بات من الملحّ إجراء مراجعة لمكانة فلسطين الدولية قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، لا سيما في ظل التطورات بالغة السوء التي حصلت خلال الفترة القليلة الماضية كثمرة خبيثة لما تشهده المنطقة العربية من حروب وشرذمة وانقسام.
وتتمثل هذه التطورات بمكافأة إسرائيل بدلاً من معاقبتها بفوزها برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة بعد تصويت 109 دول لصالحها، منها أربع دول عربية، وصدور تقرير عن «اللجنة الرباعية» منحاز لإسرائيل، وهابط بالموقف الدولي إلى مستوى لم يسبق له مثيل، «ما ينذر بالثبور وعظائم الأمور» ما لم يكن هناك تحرك فلسطيني بمستوى هذا التحدي، خصوصاً إذا تبنّاه مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل فلسطين معرضة لخسارة الشرعية الدولية.
ومن هذه التطورات أيضاً الاختراق الإسرائيلي لعدد من الدول العربية بذريعة الالتقاء ضد «الإرهاب السني» و»الخطر الإيراني الفارسي الشيعي»، لدرجة بتنا نقترب من الشروع في الحل الإقليمي الذي بادر إلى طرحه أفيغدور ليبرمان قبل أن يصبح وزيراً للحرب، وتبنته الحكومة الإسرائيلية، ويظهر ذلك من خلال بدء الترويج لأولوية تحقيق السلام العربي - الإسرائيلي كمقدمة لتحقيق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، بعد عقود من اعتماد العرب لأولوية حل القضية الفلسطينية وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، واستخدام العرب للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات، وهذا يعني توظيف المفاوضات التي يمكن أن تجري لحل القضية الفلسطينية للتغطية على التطبيع العربي مع إسرائيل، وبالتالي لن يقود هذا الأمر إلى حل وطني أو متوازن، وإنما إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تنفيذ الحل الإسرائيلي أو إغلاقها حتى إشعار آخر.
يضاف إلى ما سبق مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرامية إلى تحويل «السلام البارد» إلى «سلام دافئ» واستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وإجراء مصالحة فلسطينية داخلية، التي أدت منذ أيام إلى زيارة وزير خارجيته إلى تل أبيب لأول مرة منذ تسع سنوات وسط أحاديث متزايدة عن لقاء يجمع نتنياهو بالسيسي وقمة ثلاثية (فلسطينية إسرائيلية مصرية)، تمهيداً لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية برعاية مصرية وأردنية، ما يعني أنّ العرب يمكن أن يتحولوا إلى وسطاء، وكذلك الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا بعد زيارة نتنياهو الأخيرة التي جعلت إسرائيل تقترب من الحصول على العضوية المراقبة في منظمة «الوحدة الإفريقية»، وبالتالي احتمال خسارة دعم أكبر تكتل إقليمي يدعم القضية الفلسطينية.
ويصب في نفس السياق السلبي إنجاز المصالحة التركية الإسرائيلية، التي من ضمن شروطها عدم مساهمة الطرفين بأي خطوات في المحافل الدولية يمكن أن تلحق الضرر بالطرف الآخر، الأمر الذي سيحيد الدعم التركي للحقوق الفلسطينية، وقبلها العلاقة الدافئة بين روسيا وإسرائيل التي تضمنت إطلاق يد الدب الروسي في سورية مع الحفاظ على المصالح الأمنية والإستراتيجية لتل أبيب، مقابل غض نظر موسكو عما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، ولعل هذا يفسر صدور تقرير اللجنة الرباعية دون اعتراض روسي، إضافة إلى إنجازات إسرائيل في علاقاتها مع الهند والصين ودول أوروبا الشرقية وغيرها من الدول التي كانت معروفة بتأييدها للقضية الفلسطينية ومناهضتها لإسرائيل.
