حاخام إسرائيلى أصدر فتوى تسمح للمستعمرين اليهود بتسميم مياه الشرب الخاصة بالفلسطينيين الذين يعيشون فى محيط المستعمرات، الفلسطينيون يعيشون فى ذعر ورعب منذ صدور الفتوى، فى أى لحظة قد يُقدم أى صهيونى على تنفيذ ذلك الأمر المقدس من وجهة نظره ونظر الحاخام، الذى لا أدرى من أى بقاع الأرض جاء ليستعمر أراضى الغير، ثم يصدر فتواه بقتلهم، ليس بالرصاص هذه المرة، ولا حرقاً مثلما حدث من قبل، إنما بالسم.
لنا أن نتصور إذا كانت هذه الفتوى قد صدرت عن عالِم دين إسلامى، حتى لو كان من المارقين المهرجين، على غرار الشيخ ميزو، أو الشيخ مظهريكو، أو الشيخ هلاليكو، أعتقد أن الدنيا كانت ستقف على قدم وساق، إلا أننا فى الحالة الصهيونية لم نسمع صوتاً، لا من الداخل العربى والإسلامى، أصحاب القضية، ولا من الخارج أدعياء الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان، قد نسمع أصواتهم بعد وقوع الكارثة بالفعل، فى صورة شجب واستنكار، ليس أكثر.
الداخل المصرى أصبح لديه ما يكفيه من الهم والغم، والبيع والتنازل، أصبح لديه ما يكفيه من الصراعات والقضايا والمحاكم، أصبح لديه ما يكفيه من التردى الاقتصادى، والتدهور الأخلاقى، بخلاف الأزمات السياسية داخلياً وخارجياً، كما أن الداخل العربى أصبح لديه ما يكفيه من الصراعات، بدءاً من العراق وسوريا، مروراً باليمن ولبنان، وحتى ليبيا والدول المغاربية، لا نستطيع أن نعوِّل فى هذا الشأن أبداً على الخليجيين، الذين أصبحوا لا يتورعون عن العلانية بتمويل الصراعات العربية من جهة، ولا يخجلون من الهرولة إلى إقامة علاقات مع العدو الصهيونى من جهة أخرى.
الأغرب من ذلك هو حالة الاختراق التى أصبحت تعانى منها المجتمعات العربية، فعلى غرار موقف البعض من بيع الأرض والتنازل عنها، أصبح هناك فى الداخل العربى مَن يدافع عن التطبيع مع العدو، على الرغم من ممارسات القتل والحرق والتسميم، ربما هم نفس فصيل البيع والتنازل، بالتأكيد الأخلاق لا تتجزأ، كما الوطنية تماماً، الذين لا يعترضون على بيع الوطن الصغير لن يعترضوا أبداً على احتلال الوطن العربى الكبير، لن يتألموا أبداً لقتل أشقائهم.
ربما لم تعد لدينا القدرة على استيعاب أولويات السياسة الخارجية المصرية، ربما لم نعد نفهم أولويات الأمن القومى المصرى، ربما لم نعد نرى أهمية للعمق الاستراتيجى الفلسطينى فى السياسة المصرية، ربما قد توارى العامل الدينى المتعلق باحتلال القدس أو المسجد الأقصى، إلا أن الضمير الإنسانى كان يحتم علينا التوقف طويلاً أمام ذلك الذى يجرى فى فلسطين المحتلة، حتى لو كان مجرد فتاوى شريرة، أو تصريحات همجية.
أعتقد أن كل مشايخ الفضائيات كان يجب أن يتوقفوا أمام تلك الفتوى اليهودية، كل برامج الردح الليلى المسماة «توك شو» كذلك، كل المسؤولين عن السياسة الخارجية والشأن الفلسطينى بصفة خاصة، جامعة الدول العربية التى لم تحرك ساكناً، المنظمات الأهلية التى لم تعد تهتم بحصر أعداد المعتقلين فى الداخل، ولا فى الخارج بعد أن اكتفت بالشجب والاستنكار هى الأخرى بين الحين والآخر، حتى الأزهر الشريف اكتفى فى الآونة الأخيرة بصكوك الغفران، وتحديد جنسيات المقبولين فى الجنة والمبتعثين إلى النار، وسط تجاهل تام لأبسط الشؤون الداخلية والخارجية معاً.
يجب أن نعترف بأن القضية الفلسطينية، التى كان يُطلق عليها «قضية العرب الأولى»، قد توارت خلف أزماتنا الداخلية، ليس ذلك فقط، بل خلف أزمات عربية اصطنعها البعض فى أوساط المذاهب المختلفة، وبصفة خاصة بين السنة والشيعة، أصبح الترويج لإيران كبديل للعدو الإسرائيلى، أصبح الترويج لحزب الله اللبنانى وحركة حماس الفلسطينية كتنظيمين إرهابيين، أخيراً، أصبح الترويج لأصحاب الديانات عموماً من خلال بعض الأعمال الدرامية فى شهر رمضان كمرادف للتخلف والإرهاب معاً، فى محاولات جادة لنشر ثقافة الإلحاد والضياع.
على أى حال، ما أردناه هنا هو التذكير بأن لدينا من وسائل الإعلام الكثير، ما بين مسموع ومرئى ومُشاهَد، لدينا من أوراق الدبلوماسية الكثير، ما بين سفارات ومنظمات إقليمية ودولية، لدينا من أدوات الضغط الكثير، ما بين أوروبا والولايات المتحدة وحتى إسرائيل، وهو ما كان يجب استغلاله فى مواجهة هذه الهمجية الصهيونية المنظمة، سواء على المستوى السياسى بقيادة أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع شخصياً، أو على مستوى رجال الدين، وفى مقدمتهم مثل هؤلاء الحاخامات المتطرفين، أو حتى على المستوى الشعبى هناك، الذى مازال لا يؤمن بأهمية إعادة الأرض المغتصبة لأصحابها.
عن المصري اليوم