تــغــيــير «إجـــراء هـنـيـبـعــل»

thumb.php
حجم الخط
تبين أمس أن مراقب الدولة اقتحم بابا مفتوحا. في مسودة فصل آخر من التقرير الواسع له عن الحرب الاخيرة في غزة، عملية الجرف الصامد قبل سنتين، أوصى المراقب يوسف شبيرا رئيس الاركان غادي آيزنكوت بالغاء أمر «هنيبعل» لافشال خطف الجنود، لكن آيزنكوت لم ينتظر توزيع المسودة أول من أمس.
فمنذ شهر أيار أصدر أوامره للنيابة العسكرية والقسم التنفيذي في هيئة الاركان لالغاء اجراء هنيبعل واستبداله بأمر آخر حيث يتم فحصه الآن، لكنه لم ينشر بعد.
الجدل حول هنيبعل في شكله الحالي هو نتيجة مباشرة لقضية خطف جلعاد شليط التي تمت في مثل هذا الاسبوع قبل عشر سنوات.  مر الاجراء بتغييرات كثيرة في العقود الثلاثة الاخيرة.  في الدقائق التي تلت خطف شليط على أيدي خلية حماس ونقله إلى قطاع غزة، كانت فرصة لاطلاق النار على الجندي وخاطفيه قرب الجدار.
قائد الدبابة الذي لاحظ ثلاثة اشخاص يجتازون الجدار نحو الغرب باتجاه القطاع، طلب الاذن لاطلاق قذيفة نحوهما، لكنه لم ينجح في الوصول الى قائد الكتيبة عن طريق شبكة الاتصالات المزدحمة – وحماس حظيت بنجاح تنفيذي هو الاكبر في تاريخها، الذي انتهى بعد خمس سنوات باطلاق سراح 1027 «مخربا» (منهم مئات القتلة) من السجون الاسرائيلية مقابل الجندي المخطوف. وفيما بعد حدد الجيش أكثر التوجيهات شدة: من المسموح اطلاق النار من اجل احباط الاختطاف حتى لو كان الثمن تعريض حياة الجندي المخطوف للخطر.
محظور إطلاق النار من أجل قتل الجندي ومنع الاختطاف. هذه أقوال يصعب تفسيرها، ولم يتم استيعابها جيدا على المستوى الميداني.
كثير من القادة، حتى مستوى قائد الكتيبة، يعتقدون أنه في مثل هذه الحالة فان التوجيهات المكتوبة شيء والسلوك الفعلي شيء آخر.  فحسب رأيهم محظور تكرار قضية شليط، رغم أن الأوامر لا تسمح بذلك، فمن الأفضل أن يموت المخطوف في لحظة الاختطاف الأولى، وبذلك يتم منع الابتزاز من أجل التنازلات الإسرائيلية.
إ جراء هنيبعل لم يتم طرحه في عملية الاختطاف التالية لجنديين من الاحتياط هما الداد ريغف وأودي غولدفاسر في تموز 2006 والتي أدت الى حرب لبنان الثانية، لكنها طفت على السطح مجددا، في احداث «يوم الجمعة الاسود» في آب 2014 اثناء الحرب في غزة، حول خطف هدار غولدن من جفعاتي، حيث تبين فيما بعد أنه قتل اثناء العملية.
في هذه الحالة تم استخدام اجراء هنيبعل بقوة وبشكل طرح التساؤل في موضوعين حساسين: هل كانت النار تهدف الى انقاذ غولدن أم أنها تمت بشكل يعرض حياته للخطر؟ (في الساعات الاولى لم يكن مؤكدا أنه قتل). وهل تم الحاق ضرر كبير بالمواطنين الفلسطينيين اثناء محاولة افشال الاختطاف؟ (قتل العشرات، لكن الرقم الدقيق مختلف فيه). يبدو أن رئيس هيئة الاركان ومراقب الدولة قلقان مما تبين من التحقيق وتأثيره في هذين الموضوعين. ومن هنا جاء القرار بتغيير الاوامر.
لكن هذه التغييرات لن تكون كاملة، كما أشار أمس سكرتير الحكومة السابق تسفي هاوزر، في نقاش مع «هآرتس»، دون الحديث عن الفيل في الغرفة – تقرير لجنة شمغار.
اللجنة التي قام بتعيينها في فترة المفاوضات حول شليط وزير الدفاع السابق اهود باراك، كتبت قبل اربع سنوات تقريرا مفصلا فيه توصية لتبني مبادئ جديدة للمفاوضات حول صفقات تبادل الاسرى، على ضوء الثمن الذي تم دفعه في قضية شليط، وهي توصي بالامتناع عن اطلاق سراح عدد كبير من الاسرى مقابل مخطوف اسرائيلي يوجد لدى منظمة ارهابية، والسعي الى نسبة 1:1 والامتناع تماما عن اطلاق سراح أسرى أحياء مقابل جثث لجنود في الجيش الاسرائيلي يوجدون لدى العدو.
الموضوعان اللذان يقلقان كما يبدو رئيس الاركان ومراقب الدولة – الخشية من قتل المخطوف وقتل عدد كبير من مواطني العدو الابرياء في محاولة احباط الخطف – يعكسان محاولة للعودة الى الاطار الطبيعي.  حسب هذه النظرة يجب عدم السماح لمنظمات الارهاب أن تحول كل اختطاف لاسرائيلي الى حدث مفصلي.
مطلوب جهد لافشال الخطف عندما يحدث، لكن ليست جميع الوسائل مسموحة من اجل تحقيق الهدف، ولكن كما أشار هاوزر فان خطوة كهذه لن تكون كاملة دون وضع خطوط حمراء متشددة حول الثمن الذي تكون اسرائيل مستعدة لدفعه، إذا كانت جهود إفشال الخطف وإنقاذ المخطوف لم تنجح، وبالتالي تصبح هناك مفاوضات بين الاطراف.
لكن تقرير شمغار لم يسبق له أن طرح للنقاش الجدي في الحكومة. ويمكن بالتأكيد فهم سبب ذلك. رئيس الحكومة نتنياهو الذي اكتوى في قضية شليط عندما وافق على تنازلات مؤلمة كان يحذر منها في السابق، لا يريد أن يكبل نفسه بمفاوضات مستقبلية.
المثال الابرز على ذلك يتعلق بالاتصالات التي تجري ببطء شديد من اجل اعادة جثتي هدار غولدن واورون شاؤول ومعهما المواطنان الاسرائيليان اللذان تزعم اسرائيل أنهما على قيد الحياة، وهما في أيدي حماس، وتم ذلك بعد أن اجتازا الحدود إلى غزة بارادتهما، أبرا منغيستو وهشام السيد. إذا وافق نتنياهو علنا على الخطوط الحمراء التي وضعها شمغار، فلن يبق له أي مجال للمناورة الحقيقية اثناء المفاوضات.
من هنا فان الخطوة التي يتخذها آيزنكوت على المستوى التنفيذي والتي تهدف إلى تقليص مستوى الفوضى والردود الاستثنائية في حادثة الخطف، لن تكون لنتنياهو في المستقبل القريب قائمة ختامية على المستوى السياسي.