تأسيساً على كل ما تقدم، لا بد من استعادة الوعي والتخلي عن حالة خداع الذات وإنكار الواقع التي تظهر بالحديث الفلسطيني الرسمي والمدعوم عربياً حول الانتصارات الدبلوماسية الفلسطينية، الذي يجد الترويج من أجهزة إعلامية مدفوعة الثمن، ومن مدّاحي كل ما يقوله الحكام من مثقفين وأكاديميين وكتّاب، ولو أدى كل ذلك بالعرب إلى التهلكة التي تعيشها المنطقة العربية الآن. فإسرائيل لا تعيش عزلة خانقة لا تقوى على احتمالها كما يدعون، أو في أحسن الأحوال لا تمر بمأزق لا يقل عن المأزق الذي يعيشه الفلسطينيون والعرب.
لا يعني ما سبق أن الفترة الماضية لم تشهد إنجازات ولكنها لا تقارن بالسلبيات المذكورة. كما لا يعني أن الأفق بات مسدوداً، بل هناك أفق مفتوح في حال توفر القناعة والإرادة اللازمة. فليس من المقدّر والمحتم نجاح المخطط المرسوم لتصفية القضية الفلسطينية.
لا يوجد أي وجه للمقارنة بين المأزق الفلسطيني والعربي وبين المأزق الإسرائيلي، فالأول هو خطر يمس الوجود، فبعد مائة عام على اتفاقية «سايكس بيكو» تشهد المنطقة إعادة رسم لخارطتها عبر إجراء تقسيم للشعوب ومحاولة جادة لتصفية أو إغلاق القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر، والآخر مأزق نمو والتقاط فرصة تاريخية لتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه سابقاً.
صحيح أن هذا يعجّل في وصول إسرائيل إلى خط النهاية على المدى البعيد، لأنها تبلع ما لا تستطيع هضمه، ولأنها ستبقى جسماً غريباً زُرِعَ في المنطقة وستلفظه مهما طال الزمن.
أما على المديين المباشر والمتوسط فهي تعيش في وضع تحسد عليه، إذ تراجعت التهديدات الإستراتيجية التي كانت تجسدها الجيوش العربية والتضامن العربي والثورة الفلسطينية التي رفعت راية حركة التحرر العالمية عندما كانت فلسطين القضية المركزية للعرب، أما التهديدات الباقية من إيران و»حزب الله» و»حماس» وتنظيمات مثل «داعش» فأطرافها مشغولة بحروب وقضايا أخرى عن إسرائيل.
بعد التوقف عن خداع النفس وإدراك حقيقة ما يجري والاستعداد لمواجهة تداعيات الحريق العربي على القضية الفلسطينية؛ يجب التوقف عن الوهم بأن الحل على الأبواب، أو أن هناك إمكانية للحفاظ على الوضع الراهن إذا اعتمدنا على نفس السياسة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، فالرهان على الآخرين خاسر، خاصة عندما يكون الفلسطينيون وحدهم وفي أضعف حالاتهم من دون حلفاء أقوياء حقيقيين بعد أن تخلوا وأهملوا حلفاءهم المنتشرين على امتداد الكرة الأرضية عندما ركّزوا هم وحلفاؤهم العرب جلّ جهودهم على كسب رضى حكام واشنطن وتل أبيب.
إنّ أقصى ما يمكن أن تقود إليه الجهود الحالية من «المبادرة الفرنسية» إلى «مبادرة السيسي» إلى معاودة الحديث عن «مبادرة السلام العربية» استئناف المفاوضات الثنائية بغطاء دولي شكلي مع هيمنة أميركية، وضمن سقف منخفض عن سقف الشرعية الدولية كما لاحظنا في بيان «اللجنة الرباعية»، وفي «المبادرة الفرنسية» التي لن تكون نهايتها أفضل من الرباعية، خصوصاً بعد أن فعلت فرنسا كل ما يمكن لاسترضاء إسرائيل، وبعد أن دعم الاتحاد الأوروبي توصيات اللجنة الرباعية وأعرب عن تأييده لتبنيها من مجلس الأمن.
