كشفت التماسات مرفوعةٌ إلى المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن اتفاقية المصالحة التركية ـ الإسرائيلية واقعَ احتوائها على بنودٍ لم يسبق أن ذكرت، وبينها نقل تركيا أموالاً إلى المصارف العاملة في قطاع غزة. وكذلك ينص الاتفاق صراحةً على أن الـ20 مليون دولار التي تدفعها إسرائيل لمصلحة صندوق خيري هي «تعويض للعائلات التركية الثكلى من سفينة مرمرة».
وأظهرت معطيات كشفت عنها النيابة العامة الإسرائيلية في ردها على ثلاثة التماسات مرفوعة إلى المحكمة العليا ضد اتفاقية المصالحة مع تركيا قدمتها عائلات مفقودين ونشطاء يمينيون أن بنود الاتفاق تختلف عما كان معلناً حتى الآن. ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورة لمحضر التوقيع على الاتفاقية بين المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد ولمساعد وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلولو.
ومن صيغة محضر الاتفاق المنشور الذي صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر عليه، يظهر أن الدولة العبرية تعهدت بأن تدفع لتركيا 20 مليون دولار قيل عنها صراحة إنها «تعويض للعائلات الثكلى من حادث السفينة». وبحسب الاتفاق، فإن توزيع أموال التعويضات سيتم من جانب تركيا فقط، ومقابل ذلك، فإن عائلات ضحايا سفينة مرمرة في أيار 2010 سيتخلون عن الدعاوى ضد إسرائيل في هذا الشأن. وكذلك إذا تم تقديم دعاوى ضد ضباط إسرائيليين في هذه المسألة، فإن أنقرة سوف تتحمل المسؤولية المالية عن معالجة الأمر.
ويفيد نص الاتفاق أن بوسع تركيا بحرية نقل أموال للمصارف المسموح لها بالعمل في قطاع غزة، على أن يتم ذلك وفقاً للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية. وواضح أن الأموال المقصودة هي التي تحتاج إليها تركيا في غزة لتمويل المشاريع التي تنوي تنفيذها. ويتوقع أن تنشئ تركيا منشأةً لتحلية المياه في القطاع بعد نيل المباركة الإسرائيلية، وهي أعربت أيضاً عن نيتها إنشاء محطة لتوليد الطاقة في غزة أيضاً وفقاً للأذونات الإسرائيلية. وتنفيذ هذه المشاريع، وفق الاتفاق، مشروط بـ «استمرار الهدوء الأمني».
وقد وردت كل هذه التفاصيل في رد النيابة العامة على الالتماسات. وطلبت النيابة من المحكمة رفض كل الالتماسات المرفوعة لأن الأمر يتعلق بفعل سياسي واضح لا فعل قضائي. وجاء في الرد أن «هذا اتفاق سياسي، يحمل في ثناياه فوائد أمنية وسياسية، ليست المحكمة مكاناً لمناقشتها أو التدخل فيها. وهذا ليس فقط جراء غياب الأدوات المناسبة، وإنما أيضاً، وفي الأساس، بسبب طابع الصلاحيات والمسؤوليات الممنوحة للسلطة التنفيذية في هذا الشأن». وشددت النيابة العامة على أن التقاليد تقول بعدم تدخل المحاكم في شؤون السياسة الخارجية.
وكانت الالتماسات قد أشارت أيضاً إلى الجوانب الاقتصادية للاتفاق وتناقض المصالح في الأمر بين الاتفاق وكل من وزير المالية ووزير الإسكان في مسألة تصدير الغاز. وردت النيابة على ذلك بالقول إن «الأسئلة المثارة في هذا السياق درست مسبقاً من جانب الجهات المختصة في وزارة العدل قبل مناقشة الموضوع في الكابينت. وفي ختام الدراسة وجد أن الاتفاق مع حكومة تركيا لا يشير مباشرة بأي شكل إلى موضوع الغاز الطبيعي».
وشددت النيابة العامة الإسرائيلية على أنه إذا تطور الأمر لاحقاً في هذا الشأن تجاه تصدير الغاز، فإنه من حق الوزراء التصويت على ذلك في المجلس الوزاري المصغر. ولذلك فإن أساس الالتماسات «اتهامات بعيدة المدى، وهي ذات أساس تكهني في جوهرها».
وثمة بند واضح في الاتفاق يتعلق بمنع تركيا من الادعاء على إسرائيل في كل ما يتصل بسفينة مرمرة، وهذا البند لا يشكل إقراراً بأي ذنب جنائي، ولا حتى مسؤولية من جانب إسرائيل. «الاتفاق هذا يحرر بشكل تام إسرائيل، مبعوثيها ومواطنيها، من المسؤولية تجاه أي دعوى مدنية أو جنائية قدمت أو يمكن أن تقدم ضدهم في تركيا من جانب أتراك أو أي شخص آخر أو جهة قضائية تركية بشأن مرمرة».
واعتبر الناشط اليميني المحامي إيتمار بن جبير، الذي يمثل حركة «الجبروت اليهودي»، والملتمسون ضد الاتفاق من الحركة، ميخائيل بن آري، باروخ ميرزل وبنتسي غوفشتاين، أن «هذا اتفاق مخجل. ويتبين أن الحكومة أخفت تفاصيل عن الجمهور. وإذا كانت هناك حالة ينبغي فيها للمحكمة العليا أن تتدخل في اتفاق سياسي، فإن هذا هو النموذج. الأمر يتعلق بتسوية عار، وهي مخجلة وتتناقض مع سلطة القانون».