(1) كثرة الحديث ..سقطة
يتحدثون كثيرا عن الحرب ..!!
كأنه الخيار او المسار الاجباري الذي يجب ان تجره الينا الاحداث قسرا ...!!
ثم ينجرفون للحديث عن التوقعات والسيناريوهات ..
ثم يتشنفون بالحديث عن احتمالات النصروالهزيمة ...
هناك من يستبق ويقرر انه سينتصر سلفا مهما كان الثمن ,دلالة على السطحية المفرطة المتعجلة .
تارة يقولون الحرب قادمة لا مفر منها ,ثم يعدلون من موجة الغلو: "لا نعمل من اجل حرب قادمة ".
بل ذهب البعض الى استعجال الحرب وتوعد من يقترب من حدود غزة!!
الحروب لا تحتاج الى أقوال ولا الى خطابات ولا الى تنبؤات ..بل الى رؤية وفهم وحسابات صحيحة.
سيدنا عمر كان يقول :(من كثر كلامه كثر سقطه).
وكثرة الحديث عن الحرب هو من السقطات الكبيرة التي ينبغي تجنبها, لانها ليست ميدانا لاستعراض العضلات ولا العنتريات ولا شوفينية الخطابات .
الحرب شيء كبير ومهول ,تعني سفك الدماء وازهاق الارواح وتدمير كل ما يمت للحياة بصلة ورسم مشاهد مروعة ..
الحرب هي أن تلتهم الأرض لحوم البشر..
الحرب ربما تنجح في اشعالها لكنك لا تعرف كيف تطفئها .
ومن ثم فان التعامل معها يجب ان يكون فوق الجدية وفوق الرزانة وفوق العقل والمنطق والحسابات !!
الامر ليست نزهة لا هنا ولا هناك !!
(2) أسئلة واجب الاجابة عليها
بداية أسجل ان (فريضة) التفكير الاستراتيجي ,بعيد الامد, مغيب عن الساحة الفلسطينية, ويجري استبدالها دوما ب(تكتيك) الانشغال اليومي بقوة الاعداد والتجهيز دون ان نكلف انفسنا بالبحث عن الاجوبة لأسئلة استراتيجيةتفرض نفسها بقوة :
أ- هل الحرب هي الخيار الوحيد والافضل؟
ب- هل قطاع غزة بتركيبته الجغرافية والسكانية يصلح لإدارة معركة مفتوحة..وهل ينبغي ان تتحمل غزة دوما عبء الحرب وتبعاتها وحدها ؟
ت- اليست هناك خيارات بديلة ذات جدوى اكبروخسارة اقل ؟
ث- هل لدى المجموع الوطني رؤية متكاملة وناضجة حول المقاومة من حيث الرؤية والاساليب بحيث تحقق اهدافا ملموسة, حتى لا نتنازع في تقييم نتائج الحرب من حيث الكسب او الخسارة؟
بداية – حتى لا يزاودالمزاودون- يجب أن نؤكد على المؤكد بأن المقاومة حق مشروع لا جدال فيه, لكن يبقى السؤال :ما هو النموذج الافضل للمقاومة في وجه دولة مدججة بالسلاح والهمجية العدوانية ومحمية بشريعة الغاب الدولية ؟.
الجواب لازم لتحقيق أكبر قدر من النتائج الايجابية ,ذات البعد التراكمي,ولكي لا نكتفي بنتائج متواضعة لا تتوافق مع حجم التضحيات المقدمة.
هناك من سيقول ان الحرب تفرض علينا, وهناك من يرى انها "واجب" يجب المبادرة اليه , لكن في كلا الحالتين ينبغي ان توضع موضع التمحيص وتقدير المصلحة والتفكير الاستراتيجي ,لا موضع الاندفاع وردود الافعال والحسابات المتعجلة.
من يريد خوض حرب عليه ان يدرسها جيدا , بداية ونهاية, ويدرس نتائجها ,لانها مرتبطة بواقع شعب وقضيته ومستقبله وحياته واستقراره.
الحروب لا تقاس فقط بكثرة التضحيات ولا بالأعمال البطولية وحدها, بل بالنتائج المترتبة عليها ..
الذين يتجاهلون النتائج ويعتبرونها غير ذات قيمة او يكيفونها بحسب رغباتهم انما يعاكسون السنن وقوانين الحياة, لان النتائج – خاصة السياسية منها -يجب ان توضع ضمن معايير حرفية مهنية ..غير عاطفية.
اذن، لا مجال للمجازفة ..لا مجال للمغامرة .. لا مجال لارتكاب اخطاء في هكذا قرارات خطرة .
في سورة الانفال رسم الله تعالى ميزانا لقواعد الحرب , وبين ان الاعداد لها واجب وضروري في تقدير المواجهة من الناحيتين الايمانية واللوجستية, بل انه تعمد التطرق الى موازين القوى بقوله (علم الله ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين..) وذلك تنبيها الى وضعها في الاعتبار تحت قاعدة (لا يكلف الله نفسا الا وسعها).
بحسابات الواقع, فان اسرائيل ,تمتلك ترسانة هي من اقوى الترسانات الحربية في الشرق الاوسط , وقدرات استخبارية وامنية عالية ,وقدرة جامحة على التدمير والقتل الجماعي وارتكاب المجازر بدون رادع , بل وضمانصمت المنطقة والمجتمع الدولي الى درجة التواطؤ, والادهى انها تستعيد تكلفة الحرب من الزامها الاطراف الاخرى شراء مستلزمات الاعمار من مخازنها !!
ليس معنى ذلك العجز او التسليم ,بل يحفزنا على التفكير الابداعي لمواجهتها وكسر جبروتها.
