مجتمع "تحت البلاطة"

thumbgen (24)
حجم الخط
 

المجتمع فى مصر أغنى من حكومته فى كل شىء. أغنى ماليا وأغنى فى الكفاءات والقدرة، وما تحت البلاطة، ليس مالا فقط بل مجتمع بحاله.

منذ أيام عبدالناصر وهناك شكوى مما يكتنزه المصريون تحت البلاطة ويمكن أن يستفيد به البلد أكثر، فما الذى يجعل الوضع كذلك؟

أين تكمن المشكلة؟

فى المجتمع أم فى السياسة والأفكار؟

لا نظن أن المشكلة فى المجتمع بل فى الأفكار، التى تصنع نظم السياسة، وخذ عندك أو ضع فى اعتبارك ما يلى:

■ المجتمع المصرى ليس فقيرا. به فقراء نعم، مثل أى مجتمع، إنما ليس مجتمعا فقيرا إلا على مستوى الأفكار، التى تصنع نظم السياسة،

وإلا كيف ينفق المجتمع نحو ٤٠ مليار جنيه زكاة، بخلاف نحو ٣٥ مليار جنيه أكلا وشربا فى شهر رمضان وحده، وهناك مبالغ أخرى غير مرصودة، كما سبق أن دفع المصريون ما يقرب من ٨٤ مليار جنيه فى ثمانية أيام فقط لقناة السويس. ويوجد الآن عدد من المتعلمين الشباب فى مصر يزيد مرتين إلى ثلاث مرات عمّا كان عليه الوضع فى الجيل السابق حسب إحصاءات البنك الدولى؟

■ المجتمع المصرى هو الذى يحمى البلد من السقوط والانهيار الاقتصادى والاجتماعى والارتهان للوصاية الأجنبية، كما فعلت الديون باليونان أخيرا.

صحيح أن ديون مصر الخارجية بلغت ٥٣٫٤ مليار دولار، كما اقترب إجمالى الدين العام من 3 تريليونات جنيه، لكن الأصح أن الديون المحلية هى الطاغية لا الخارجية، وأن أموال المصريين هى التى تحمى مصر.

المجتمع المصرى وطنى بالسليقة. حساس لدرجة المرض من مجرد الشعور بالتدخل الأجنبى حتى من إخوته العرب، اعتزازه بوطنيته لا يحتاج إلى برهان أو تأكيد.

■ يمكننا الوثوق بالمجتمع. بتأسيس النظم التى تطلق حرياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. نظم الدولة الحديثة، التى تدير وتنظم طاقاته دون تحكم أو قيود.

يمكننا الاستغناء بالمجتمع تماما عن أى خارج. باستطاعتنا الاعتماد كليا على أنفسنا. لدينا القدرة. لن أعدد لك كم من شركات ومصانع مملوكة لأفراد مصريين تتفوق على شركات الحكومة، داخل مصر وخارجها. ليس فى مستوى وجودة الإنتاج فقط بل فى ضمان مستوى الحياة الكريمة للعاملين بها ومستوى التأهيل الذى يصل إلى حد التدريب فى المراكز المتقدمة فى الخارج.

لن أعدد لك عدد المصريين البارزين فى العالم، ربما تعرف بعضهم وأعرف كثيرا منهم لكنها دليل واضح على مشكلة نظم الأفكار والسياسة.

■ نظم السياسة السائدة حاليا لا تصلح. تفكيرها محصور فى شيئين لا ثالث لهما: السيطرة والجباية بينما الواجب أن تشغل نفسها بشىء واحد فقط هو كيفية الاستثمار فى المجتمع وبالمجتمع، تعتمد النظم الحالية على البيروقراطية لا على قدرة المجتمع، البيروقراطية كائن طفيلى محدود القدرة، أما المجتمع فأصل ثابت لا حدود لقدرته وقوته. لكن نظم السياسة والأفكار السائدة تثق فى البيروقراطية وتشك فى المجتمع. ترضخ للبيروقراطية وتتنمر للمجتمع. لذا ينصرف المجتمع. يتقوقع فى داخله. يكتنز أمواله وقدراته ومواهبه وأفكاره تحت البلاطة. بينما تستمر البيروقراطية فى استنزاف البلد.

قامت الدنيا ولم تقعد بسبب قانون الخدمة المدنية الجديد مع أنك عندما تنظر إلى أجور العاملين بالدولة منذ عام 1980 وحتى مشروع موازنة 2016/2017 تجد أن ما تم إنفاقه على الأجور قد ارتفع من 1.5 مليار جنيه عام 1980/1981 إلى 96.3 مليار جنيه فى موازنة 2010/2011، حتى وصلت فى مشروع موازنة 2016/2017 إلى نحو 228.1 مليار جنيه.. الأجور وحدها تستحوذ على 24.4% من إجمالى المصروفات العامة. الموظفون فى كل الأحوال غلابة وهم فئة بسيطة إنما ماذا عن بقية فئات المجتمع؟

تتغنى البيروقراطية دائما بتخصيص الجزء الأغلب من ميزانية البلد للإنفاق الاجتماعى وقد بلغت تقديرات الدعم فى هذه الموازنة نحو 210.3 مليار جنيه، لكن الشكوى عامة ومزمنة من الدعم الذى لا يصل أبدا إلى مستحقيه. والسبب بسيط. البيروقراطية ووسطاؤها وعملاؤها يلتهمون الدعم ومستحقيه.

■ المجتمع يعرف نفسه بنفسه أكثر من الحكومة. يعين نفسه بنفسه أحسن من الحكومة. يبنى ويعمر البلد أفضل من الحكومة.

نظم السياسة فاسدة والبيروقراطية أفسد، والمجتمع أساسه سليم. تتعلل نظم السياسة بنخب سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية ودينية أفسدتها البيروقراطية، وهى فى حقيقتها رديف لها لتقول إن المجتمع فاسد مع أنه مثل أى مجتمع فيه الصالح والطالح وأكثره صالح.

تتعلل نظم السياسة أيضا ببضع منظمات تغتصب مسمى المجتمع المدنى لتقول إن القطاع المدنى مهترئ وليس منا ولا يصلح للقيادة أو المسؤولية ويستحق الوصاية وفرض القيود مع أن القطاع المدنى هو الذى يقبع تحت البلاطة.

الطريق أصبح واضحا إما البيروقراطية

وإما المجتمع. خسرنا ونخسر بالبيروقراطية فلماذا لا ننجح بالمجتمع، كيف لا نخرجه من تحت البلاطة؟!

عن المصري اليوم