تحالف يالطة.. ومصر.. وعودة "الوالى السُّنى"

thumbgen (2)
حجم الخط
 

أمريكا وروسيا وإسرائيل تعيد تأهيل تركيا «كوالى سنى» فى المنطقة، وهذا هو سر الاتفاقات الإسرائيلية والروسية الأخيرة مع تركيا والتغييرات الداخلية التركية التى سبقت هذه الاتفاقات.

يمكن ملاحظة أن الاتفاق التركى - الإسرائيلى تم بالتزامن مع اتفاق روسى - تركى، وبناء على تفاهم إسرائيلى - روسى - أمريكى بالأساس تشير إليه وقائع الاعتماد المتبادل بين الأطراف الثلاثة فى سوريا، وطلبات أوباما المتكررة بإعادة دمج تركيا والإخوان من بوابة المصالحات وزيارات نتنياهو الأربع إلى موسكو فى سنة واحدة، وقول نتنياهو منذ أيام أن الاتفاق مع تركيا: جزء من استراتيجية واضحة لإنشاء نقاط استقرار فى شرق أوسط حساس وغير مستقر.

إعادة تأهيل «الوالى التركى السنى» فى المنطقة العربية تجرى فى مقابل «الوالى الإيرانى الشيعى»، وهو ما يعنى دخول عمليات التقسيم المذهبى للمنطقه العربية مرحلة جديدة أكثر عمقا، لا تقتصر هذه المرة على ساحات سوريا والعراق ولبنان واليمن بل تشمل الساحة الفلسطينية أيضا، وإحاطة مصر بسوار من الكيانات المذهبية من حدودها الشرقية والغربية والجنوبية، ومن هنا جاء دور حماس وتنظيمها الأم الإخوان كشريك ملحق بالاتفاق التركى الإسرائيلى كما تشير إلى هذا زيارة خالد مشعل، رئيس حماس لتركيا عشية الاتفاق مع إسرائيل وبيانات الترحيب بالاتفاق ومنح الولاية لتركيا من جانب حماس والإخوان معا.

يدعم هذا أيضا أن إسرائيل إلى جانب روسيا وأمريكا، صارت تعمل كموزع مصالح بالمنطقة، حيث منحت تركيا تواجدا معترفا به من جانبها داخل الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة. إلى جانب إعادة دمج تركيا شريكا فى عضوية «نادى الغاز» فى الحوض الجنوبى الشرقى للمتوسط «كما يفهم من تصريحات نتنياهو الأخيرة: أخبرت قادة الاْردن ومصر وروسيا واليونان وقبرص أولا بأول بكل تقدم كان يجرى فى المحادثات مع تركيا، وهى كما هو معلوم أطراف رئيسية فى نادى الغاز بحوض المتوسط وبينها تعاقدات واتفاقات، وتعيش حالة خصام وتصارع مع السياسة التركية. وذات تماس مباشر بقضايا وبلدان الساحل الشرقى للمتوسط بالأخص فلسطين وسوريا ولبنان.

يدعم هذا أيضا أن عملية إعادة تأهيل «الوالى التركى السنى» تشمل محاولة إخراج حماس والإخوان من دائرة تنظيمات التطرّف والإرهاب والقبول بهما كأطراف سياسية يمكن المقايضة معها. يُشير إلى هذا الاتفاق الأمريكى الروسى على ضرب النصرة وداعش معا، وإغلاق الحدود التركية معهما، وتوقف موسكو عن ضرب ميليشيات تدعمها واشنطن فى سوريا. وعلى العكس من ذلك وردا على انتقادات بعض الإسرائيليين للاتفاق وأنه لا يضمن استعادة جثث جنود إسرائيليين يعتقد أنها بيد حماس قال نتنياهو: إن تركيا لا تسيطر على حماس. وهو قول ربما لا يعفى تركيا تماما من دور فى هذه المسألة إنما قد تفهم منه حماس وتنظيمها الأم الإخوان إقرارا إسرائيليا «بالوجود الذاتى»، فى ظل الاتفاق مع تركيا.

