مصالحة تاريخية

thumbgen (1)
حجم الخط
 

يعتبر عدد من كبار الخبراء الإسرائيليين اتفاق المصالحة الإسرائيلي - التركي انجازاً تاريخياً، يأتي في مرحلة شديدة الحساسية تشهدها المنطقة. والواقع أن الاتفاق الذي أنهى ست سنوات من العداء والجفاء هو قبل أي شيء آخر نتيجة التغيرات العميقة التي احدثتها الاضطرابات في المنطقة.

يدل تزامن الهجوم الارهابي على مطار أتاتورك في أسطنبول وتوقيع اتفاق المصالحة على مدى تبدل ظروف الحكومة التركية خلال السنوات الأخيرة وتغير دائرة اعدائها. ففي 2010 كانت إسرائيل والحصار الذي تفرضه على غزة محط اهتمام تركيا. لكن تركيا تواجه اليوم مخاطر أكبر وأكثر تعقيداً بكثير وتتهددها في عقر دارها، من المواجهات بين الجيش التركي و"حزب العمال الكردستاني" PKK التي تركت آثاراً دامية في أكثر من مكان، وانتهاء بالهجمات التي بدأ تنظيم "داعش" يشنها على تركيا رداً على تبدل السياسة التركية حيال التنظيم. بالاضافة إلى ذلك هناك المشكلات التي تواجهها تركيا في علاقاتها مع دول عربية مهمة مثل مصر بسبب دعمها لحكم "الإخوان المسلمين" في مصر ووقوفها ضد حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، والأزمة الحادة مع روسيا بعد اسقاط الجيش التركي طائرة روسية والعقوبات الروسية على تركيا التي ستتسبب بخسارة تقدر بمليارات الدولارات خلال 2016.
تصب المصالحة مع تركيا في خانة أكثر من مصلحة إسرائيلية. فإلى جانب الفوائد الاقتصادية التي ستجنيها إسرائيل من تصدير الغاز إلى تركيا، وعودة التعاون الاستخباري مع الأجهزة التركية والمساعدة التي يمكن أن تقدمها إسرائيل في مجال الحرب ضد التنظيمات الارهابية الجهادية، والفرصة التي تشكلها عودة العلاقات الثنائية مع تركيا لفتح قنوات اتصال مع دول عربية سنية معتدلة، هناك أيضاَ مصلحة أساسية ومباشرة تتعلق بمستقبل الأمن في قطاع غزة.
يعول نتنياهو على أن تؤدي المصالحة إلى تحول تركيا الى وسيط بين إسرائيل و"حماس"، وان يساعد ذلك في تبديد احتمالات انفجار الوضع الأمني في غزة نتيجة الضائقة الاقتصادية والأفق المسدود. ويلمح محللون إسرائيليون الى ان المصالحة ستشكل بداية لتحريك عجلة الحياة الاقتصادية في غزة من دون رفع الحصار، وستفتح الباب أمام دخول البضائع التركية الى القطاع وتحقيق مشاريع ذات طابع انمائي مثل بناء محطة لتوليد الطاقة ومستشفى وإيجاد فرص عمل جديدة ورفع مستوى الحياة المتدني في القطاع.
لكن السؤال المطروح: اذا كان المسؤولون الأتراك لن يتخلوا عن غزة بعد مصالحتهم مع إسرائيل، فهل يسمح اليمين القومي في إسرائيل الذي رفض الموافقة على اتفاق المصالحة للأتراك بانقاذ غزة من خطر حرب جديدة؟

 عن النهار اللبنانية