لا يمكن الحفاظ على القضية حية وعلى ما تبقى من مكاسب وأوراق قوة وتقليل الأضرار والخسائر والإبقاء على الوضع الراهن من دون رؤية شاملة تفتح الطريق لمقاربة جديدة، ترتكز على أولوية العامل الذاتي وترتيبه وتقويته وإنجاز الوحدة الوطنية، وتركّز على تغيير موازين القوى ضمن عمل تراكمي طويل النفس كشرط للتأثير على الآخرين.
نحن نعيش في عالم لا يفهم سوى لغة القوة أو لغة المصالح، ومن لا يتقن استخدام هاتين اللغتين أو إحداهما على الأقل فعليه أن يكف عن العمل السياسي، وعندما تتوفر أوراق القوة والقدرة على التأثير في المصالح يمكن أن تلعب الأخلاق والمبادئ والقانون والشرعية الدولية دوراً مهماً لصالح الفلسطينيين، أما إستراتيجية العمل الدبلوماسي وحدها، أو كوسيلة رئيسة، فلن تكون في أحسن الأحوال سوى تضييع لوقت ثمين في مرحلة الوقت فيها من دم وحقوق ومصير شعب.
ليس الوقت الراهن وقتاً مناسباً لإنجاز حلول وطنية، أو تحقيق إنجازات كبرى، ولكنه مناسب إذا اتُّبعت الإستراتيجية السياسية والنضالية الملائمة للحفاظ على القضية حية، وعلى صمود وتواجد الشعب على أرضه، وإعادة تعريف المشروع الوطني في ضوء الخبرات والحقائق والمستجدات والتحديات الجديدة.
قد لا نستطيع فرض الحل الفلسطيني حتى لو كان إقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين، لكننا حتماً نستطيع منع نجاح الحل الإسرائيلي من خلال عدم التخلي عن الحقوق عبر تقديم تنازلات جديدة تساعد على تصفيتها، وهذا بحد ذاته أكبر إنجاز في هذه المرحلة، لأنه يمثل أقصى ما يمكن تحقيقه، ويفتح الطريق لمواصلة الكفاح لإنجاح الحل الوطني في مرحلة لاحقة قادمة حتماً.
وتتمثل هذه التطورات بمكافأة إسرائيل بدلاً من معاقبتها بفوزها برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة بعد تصويت 109 دول لصالحها، منها أربع دول عربية، وصدور تقرير عن «اللجنة الرباعية» منحاز لإسرائيل، وهابط بالموقف الدولي إلى مستوى لم يسبق له مثيل، «ما ينذر بالثبور وعظائم الأمور» ما لم يكن هناك تحرك فلسطيني بمستوى هذا التحدي، خصوصاً إذا تبنّاه مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل فلسطين معرضة لخسارة الشرعية الدولية.
ومن هذه التطورات أيضاً الاختراق الإسرائيلي لعدد من الدول العربية بذريعة الالتقاء ضد «الإرهاب السني» و»الخطر الإيراني الفارسي الشيعي»، لدرجة بتنا نقترب من الشروع في الحل الإقليمي الذي بادر إلى طرحه أفيغدور ليبرمان قبل أن يصبح وزيراً للحرب، وتبنته الحكومة الإسرائيلية، ويظهر ذلك من خلال بدء الترويج لأولوية تحقيق السلام العربي - الإسرائيلي كمقدمة لتحقيق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، بعد عقود من اعتماد العرب لأولوية حل القضية الفلسطينية وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، واستخدام العرب للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات، وهذا يعني توظيف المفاوضات التي يمكن أن تجري لحل القضية الفلسطينية للتغطية على التطبيع العربي مع إسرائيل، وبالتالي لن يقود هذا الأمر إلى حل وطني أو متوازن، وإنما إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تنفيذ الحل الإسرائيلي أو إغلاقها حتى إشعار آخر.
