إضاءة الشوارع بدون كهرباء.. هكذا سيتم توليد "النار الخرافية"

9998745472
حجم الخط

في ليل غابات البرازيل المطيرة، ربما تلفت انتباهك تلك النقاط الصغيرة المضيئة، قد تكون الحباحب أو الفطر اللامع المتناثر على الأرض. كلا الضوئين يحدثان بسبب ظاهرة "الضيائية الحيوية" وهي خاصية غريبة تمتلكها بعض الكائنات فتجعل منها مصابيح تضيء في الظلام.

تفيد تلك الخاصية الكائنات بعدة أوجه: فهي تجذب الأزواج والفرائس، كما أنها قد تساهم في إبعاد المفترسات. ولكن وجود تلك الظاهرة في أنواع من الفطر يعتبر أمراً غامضاً، فهي حالة نادرة خارج عالم الحيوانات والميكروبات. ولكن العلماء الآن يستطيعون تفسير كيف ولماذا تضيء بعض أنواع الفطر في الظلام. وربما كانت هذه خطوة على طريق إنتاج أشجار تضيء الطرق والشوارع.

لقد سجل كلٌّ من أرسطو والعالم الروماني بلينيوس الأكبر مشاهداتهما لما أسمياه بـ"النار الباردة" في الغابات الرطبة. سميت تلك الإضاءة بعد ذلك بـ"النار الخرافية" وقد ذكرت تلك الظاهرة في العديد من الأعمال الأدبية، منها "مغامرات هكلبيري فين".

تفسير علمي


لقد عرف العلماء في أوائل القرن التاسع عشر الضوء الذي يصدر من بعض العوارض الخشبية المستخدمة في المناجم على أنه ناتج عن نمو فطر عليها. أما الآن، فهناك العديد من أنواع الفطر المعروفة التي تصدر ضوءاً في الظلام، والعديد من التفسيرات لتلك الظاهرة.

التفسير الأفضل بينها هو أن الضوء الليلي يجذب الحشرات وبعض الحيوانات للفطر، مما يساعد على نشر خلايا التكاثر الخاصة به لأبعد مسافة ممكنة. أثبت ذلك كاسيوس ستيفاني وزملاؤه، من جامعة ساو باولو في البرازيل، وذلك عن طريق نشر فطر بلاستيكي مزود بإضاءة كهربائية، تشبه تلك التي يصدرها الفطر من نوع Neonothopanus gardneri ، على أرض الغابة.

وجد أن تلك الأضواء تجذب الحشرات وبعض الكائنات الأخرى مما يساعد على انتشار خلايا تكاثر الفطر. كما أثبتوا أيضاً أن تلك الأضواء لا تصدر إلا أثناء الليل، مما ينفي احتمال أنها ظاهرة عديمة الفائدة. ويقول ستيفاني أن تلك الإضاءة مفيدة جداً في انتشار الفطر في أنحاء الغابة، خاصة الغابات الكثيفة.

فك شفرة اللغز

كانت تلك الظاهرة تعتبر لغزاً حتى وقت قريب، فلم يكن يعرف كيف يصدر عش الغراب تلك الأضواء، بعكس الضوء الصادر عن أنواع الكائنات الأخرى.

ولكن فريقاً بقيادة إليا يامبولسكي، من معهد الكيمياء العضوية الحيوية في جامعة موسكو، استطاع فك شفرة التركيب الكيميائي للبروتين الذي ينتج هذه "النار الخرافية”. وقد فعلوا ذلك عن طريق فحص الأنواع التي لا تنتج الضوء، لأنهم ظنوا أنهم سيجدون فيها مركبات أساسية لإنتاج بروتين الضيائية الحيوية المعروف باسم لوسيفرين، وقد كانوا على حق.

