الفلسطينيون يدفعون ثمن ضعفهم !!!

عبد الناصر النجار
حجم الخط
ثلاث قضايا مهمة جرت الأسبوع الماضي، أعطى كل منها مؤشراً على مدى الضعف الفلسطيني وعدم قدرته على المواجهة الحقيقية، سوى بمجموعة بيانات شجب واستنكار وتهديد لا قيمة لها على أرض الواقع، ما يدلّ على أننا في أسوأ أوضاعنا منذ وعد بلفور.
القضية الأولى هي التغيّر الدراماتيكي في موقف «اللجنة الرباعية» التي تمثل المجتمع الدولي، والتي كان ينبغي - خلال أكثر من عقدٍ من الزمن - أن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني المحتل، وتثبت قدرتها على الفعل. ولكن يبدو أن تشكيلة اللجنة المكوّنة من (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا) هي سرّ ضعفها وعدم قدرتها على إحداث أي اختراق لحلّ سياسي للقضية الفلسطينية ينهي الاحتلال.
رئيس اللجنة السابق توني بلير الذي ساهم في تدمير العراق عن سبق إصرار وترصُّد - وهو ما يؤكده تقرير بريطانيا حول قرار الحرب ضد العراق - والذي وقف دائماً إلى جانب الاحتلال والرواية الإسرائيلية، وكان دائم التأثير على صياغة بيانات اللجنة، لم يكن بهذا السوء، فلم يكن يتجاوز الخطوط الحمراء الفلسطينية، إذ كان يمسك العصا من المنتصف لإرضاء الاحتلال الإسرائيلي والقيادة الفلسطينية، وعندما ذهب بلير تنفّسنا الصعداء، وكسرنا عشر جرار لعلّ وعسى.
ولكن للأسف، بدأ مسار اللجنة بالانحراف التدريجي نحو الرواية الإسرائيلية حتى صدر تقريرها الأخير الذي ركّز على العنف الفلسطيني وضرورة وقفه، وعلى الانقسام الفلسطيني، ومن ثم تطرق إلى الاستيطان الإسرائيلي كعقبة.
لا نعرف عن أي عنف يتحدث التقرير، وكأن العنف اليهودي غير موجود، وكأن الفلسطيني المهجر والمحاصر والمقموع ليس بإنسان.
القرار الفلسطيني كان التهديد بمقاطعة اللجنة، ولكن كما يقولون بعد «خراب روما»، واليوم تقريرها تم توزيعه عالمياً وداخل أروقة المنظمة الدولية التي أقرّته، أما الاستيطان والاعتداءات اليومية وعمليات الاغتيال المتعمدة والموثقة فلم تعن للجنة شيئاً.. أو كما قيل هي سيطرة أميركية كاملة على اللجنة. فلا الاتحاد الأوروبي الملتهي بقضاياه الداخلية (الهجرة، والاعتداءات الإرهابية) أصبح مهتماً بالصراع العربي الإسرائيلي. ولا موسكو مهتمة كالسابق، وهي تنظر إلى مصالحها في سورية والمنطقة بشكل أكثر أهمية من القضية الفلسطينية، وربما موافقة روسيا على تقرير اللجنة الرباعية بالطريقة التي صدر بها يدل على أن لعبة المصالح هي الأساس. روسيا تجني اليوم ثمن مصالحها في عدة مناطق مقابل قضية لم تعد تهم العالم، كما كانت سابقاً.
في ظل هذا الوضع نبقى نحن الضعفاء الذين لا حول لنا ولا قوة سوى مزيد من الخلافات الداخلية، مزيد من الفوضى، مزيد من الإخفاق الأمني.
القضية الثانية هي الاستيطان: خلال الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بناء مئات الوحدات الاستيطانية في مناطق احتلت بعد العام 1967 في مخالفة واضحة للقرارات الأممية وحتى قرارات الدول الكبرى.
الاستيطان مستمر ويتم بشكل مكثف. القدس انتهت تماماً من خلال الاستيطان، والأحياء الفلسطينية فيها أضحت جزراً صغيرة جداً متفرقة في تلك البقعة أو غيرها.
حجم الاستيطان اليوم يؤكد أنه لم يعد هناك أي فرصة لحل سياسي قائم على مبدأ الدولتين. وبالنسبة لنا لم نترك دقيقة واحدة أو قراراً إسرائيلياً يعلن عن بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية إلاّ أدناه واستنكرناه وشجبناه على رؤوس الأشهاد وصدرنا البيانات من كل قبيلة وعشيرة فلسطينية، لأن هذا هو ما نستطيع فعله، وهذا هو نتيجة ضعفنا وعدم قدرتنا على المواجهة.
القضية الثالثة: هي محاكمة الجندي الإسرائيلي المجرم الذي اغتال الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل. القاتل اليئور أزاريا حضر جلسة محاكمة صورية، أول من أمس، والصحافة الإسرائيلية تحدثت عن هذه المهزلة الحقيقية. المجرم حضر إلى المحكمة طليقاً وكأنه ارتكب حادث سيرٍ عرضياً بوجود عائلته ومجموعة من المستوطنين الذين حاولوا أن يصوروا حجم الكارثة المتمثلة بالمحاكمة.. محاكمة بطل إسرائيلي كما نظر إليه معظم الجمهور اليهودي هي محاكمة باطلة، وما قام به ما هو إلاّ أمر عملياتي يحدث على قاعدة (يجب ألا يخرج الفلسطيني حيّاً من أي هجوم).
تكشفت في هذه القضية، أيضاً، مجموعة من القضايا، ومنها دور «نجمة داود الحمراء»، حيث أكدت قيادات في الجيش الإسرائيلي أن «نجمة داود» ترفض معالجة الجرحى الفلسطينيين، وهو ما حدث في عدة مناطق، وتم توثيق ذلك فلسطينياً؛ ما زاد من قوة الهبّة.
نحن نريد موقف «الصليب الأحمر» و»الهلال الأحمر» اللتين قبلتا انضمام «نجمة داود» قبل عدة سنوات في منظومة «الصليب» مقابل مجموعة من الاشتراطات. ولكن ما يحصل على الأرض يبين أن موظفي «نجمة داود» يرتكبون، أيضاً، جرائم من خلال عدم تقديم العلاج للجرحى الفلسطينيين. ويبدو أن ضعفنا سبب آخر في عدم ملاحقة حتى القضايا الأخلاقية وانتهاكات مسعفي الاحتلال!!!