يضاف إلى ما سبق مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرامية إلى تحويل «السلام البارد» إلى «سلام دافئ» واستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وإجراء مصالحة فلسطينية داخلية، التي أدت منذ أيام إلى زيارة وزير خارجيته إلى تل أبيب لأول مرة منذ تسع سنوات وسط أحاديث متزايدة عن لقاء يجمع نتنياهو بالسيسي وقمة ثلاثية (فلسطينية إسرائيلية مصرية)، تمهيداً لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية برعاية مصرية وأردنية، ما يعني أنّ العرب يمكن أن يتحولوا إلى وسطاء، وكذلك الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا بعد زيارة نتنياهو الأخيرة التي جعلت إسرائيل تقترب من الحصول على العضوية المراقبة في منظمة «الوحدة الإفريقية»، وبالتالي احتمال خسارة دعم أكبر تكتل إقليمي يدعم القضية الفلسطينية.
ويصب في نفس السياق السلبي إنجاز المصالحة التركية الإسرائيلية، التي من ضمن شروطها عدم مساهمة الطرفين بأي خطوات في المحافل الدولية يمكن أن تلحق الضرر بالطرف الآخر، الأمر الذي سيحيد الدعم التركي للحقوق الفلسطينية، وقبلها العلاقة الدافئة بين روسيا وإسرائيل التي تضمنت إطلاق يد الدب الروسي في سورية مع الحفاظ على المصالح الأمنية والإستراتيجية لتل أبيب، مقابل غض نظر موسكو عما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، ولعل هذا يفسر صدور تقرير اللجنة الرباعية دون اعتراض روسي، إضافة إلى إنجازات إسرائيل في علاقاتها مع الهند والصين ودول أوروبا الشرقية وغيرها من الدول التي كانت معروفة بتأييدها للقضية الفلسطينية ومناهضتها لإسرائيل.
تأسيساً على كل ما تقدم، لا بد من استعادة الوعي والتخلي عن حالة خداع الذات وإنكار الواقع التي تظهر بالحديث الفلسطيني الرسمي والمدعوم عربياً حول الانتصارات الدبلوماسية الفلسطينية، الذي يجد الترويج من أجهزة إعلامية مدفوعة الثمن، ومن مدّاحي كل ما يقوله الحكام من مثقفين وأكاديميين وكتّاب، ولو أدى كل ذلك بالعرب إلى التهلكة التي تعيشها المنطقة العربية الآن. فإسرائيل لا تعيش عزلة خانقة لا تقوى على احتمالها كما يدعون، أو في أحسن الأحوال لا تمر بمأزق لا يقل عن المأزق الذي يعيشه الفلسطينيون والعرب.
لا يعني ما سبق أن الفترة الماضية لم تشهد إنجازات ولكنها لا تقارن بالسلبيات المذكورة. كما لا يعني أن الأفق بات مسدوداً، بل هناك أفق مفتوح في حال توفر القناعة والإرادة اللازمة. فليس من المقدّر والمحتم نجاح المخطط المرسوم لتصفية القضية الفلسطينية.
لا يوجد أي وجه للمقارنة بين المأزق الفلسطيني والعربي وبين المأزق الإسرائيلي، فالأول هو خطر يمس الوجود، فبعد مائة عام على اتفاقية «سايكس بيكو» تشهد المنطقة إعادة رسم لخارطتها عبر إجراء تقسيم للشعوب ومحاولة جادة لتصفية أو إغلاق القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر، والآخر مأزق نمو والتقاط فرصة تاريخية لتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه سابقاً.
صحيح أن هذا يعجّل في وصول إسرائيل إلى خط النهاية على المدى البعيد، لأنها تبلع ما لا تستطيع هضمه، ولأنها ستبقى جسماً غريباً زُرِعَ في المنطقة وستلفظه مهما طال الزمن.
أما على المديين المباشر والمتوسط فهي تعيش في وضع تحسد عليه، إذ تراجعت التهديدات الإستراتيجية التي كانت تجسدها الجيوش العربية والتضامن العربي والثورة الفلسطينية التي رفعت راية حركة التحرر العالمية عندما كانت فلسطين القضية المركزية للعرب، أما التهديدات الباقية من إيران و»حزب الله» و»حماس» وتنظيمات مثل «داعش» فأطرافها مشغولة بحروب وقضايا أخرى عن إسرائيل.
