لا يهيئ تقرير الرباعية أرضاً صلبة لإنقاذ مبدأ حل الدولتين. توصياته العشر ليست مقدسة. يأسى الفلسطينيون لـ"أوهام" المساواة عملياً بين "عنف" الدولة المستعمرة و"إرهاب" الواقعين تحت الإستعمار. يرفض الإسرائيليون "خرافات" ما يشاع عن أخطار التوسع الإستيطاني في القدس والضفة الغربية.
يأتي هذا الإندفاع نحو معاودة مفاوضات السلام في هامش زمني ضيق للغاية وغير واقعي، اللهم إلا إذا... كان اللاعبون يعدون لمفاجأة على غرار أوسلو.
أخضع الأطراف الأربعة للرباعية: الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، التقرير لعمليات "تشحيل" و"تشذيب" عدة في محاولة لترشيقه وتمريره. الطرف الأميركي مشتبه فيه معروف بأنه يحابي اسرائيل بإسم الواقعية والبراغماتية والعلاقة الإستراتيجية. أما الطرف الروسي فيتمسك أياً كان الثمن بأن الرباعية هي الآلية الوحيدة المكرسة دولياً بقرارات لمجلس الأمن. الأوروبيون الأقرب الى الشرق الأوسط والأكثر تفهماً لنزاعاته لم يضعوا بعد ثقلهم الكامل خلف الجهود الفرنسية لتوسيع الرباعية وتطويرها لكي تصير مجموعة دعم دولية لعملية السلام. المتطلعون الى المنظمة الدولية يرونها تجهد لمنع "الإنتقائية" ضد اسرائيل ولإعادة دمجها في كل هيئات الأمم المتحدة، بما في ذلك بترشيحها رسمياً وربما انتخابها (سنة 2018) عضواً في مجلس الأمن.
هل هناك متسع من الوقت كي يؤدي تقرير الرباعية الى اختراق؟ لا يبدو واقعياً في هذا الوقت بالذات أن يضيف الرئيس باراك أوباما إنجازاً تاريخياً آخر الى سجله قبل نهاية ولايته في غضون ستة أشهر. لا يتوقع أن يحمل المستقبل المنظور ما يمكن أن يؤثر في سياق الإنتخابات الرئاسية الأميركية وفرص مرشحيها.
ليس من الواضح كيف يمكن أن تقنع الرباعية اسرائيل بتوصيات تقريرها، ومنها العمل على توفير الظروف الملائمة لمعاودة"مفاوضات ذات مغزى تحل جميع قضايا الوضع النهائي، وصولاً الى إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967" طبقاً لقراري مجلس الأمن 242 لعام 1967 و338 لعام 1973. بيد أن الجلي هو تصاعد المخاوف من ترسيخ واقع اسرائيل كدولة احتلال واحدة غارقة في نزاع دائم مع الفلسطينيين الخاضعين لأساليب مختلفة من الإضطهاد والتمييز ضدهم. يتعارض هذا مع سعي اسرائيل الى اعتراف دولي بها على أساس أنها دولة يهودية ولكن ديموقراطية. ثمة بين الفلسطينيين من يعتقد أن تطلعاتهم الى إقامة دولة مستقلة لا ينبغي أن يحصل "أياً كان الثمن".
التوصيات العشر من الرباعية لتحريك عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ليست وصايا، غير أن المفاجآت في ملف شبه مستحيل كهذا أتت دائماً من الحروب، أو من قنوات جانبية أو خلفية.
ماذا يتغير لو تعامل العرب والعالم مع اسرائيل باعتبارها دولة استعمارية وليست فقط كدولة محتلة؟
عن النهار اللبنانية