بينما أعلن رئيس الوزراء التركى الاتفاق رسميا من أنقرة، اختار نتنياهو إعلانه من روما، ربما لا يخلو هذا من مصادفة أو مغازلة رمزية لإيطاليا فهى صاحبة مصلحة فى غاز المتوسط. إنما ليس له صلة بدور لأوروبا، وأن المتاح لها بالنسبة لأطراف الاتفاق وداعميه فى روسيا وأمريكا، مجرد إلحاق بوقائع وترتيبات تفرض على الأرض، وهو ما يعنى ان «حصة أوروبا» ربما تكون رهنا بالتوافق مع أهداف الثلاثى الأمريكى - الروسى - الإسرائيلى.

يتصل بذلك أيضا أن الاتفاق التركى الإسرائيلى يكرس المبدأ الإسرائيلى بأن المسألة الفلسطينية مجرد شأن داخلى إسرائيلى، وليست قضية تحرر وطنى وأن المتاح للفلسطينيين فقط هو الإدارة الذاتية فى إطار الدولة الإسرائيلية والإعاشة الاقتصادية حيث يقوم الطرف التركى بإقامة محطتين للكهرباء وتحلية مياه البحر ومستشفى فى غزة مع إدخال مساعدات عن طريق ميناء أشدود الإسرائيلى ومنطقة صناعية تركية شمال جنين فى الضفة الغربية. وقد قال نتنياهو إن التواجد التركى بهذه الصورة فى غزة وجنين مصلحة إسرائيلية واضحة. وهو ما يمثل حرقا للأرض من تحت أقدام دعوات «الحل السياسى» الذى يسمح بدولة فلسطينية كما تنادى مصر وتأمل السعودية بالمبادرة العربية وفرنسا بالمؤتمر الدولى.

- وضع تركيا فى قطاع غزة كصاحبة حدود مباشرة مع الحدود الشرقية مع مصر. ومحاولة اللعب بكل مكونات الورقة ( حماس - الإخوانية) لفرض وقائع على الداخل المصرى، وإذا ما أضيف إلى ذلك الوجود التركى - الإخوانى فى ليبيا، ووجود نظائر له قائمة فى السودان، فإن مصر تكون محاطة بنقاط تماس مذهبية مباشرة تنطوى على مخاطر إدخالها فى دائرة النزاع المذهبى العام بين السنة والشيعة، الذى يجرى تعميقه إقليميا وداخل المنطقة العربية.

فى فبراير عام ١٩٤٥ شاركت روسيا وأمريكا فى صنع اتفاقية يالطة، وصارا معا يدعمان قيام إسرائيل وترتيب ضمان حمايتها وتفوقها بتراكيب اجتماعية وسياسية وجغرافية تشمل كل محيط منطقتها وجوارها المباشر، وفى مارس ١٩٤٩ كانت تركيا أول دوله مسلمة تعترف بإسرائيل. ومنذ أيام قليلة انعقد مؤتمر «هرتسيليا» الذى بحث مستقبل إسرائيل فى شرق أوسط مضطرب، ثم صار نتنياهو يقيم لإسرائيل «نقاط استقرار فى شرق أوسط حساس وغير مستقر».

يالطة القديمة أم طبعة جديدة، سيان

فى الحالتين كان تحالف يالطة وأطراف يالطة

تكاد القصة تكون واحدة. والسؤال واحد:

ماذا تفعل مصر، أو كيف تتعامل،

أو تواجه مصر؟

أولا: ماذا قال لنا نتنياهو؟

ماذا يقول لنا الروس والأمريكيون وغيرهم ممن يسمع أو يتصل؟

بم رددنا عليهم، أو ماذا أسمعناهم؟

ماذا اتخذنا من خطوات؟

لا نظن أن صورة ما يجرى غائمة، فكل شىء صار مكتوبا على الجدران. رأينا زيارة مصرية الى رام الله. إنما نعتقد

أن مصر تحتاج التحرك على أكثر من مستوى وأكثر من صعيد إزاء التضييق عليها فى مجال أمنها المباشر وان يستند هذا التحرك من بين ما يستند بصورة مبادرة وفعالة على الوجود الحى المباشر بمصالح واعتماد متبادل متعدد الأشكال والأدوات والأنواع داخل محيط جوارها الجغرافى الملاصق، وفى المقدمة الاراضى الفلسطينية فى غزة والضفة، والانفتاح على كل هذه المناطق المتاخمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.

التقدم فى هذا الاتجاه هو الحل

وهو الحماية.