بعد التوقف عن خداع النفس وإدراك حقيقة ما يجري والاستعداد لمواجهة تداعيات الحريق العربي على القضية الفلسطينية؛ يجب التوقف عن الوهم بأن الحل على الأبواب، أو أن هناك إمكانية للحفاظ على الوضع الراهن إذا اعتمدنا على نفس السياسة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، فالرهان على الآخرين خاسر، خاصة عندما يكون الفلسطينيون وحدهم وفي أضعف حالاتهم من دون حلفاء أقوياء حقيقيين بعد أن تخلوا وأهملوا حلفاءهم المنتشرين على امتداد الكرة الأرضية عندما ركّزوا هم وحلفاؤهم العرب جلّ جهودهم على كسب رضى حكام واشنطن وتل أبيب.
إنّ أقصى ما يمكن أن تقود إليه الجهود الحالية من «المبادرة الفرنسية» إلى «مبادرة السيسي» إلى معاودة الحديث عن «مبادرة السلام العربية» استئناف المفاوضات الثنائية بغطاء دولي شكلي مع هيمنة أميركية، وضمن سقف منخفض عن سقف الشرعية الدولية كما لاحظنا في بيان «اللجنة الرباعية»، وفي «المبادرة الفرنسية» التي لن تكون نهايتها أفضل من الرباعية، خصوصاً بعد أن فعلت فرنسا كل ما يمكن لاسترضاء إسرائيل، وبعد أن دعم الاتحاد الأوروبي توصيات اللجنة الرباعية وأعرب عن تأييده لتبنيها من مجلس الأمن.
لا يمكن الحفاظ على القضية حية وعلى ما تبقى من مكاسب وأوراق قوة وتقليل الأضرار والخسائر والإبقاء على الوضع الراهن من دون رؤية شاملة تفتح الطريق لمقاربة جديدة، ترتكز على أولوية العامل الذاتي وترتيبه وتقويته وإنجاز الوحدة الوطنية، وتركّز على تغيير موازين القوى ضمن عمل تراكمي طويل النفس كشرط للتأثير على الآخرين.
نحن نعيش في عالم لا يفهم سوى لغة القوة أو لغة المصالح، ومن لا يتقن استخدام هاتين اللغتين أو إحداهما على الأقل فعليه أن يكف عن العمل السياسي، وعندما تتوفر أوراق القوة والقدرة على التأثير في المصالح يمكن أن تلعب الأخلاق والمبادئ والقانون والشرعية الدولية دوراً مهماً لصالح الفلسطينيين، أما إستراتيجية العمل الدبلوماسي وحدها، أو كوسيلة رئيسة، فلن تكون في أحسن الأحوال سوى تضييع لوقت ثمين في مرحلة الوقت فيها من دم وحقوق ومصير شعب.
ليس الوقت الراهن وقتاً مناسباً لإنجاز حلول وطنية، أو تحقيق إنجازات كبرى، ولكنه مناسب إذا اتُّبعت الإستراتيجية السياسية والنضالية الملائمة للحفاظ على القضية حية، وعلى صمود وتواجد الشعب على أرضه، وإعادة تعريف المشروع الوطني في ضوء الخبرات والحقائق والمستجدات والتحديات الجديدة.
قد لا نستطيع فرض الحل الفلسطيني حتى لو كان إقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين، لكننا حتماً نستطيع منع نجاح الحل الإسرائيلي من خلال عدم التخلي عن الحقوق عبر تقديم تنازلات جديدة تساعد على تصفيتها، وهذا بحد ذاته أكبر إنجاز في هذه المرحلة، لأنه يمثل أقصى ما يمكن تحقيقه، ويفتح الطريق لمواصلة الكفاح لإنجاح الحل الوطني في مرحلة لاحقة قادمة حتماً.