قصة التقارب بين إسرائيل ومصر

2d143f5610b710360212910688884769
حجم الخط

ما نشرته وكالة أنباء "بلومبرغ"، أول من أمس، عن قصف طائرات اسرائيلية بدون طيار في سيناء، بالتنسيق مع الجيش المصري، قطع الصمت المتواصل الذي حرص الطرفان على الحفاظ عليه. تحدث السكان في شمال سيناء مرة تلو الاخرى عن قصف الطائرات بدون طيار – التكنولوجيا التي لا تعتبر مصر متفوقة فيها إقليميا – لمواقع التنظيمات الارهابية في المنطقة. وفي مرة من المرات في العام 2013 تم الحديث عن قصف سلاح الجو الاسرائيلي لخلية ارهابية في سيناء. وفي اغلبية الحالات امتنعت الدولتان عن التعقيب على هذا الامر.
اذا كانت تقارير "بلومبرغ"، التي نُسبت لـ"شخصية اسرائيلية رفيعة" في السابق، دقيقة، فان ذلك يفسر عملية التقارب بين القدس والقاهرة في السنتين الاخيرتين، والتي كانت ذروتها في زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لاسرائيل قبل ايام. لم يكن صدفة اعلان رئيس الاركان والسفير الاسرائيلي في القاهرة أن العلاقة والتعاون الاستراتيجي بين الدولتين أقوى مما كانا في أي وقت مضى.
يحظى خطر "الدولة الاسلامية" في برنامج العمل المصري – بعد الصعوبات الاقتصادية والتهديد الداخلي بتكرار ثورة "الاخوان المسلمين" – بمكانة عليا، ولاسيما نشاط ذراعها في سيناء، "ولاية سيناء"، التي تحرج السلطات وتضر بشكل كبير بالسياحة. مصر بحاجة الى موافقة اسرائيل من اجل أي تجاوز للملحق الامني في اتفاقات كامب ديفيد كي تستطيع نشر قواتها والسلاح في سيناء. وهي ايضا بحاجة الى التنسيق الامني والاستخباري، على الأقل، حسب "بلومبرغ"، هي تستفيد من القدرة الجوية الاسرائيلية الى جانب الطائرات المقاتلة التي قامت بادخالها الى شبه جزيرة سيناء بموافقة اسرائيل.
لقد طرأ تحسن ملحوظ منذ بداية السنة على عمل قوات الامن المصرية في مواجهة تهديد الارهاب في سيناء. وحتى لو كان التفاؤل مبالغا فيه في القاهرة، إلا أنه من الواضح أن تنظيم "داعش" والمنظمات الاسلامية الاخرى في حالة تراجع نسبيا. حيث تواجه صعوبة في تنفيذ العمليات المدوية مثل عملية اسقاط الطائرة الروسية التي أقلعت من شرم الشيخ في تشرين الاول الماضي، أو الهجمات الناجحة على مواقع الجيش المصري في شبه الجزيرة في السنوات 2014 – 2015.
يمكن الادعاء أن هذه الملابسات هي التي جعلت الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يصادق على الزيارة الاولى لوزير الخارجية المصري الى اسرائيل بعد تسع سنوات، استمرارا لعدد كبير من اللقاءات والمحادثات الهاتفية على المستوى السياسي والمستوى الامني والتي كانت تتم دون الاعلان عنها.
عملت حكومة نتنياهو على تبييض صفحتها، بالنسبة للجنرالات المصريين، منذ العام 2013 حينما ساعدت في اقناع ادارة اوباما بعدم الاعلان رسميا عن الامر الذي كان واضحا للجميع، وهو أن الجنرالات في مصر قد عزلوا الرئيس محمد مرسي من خلال الانقلاب العسكري، الامر الذي تطلب للوهلة الاولى وقف المساعدات العسكرية الاميركية لمصر. ومنذ ذلك الحين تعتبر مصر اسرائيل شريكة استراتيجية حيوية في المنطقة، حتى لو اعتبرت القاهرة نفسها ملزمة بدفع الضريبة الكلامية في المشكلة الفلسطينية، عن طريق دعوات، تكررت ايضا اثناء زيارة شكري، لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين.
يبدو أن هناك قدرا كبيرا من الصحة في اقوال رئيس لجنة الخارجية والامن، عضو الكنيست آفي ديختر (الليكود) الذي قال، أول من أمس، إن الموضوع الفلسطيني "يعني المصريين مثلما تعنيهم ثلوج السنة الماضية". فهناك قائمة طويلة للمواضيع الاخرى التي تعني القاهرة بدءًا بالمصالحة بين اسرائيل وتركيا ومرورا بالصراع مع اثيوبيا على مياه نهر النيل وانتهاء بامكانية التعاون بين مصر واسرائيل في مجال الطاقة.
يجب الاقرار أنه في الوقت الذي تتراجع فيه مكانة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في نظر الادارة الاميركية ودول اوروبا الغربية بسبب الجمود في المسيرة السلمية مع الفلسطينيين، إلا أنه ينجح في تسجيل التقدم في العلاقات الاستراتيجية في مناطق اخرى، من شرق آسيا حتى شرق اوروبا وافريقيا. وأهم من ذلك مع عدد من الانظمة السنية في الدول العربية.
هناك خطر واحد يهدد علاقة الغرام بين مصر واسرائيل وهو الوضع في قطاع غزة. فاحتقار مصر العلني لـ"حماس" أدى الى تشديد الحصار على القطاع بعد عزل مرسي. وقد حاولت القاهرة تحسين الوضع الاقتصادي في غزة قبل عملية "الجرف الصامد" وأداء دور الوساطة بين الاطراف اثناء الحرب. لكنها رفضت فتح معبر رفح فيما بعد. في الوقت الذي تعتبر فيه الاجهزة الامنية الاسرائيلية ظروف الحياة الصعبة في قطاع غزة بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تؤدي الى اندلاع المواجهة مرة اخرى، يتحرك المصريون ببطء. إلا أن هذا لا يعني أن حكومة اسرائيل ستخرج عن طورها وتقوم بتخفيف الوضع في القطاع. ولكن اذا تم الأخذ باقتراح الوزير اسرائيل كاتس، الذي يقضي باقامة جزيرة اصطناعية لتكون ميناء أمام شواطئ غزة، فسيصعب رؤية مصر توافق على ذلك. ومن غير المحتمل تقريبا تطبيق هذا الاقتراح دون الموافقة المصرية.