في المقابل فان المقاومة في غزة تمتلك امكانيات متواضعة في بقعة جغرافية صغيرة ومكشوفة ,بلا ظهير ولا سند اقليمي ولا دولي , وقبل هذا كله ارادة قوية وعزيمة حديدية للقتال.
هي معادلة غير متكافئة على الاطلاق .
في الحروب الثلاث , رغم الصمود والقوة القتالية العالية للمقاومة ورغم الانجازات الاستثنائية في ضرب العدو, فان اسرائيل كبدت قطاع غزة خسائر فادحة في الارواح والممتلكات واعادت عجلة الاقتصاد الى نقطة الصفر ,وزادت من حدة البطالة والفقر والكلفة الباهظة لاعادة الاعمار, فضلا عن خضوع ملف الاعمار لحالة الابتزاز السياسي من اطراف عديدة .
(3) مقاومة وليس جيشا
ان حالتنا الفلسطينية, في ابسط تقدير , هي حالة مقاومة ..ولا يجب ان تتعداها الى ما هو ابعد من ذلك.
على مر التاريخ والتجارب هناك قواعد واصول تحكم عمل حركات المقاومة التي تقوم على الكر والفر والضربات الخلفية وتجنب المواجهات المباشرة قدر الامكان(حرب العصابات).
نحن لسنا جيشا نظاميا ,وليس مطلوبا ان تصاغ المقاومة وتشكل على هذا الاساس ,لانه مخالف لظروف الواقع ولفلسفة المقاومة واساليبها.
لكن مع الاسف هناك من يغالي كثيرا ويصور بان (مجموعات المقاومة) يجب ان تتحول الى (جيش نظامي) جاهزلاي حرب واي مواجهة مهما كان شكلها او نوعها..
هذه مغالاة مرفوضة متلبسة بالعجلة والجهل بقراءة الامور بشكل واقعي.
ان المواجهة المفتوحة مع الاحتلال تخلق واقعا معقدا امام المقاومة وامام اهالي القطاع ليس من السهل السيطرة عليه في ظل الهجمات المجنونة والموجات التدميرية الواسعة واستنفاذ امكانات وذخيرة المقاومة, كما ان القدرة على تحقيق نتائج سريعة وملموسة في الحرب ذاتها موضع سؤال.
صحيح ان بطولة المقاومة وصلابتها أثرت على رؤية وخطط الجيش من حيث الاستراتيجية والتكتيك وخلقت حالة من الخوف وعدم الاستقرار في المجتمع الاسرائيلي ,والاهم من ذلك اثبات ان الخيار العسكري مهما كانت قوته لن يحقق لإسرائيل النتائج التي تتوخاها, لكن يجب ان ندرك بأن الحروب الثلاث ,للان, لم تجبر اسرائيل على تغيير سياساتها سواء تجاه الحل السياسي او الحصار او بناء المستوطنات ولا فيمن يدعون انها غيرت من عقيدتها الامنية والعسكرية العدائية .
اسرائيل خاضت حروبا كثيرة مع دول عربية ومع حزب الله والمقاومة الفلسطينية , وبدا ان النخبة السياسية والعسكرية من ساسة وجنرالات وباحثين وخبراء يجمعون على خيار الحرب المفتوحة باعتبار انه الافضل فيتوجيه ضربات قوية ومدمرة للخصم.
في المقابل فان اسرائيل (ترتعب) من الهجمات/العمليات المتفرقة والخاطفة ضد جنودها ومستوطنيها ومواطنيها–مثلما كان سائدا في التسعينات-,وتؤلمها(الوخزات) في كل انحاء جسمها, وتسبب لها الارهاق والاستنزاف وتشكل عليها ضغطا جماهيريا كبيرا, كما ان كلفتها على الجانب الفلسطيني اقل ضررا وأخف وطأة .
هذه المفارقة بين الخيارين تفتح العيون والعقول على ان خيار المقاومة /بمفهومها التقليدي/ هو افضل من خيار الحرب المفتوحة .
(4) الفصائل ..والاتجاه المعاكس
بعض الفصائل تغالي كثيرا في قدراتها واستعراض قوتها, بل وكشف/فضح اوراقها ونقاط قوتها , بل انها بعضها يعيد نشر ما تنشره الصحف الاسرائيلية كنوع من الافتخار, ويعتبرون ذلك جزءا من (رفع المعنويات) , وبرأيي المتواضع ارى انه يصب في الاتجاه المعاكس من حيث (تفتيح) عيون العدو وتحفيزه على ايجاد حلول وقائية ودفاعات مضادة وتشكيل فكرة كاملة حول قدرات واساليب عمل فصائل المقاومة .
على سبيل المثال ,الا ترون ان تكرار الحديث عن الانفاق ورجال الانفاق حفزت اسرائيل بكل مكوناتها السياسية والامنية والعسكرية ,وحتى المجتمعية , للبحث عن حلول عملية ورصد مليارات الشواكل لصد هذا الخطر ؟؟
هناك طرق كثيرة لرفع المعنويات وتحفيز الهمم واستدعاء الطاقات دون التورط في كشف الاوراق ولفت انتباه الاعداء.
لدينا فرصة للتفكير بعقلانية اكبر وتحقيق نتائج افضل وايلام عدونا اكثر .
دعونا نقول بوضوح ان خيار الحرب, طوعا او كرها, ليس الخيار الانسب بل من الافضل تجنبه قدر الامكان, ليس تهربا ولا جبنا من المواجهة لكن لتحقيق نتائج افضل في مقارعة العدو.
هناك بدائل متوفرة وخيارات عديدة وفرص كثيرة !!
اردت بهذا المقال أن أضعه أمامأهل الخبرة والاختصاص لاعمال العقل وقدح الذهن.. ولكل مجتهد نصيب.