يقول يامبولسكي "تشير آلية الضيائية الحيوية في الفطر إلى أن إنتاج اللوسيفرين يسبقه إنتاج مركب آخر. لقد ثبت أن هذا المركب الطليعي موجود أيضاً في الأنواع غير المضيئة من الفطر، بل بتركيز أكبر بمائة مرة من ذلك الموجود في الأنواع المضيئة. لذلك، كان من الطبيعي أن نستخلصه من الأنواع غير المضيئة.”

لقد كان الكيميائي الفرنسي رافائيل دوبوا أول من استخدم مصطلح "لوسيفرين" في أواخر القرن التاسع عشر، وكان يدرس حينها الخنافس المطقطقة والرخويات ثنائية الصدفة. لقد أطلق اسم لوسيفرين على المادة التي تتأكسد بالهواء، بمساعدة أنزيم لوسيفريز، فتنتج ضوءاً أخضر مائلاً للزرقة.

ولكن يامبولسكي وزملاءه وجدوا أن الفطر المضيء يستخدم نوعاً من اللوسيفرين يختلف عن الأنواع الثمانية الأخرى التي تستخدمها الكائنات الأخرى. فقد اكتشف مع زملائه النوع التاسع من اللوسيفرين، وهو النوع الأول الذي يكتشف في عالم الفطريات.

نباتات ذاتية الإضاءة

يقول يامبولسكي "اللوسيفرين الموجود في الفطر يختلف تماماً عن الأنواع الأخرى، وهو يمثل آلية مختلفة تماماً لإنتاج الضوء. بالإضافة إلى ذلك، فهو يفتح المجال للبحث عن نوع غير معروف من اللوسيفريز. بعكس الأنواع الأخرى، يتوافق اللوسيفرين الموجود في الفطر مع الكيمياء الحيوية للنبات، مما يفتح المجال لإنتاج نباتات مضيئة ذاتياً، لا تحتاج للوسيفرين خارجي، بل يمكنها إنتاج اللوسيفرين الخاص بها.”

قد يصبح هذا كشفاً علمياً رائداً في مجال إنتاج نباتات تنتج إضاءة مستدامة للشوارع. الفكرة ليست مجنونة كما تبدو، فقد بدأ العمل بالفعل في مشروع "النبات المتوهج"، وهي أول حملة تمويل جماعي لمشروع من هذا النوع، ويدعمه عالم الجينات جورج تشيرتش، الذي قال "مجرد زهرة تضيء ولو لمرة واحدة في الأسبوع تعتبر علامة عظيمة".

حيوانات مضيئة أيضاً

في ظلمات أعماق المحيط لا يستطيع أحد أن يسمع صراخك، خاصة إذا ما فاجأتك سمكة أبو الشص. تستخدم تلك السمكة البكتيريا المضيئة على حافة زائدة تتدلى بالقرب من فمها المفتوح، فتعمل كطعم يجذب الكائنات الأخرى.

أما السوطيات الدوارة فتطفو تلك العوالق الدقيقة على سطح المحيط فتكون منظراً خلاباً حين يتوهج سطح المياه في الليل على مساحة واسعة. ويقول العلماء أن تلك الظاهرة قد تربك المفترسات وتغير من سلوكهم الغذائي فتنجو بذلك السوطيات الدوارة، بينما تشير إحدى النظريات أنها قد تعمل كإنذار السرقة، فتجذب مفترسات أكبر تفترس تلك التي كانت تحاول افتراس تلك العوالق.

في حين تعتبر الحباحب أسهل وأفضل مثال للضيائية الحيوية في الطبيعة. تقوم الحشرة بالتحكم في الضوء الذي تصدره عن طريق إضافة الأكسجين لخليط من المركبات الكيميائية الأخرى، منها اللوسيفرين واللوسيفريز. في مرحلة اليرقات، تحميها الأضواء من المفترسات، وفي مرحلة البلوغ تجذب الجنس الآخر للتزاوج.

كما أن بعض أنواع الحبار تستخدم البكتيريا المضيئة لكي تضيء الجزء السفلي من أجسادها، فتصبح بذلك أقل وضوحاً للناظر إليها من أسفل، وبذلك يكون من الصعب على المفترسات التهامها.