"حماس" وأنقرة: "الأممية" و"المصالح"

thumbgen (6)
حجم الخط
 

لعل إحدى القضايا بعيدة المدى والاستراتيجية التي تعكسها الاتفاقية الإسرائيلية التركية الأخيرة، هي موقف الإخوان المسلمين من الأسس التي تسيّر السياسة، وتسليمهم، بل ترحيبهم بالموقف التركي، وتبريرهم هذا الموقف بالواقعية السياسية، والتسليم بأولويات ومصالح الدول الخاصة. وهذا فيه تناقض تام (جديد) مع الفكر الأممي للإخوان المسلمين.  
جاء الاتفاق التركي الإسرائيلي الأخير لتطبيع العلاقات؛ باستئناف العلاقات الدبلوماسية بمستواها "الطبيعي"، بعد زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل إلى تركيا، والتقائه هناك الرئيس رجب طيب أردوغان. وفي التعبير عن موقف "حماس"، يقول عضو المكتب السياسي خليل الحية، إن حركته أكدت خلال زيارة وفدها القيادي لتركيا مطالبتها بإنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة وإلى الأبد وفي شتى المجالات. وأضاف الحية في حوار مع صحيفة "فلسطين"، أنّ حركته "لا تتدخل في علاقات الدول الداخلية ولا علاقاتها السياسية والخارجية".
وفي مصر، التقت صحيفة "المصريون" القيادي بجماعة "الإخوان المسلمين" 
عز الدين الكومي، الذي قال إن "الأمر يخص الجانب التركي وﻻ شك أنه يتعرض لضغوط ضخمة بهذا الخصوص، والتهديد باستخدام بعض أوراق الضغط مثل ورقة الأكراد والأرمن والعلويين". وأشار إلى أن "تركيا قيدت عودة العلاقات برفع الحصار عن غزة وبناء ميناء في بحر غزة وأمور أخرى، وفي النهاية لن يجاب لكل المطالب". وعن موقف جماعة الإخوان، قال الكومي إن "هذه سياسات دول تحركها مصالح واعتبارات غير مصالح واعتبارات الجماعات". 
هذه التعبيرات عن فهم قيادات الإخوان المسلمين بشأن السياسة الدولية، والتسليم بفكرة مصالح الدول واختلافها عن اعتبارات الجماعات، ذات أهمية خاصة. فإيمان جماعة الإخوان بفكرة الأمة الإسلامية كان يعني أنّ مصالح الأمة لا تجزأ؛ وإيمان الإخوان بالمحرك الشرعي الديني للسياسة، كان يعني أنّ مسألة التفاوض، ناهيك عن الاتفاقات والتبادل الدبلوماسي والتجاري، مع دولة الاحتلال، هي مخالفات شرعية لا تجوز. ولكن الآن تؤمن الجماعة، أو تسلّم، أو تتعايش مع فكرة أنّ لكل دولة مصلحتها المتمايزة، حتى فيما يتعلق بالنسبة للإسرائيليين. وثانيا، تؤمن الجماعة الآن، أن السياسة تحكمها المصالح وليس الأيديولوجيا أو الدين. 
عمليّاً، سلّم وانضم الإخوان المسلمون إلى التيار السائد في العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً على مستوى السياسات الرسمية، في مفهوم الهوية. وهذا المفهوم يقوم على عدم تجاهل البعد العربي والإسلامي، لكن مع تغليب فكرة الدولة ومصالحها. بمعنى أنّ فكرة الأمة العربية والإسلامية لم تنته، وهناك شعور برابطة وخصوصية في العلاقة، فتعاطي تركيا مع الشأن الفلسطيني، لا يمكن فصله كلياً عن شعور تركيا، وحزبها الحاكم، بالهوية الإسلامية، أو على الأقل استثمار هذه الهوية، والشعور بخصوصية العلاقة مع الفلسطينيين. والشيء ذاته بالنسبة للإخوان المسلمين؛ فلولا البعد الإسلامي لما كان لتركيا هذه المكانة. لكن الأولوية للدولة وليس الأمة، فيجري التسليم بأنّ هناك دولا ولها مصالح، تتفوق على فكرة الأمة والأيديولوجيا الدينية. 
عمليا، لم تعد فكرة الأمة الإسلامية قائمة لدى الدول العربية وغالبية الأحزاب العربية والإسلامية بالمعنى التقليدي السابق للفكرة، لأنّ استمرار هذه الفكرة يعني العمل على دولة وسياسة موحدتين، تعبران عن هذه الأمة الواحدة. لكنّ هناك تسليما بأن لدينا دولا عربية أو دولا مسلمة، بينها خصوصية مشتركة لا تصل حد الوحدة، أو المطالبة بالتضحية بالمصالح الخاصة لأجل جزء آخر من الأمة. إذا لم يعد هناك أمة عربية بل دول عربية، وليس أمة إسلامية بل دول إسلامية. 
لولا البعد الأممي لما كان موقف تركيا بهذا الشكل الداعم للفلسطينيين، ولكن فكرة الدولة هي الحاسمة في الأزمات. 
المشكلة الحقيقية في الاتفاق التركي الإسرائيلي، وموقف "حماس" منه، عدا عن أنه يسجل تباينا مع فكر الجماعة الأصلي، وهو أمر يجب أن تعترف به، وتطور أفكارها لتتأقلم معه، أنّه يسلم بالمصالح التركية مقابل مكاسب قصيرة المدى بشأن "حدة الحصار" على غزة، وأن هذا التسليم يتعايش ويتقبل فكرة تطبيع الدول لعلاقاتها ومصالحها مع الإسرائيليين. أي إنّ "حماس" تقترب من براغماتية تتقبل مصلحة الحليف التركي، على حساب المصلحة الوطنية الخاصة، لأنّ الموقف التركي أفضل نسبياً من غيره، أو لأنه داعم "للجماعة".

عن الغد الاردنية