحد في المائة كما قال بالاستئثار بالثروة على حساب إفقار الـ 99% الباقين.
أما دونالد ترامب المرشح الجمهوري في نفس الانتخابات، فقد عبر عن غضب الطبقة العاملة في الولايات المتحدة من ضمنها تلك الفئات التي تصوت تقليديا للحزب الجمهوري، بسبب إفقارها المطّرد في ظل هذا النظام الاقتصادي المعولم، حتى وإن كانت مواقفه شعبوية غوغائية غامضة في تفاصيلها. لكنه التقط اللحظة وتاجر بها أيما تجارة. غير أن مواقفه لا تتعدى عن كونها تعبيرا فقط عن الغضب العارم دون حلول مقدمة من قبله سوى شعارات عامة، وتعبئة عنصرية ضد المهاجرين والمسلمين. لكنه هو أيضا نتيجة لنفس أسباب ظاهرة ساندرز وإن كان من منحى يميني عنصري غوغائي.
أما ثورات أو انتفاضات مصر وتونس، فقد قامت إلى حد بعيد لنفس الأسباب حتى لو كان هناك خصوصيات عربية من بينها الفساد و»اقتصاد المحاسيب» كم أسمي، أي المحسوبين على النظام، والإفقار المتزايد لأغلبية من الشعب بهذا المزيج. هذا أيضا في ظل هيمنة النظام الاقتصادي المعولم الذي يسعى لفرض سياساته الاقتصادية على دول العالم المختلفة من خلال عدة آليات منها وصفات صندوق النقد الدولي المعروفة. ومن الملفت للنظر والمفارق أيضا أن تقريرا حديثا صدر مؤخرا في حزيران 2016، أي قبل بضعة أسابيع، عن صندوق النقد الدولي نفسه يعترف فيه بوضوح أن السياسات التي اتبعها منذ انتهاء الحرب الباردة بتوجيه من الدول المسيرة للصندوق، تؤدي إلى الإفقار وإيقاف عجلة التنمية في معظم البلدان. وهو تقرير مفاجئ ومهم ويمكن الرجوع إليه على موقع الصندوق:
(http://www.imf.org/external/pubs/ft/fandd/2016/06/ostry.htm).
نعود إلى بريطانيا وما هو مشترك بين عناصر السؤال الأول. مؤشر واحد يوضح الفكرة: إن معظم من اقترع للخروج من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة (باستثناء إسكتلندا) يسكنون في شمال لندن، أي المقاطعات التي يتشكل أغلب سكانها من الطبقة العاملة التي عانت من سياسات «التقشف» التي فرضتها الطبقة السياسية عليها. من ضمن ذلك الخصخصة المطردة للنظام الصحي الوطني الذي برز بوضوح في النقاش العام قبل الاستفتاء. إنها أيضا نفس الظاهرة والسياسة الاقتصادية المعولمة التي هي القاسم المشترك في بريطانيا والولايات المتحدة ومصر وتونس ودول أخرى في العالم. ولا غرابة أن هناك حركات انفصالية تدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي تنظر إليه الشركات الكبرى فقط كسوق كبير لا غير، في بلدان مثل اليونان وإسبانيا وإيرلندا ومالطا ولوكسمبورغ وحتى فرنسا وإن كان بقيادة اليمين العنصري في هذه الحالة، أي «دونالد ترامب» فرنسا في شخص «مارين لو بين».
سنرى ما سيحدث كنتيجة لهذا الاستفتاء. وبالرغم مما قالته المستشارة الألمانية أنحيلا ميركل من أنهم لن يسعوا لمعاقبة بريطانيا بسبب نتائج هذا الاستفتاء، من الواضح أن الطبقة السياسية في الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي لها مصلحة واضحة في عدم تشجيع الحركات الانفصالية الأخرى في دول الاتحاد، إن رأت أنه يمكن الخروج من الاتحاد دون دفع ثمن باهظ. وهذا ما نوهت إليه ميركل أيضا في نفس التصريح!!
ويجب التوقع أن الطبقة السياسية في دول الاتحاد ستخشى الآن معظم أنواع الاستفتاءات التي تعطي الشعب قولا مباشرا في سياسات الدولة. ويمكن التوقع أيضا أنه سيتم التقيد الصارم بالإجراءات «الديمقراطية» العادية: ينتخب الشعب ممثليه مرة كل أربع سنوات ثم ينتهي دورهم. ويقوم ممثلو الشعب بعد ذلك بعمل ما يريدون.