فوجئت، بالمفاجأة التي أحدثها قرار مجلس الوزراء بتحديد موعد الانتخابات المحلية في الثامن من تشرين الأول القادم، من قبل الفصائل الفلسطينية، وكذلك من قبل منظمات المجتمع المدني على اختلاف اهتماماتها وتوجهاتها، مفاجأة هذه القوى بالطبع ليست بالموعد الزمني ـ الثامن من تشرين الأول ـ ولكن نظراً لأنها لم تنتبه إلى أن مثل هذه الانتخابات تجري كل أربع سنوات، فوجئت لأنها لم تكن مستعدة لهذا الأمر، رغم أنها كانت الأولى بالدعوة إلى هذه الانتخابات نظراً لاستحقاقها الزمني.
وفور الإعلان الأول عن هذه الانتخابات، ثم تحديد الموعد بدقة وقيام لجنة الانتخابات المركزية بالاعداد لمراحلها، ابتداءً من نشر قوائم المسجلين إلى الرقابة عليها وترسيمها واعتمادها، إلاّ أن السؤال الذي برز بشكل مباشر وحيوي يتعلق بمدى قبول حركة حماس بانخراط قطاع غزة، المحافظات الجنوبية في هذه الانتخابات، إذ صدرت بعض التصريحات من قبل بعض قياداتها، برفض المشاركة في هذه الانتخابات، على أساس أنه لم يتم التشاور معها، ولأن هذه الانتخابات تجرى في ظل أجواء الانقسام، والواقع أن عملية التشاور في هذا السياق، لا أهمية لها بالنظر إلى أن الأمر يتعلق باستحقاق زمني «دستوري» مع أنه في ظل حالة الانقسام، كان من الأفضل التشاور بين الحكومة، وسائر الفعاليات الحزبية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني، حول هذه الانتخابات، إلاّ أن عدم القيام بذلك لا يجب أن يوفر ذريعة لأحد لعدم خوضها، خاصة في المحافظات الجنوبية، التي لم تشهد الانتخابات المحلية السابقة عام 2012، في حين أن هذه المحافظات التي انخرطت في الانتخابات المحلية عام 2004 ـ 2005، انتهت من دون الوصول إلى مرحلتها الخامسة، الأمر الذي نتج عنه، عدم إجراء الانتخابات في بعض المجالس، كمجلسي غزة، وخان يونس، منذ انتخابات 1976، في حين تم إجراء عدة تعيينات لمختلف المجالس في القطاع، من قبل حركة حماس.
من المفترض ولو نظرياً، أن خطوة باتجاه انخراط المحافظات الجنوبية بالعملية الانتخابية، ستكون أولى وبالغة الأهمية لاحتواء العقبات التي تنتصب أمام المصالحة، ودلالة على حسن النوايا ومحاولة لإعادة الثقة بين طرفي الانقسام، ولو جزئياً، أما القول إن إجراء هذه الانتخابات، رغم الحاجة الماسة لها، غير ممكن في ظل الانقسام، فإن ذلك يعود إلى التسليم بالأمر الواقع واتخاذه مبرراً للانتقال من حالة الانقسام إلى حالة الانفصال.
أواخر حزيران الماضي، دعت حركة حماس بعض الفصائل الفلسطينية في المحافظات الجنوبية إلى اجتماع لبحث مسألة الانتخابات، وتم عقد هذا الاجتماع الذي تناولت فيه حركة حماس بعض الأسئلة المشروعة، موضحة أنها لم تحدد موقفاً إزاء إجراء الانتخابات، لكنها تريد بعض التوضيحات والتفسيرات، خاصة فيما يتعلق بضمانة الالتزام بنتائج هذه الانتخابات وقد شاركتها معظم الفصائل هذه التساؤلات، إلاّ أنها أجمعت على أن كل هذه الأسئلة لا تكفي لكي تعتبر مبرراً لعدم إجراء مثل هذه الانتخابات، والمحافظات الجنوبية، أكثر حاجة من المحافظات الشمالية لإجرائها.
كثير من المؤشرات تفيد أن حركة حماس، رغم عدم إعلانها حتى اللحظة موقفاً واضحاً إزاء هذه المسألة، لن تسمح بإجراء الانتخابات المحلية، المؤشر الأساسي في هذا السياق، أن قطاع غزة محروم من أي شكل من أشكال الانتخابات، الجامعية والنقابية والاتحادات الشعبية، أعداد متزايدة من الشباب لم تعرف أو تجرب معنى وقيمة الاستحقاق الانتخابي، لا من حيث الشكل، صندوق الاقتراع، أو من حيث المضمون، أي المشاركة السياسية في صناعة القرار، وأن الثقافة الديمقراطية والانتخابية تتراجع بحكم عدم ترجمتها ميدانياً. على عكس الأمر في المحافظات الشمالية، حيث جرت انتخابات لاتحادات الجامعات، وبعض النقابات، وتم الالتزام بنتائجها حيث فازت حركة حماس، برئاسة بعض هذه الجامعات والنقابات.
الأمر الملفت، أن الخشية من عدم انخراط المحافظات الجنوبية، تحت هيمنة حركة حماس في هذه الانتخابات، تقابلها خشية من أن الدعوة للانتخابات وتحديد موعد لها، لا يعني إجراءها في المحافظات الشمالية، هناك شكوك من بعض الأطراف من أن هذه الانتخابات ستشكل تحدياً للأوضاع المتأزمة في حركة فتح، خاصة وأن هناك إشاعات عديدة تشير إلى أن هناك تزايداً في عملية «التسلح» كما اظهرت بعض المؤشرات الأخيرة، من الاشتباكات بين العائلات، وأحداث إطلاق النار هنا وهناك. لهذا، تشير بعض الأصوات، إلى أن تحديد موعد الانتخابات ليس بالضرورة قراراً من قبل بعض الجهات بإجرائها، مجرد استحقاق زمني، يمكن تجاوزه، ويمكن ومن جديد ومن الطرف الآخر، أن يوضع الانقسام، أو عدم إجراء الانتخابات في المحافظات الجنوبية، مبرراً مصطنعاً لعدم إجراء الانتخابات في المحافظات الشمالية!!