عندما نشب الاحتجاج الاجتماعي، في تموز 2011، كان النائب ايتسيك شمولي، في حينه رئيس اتحاد الطلبة القطري في نيويورك، في طريقه إلى اجازة في كوبا. فاتخذ قرارا في اللحظة الاخيرة حيث استبدل بطاقة السفر الى هافانا ببطاقة سفر عودة الى مطار بن غوريون غيرت مسار حياته تماما. فقد انضم شمولي الى الاحتجاج الاجتماعي، الذي بدأ في روتشيلد، وأصبح واحدا من زعمائه البارزين، وعلى اكتافه أيضا انتخب عضواً في الكنيست في قائمة حزب العمل للكنيست الـ 19 وبعد ذلك للكنيست العشرين. هذا الاسبوع، بعد مرور خمس سنوات على الاحتجاج الكبير في صيف 2011، التقينا شمولي في مكتبه في الكنيست، وطلبنا منه العودة الى اللحظات التي لا تنسى للاحتجاج الاجتماعي الكبير ومحاولة إجمال ما تبقى من نداءات نمط "الشعب يريد العدالة الاجتماعية" التي صدحت في حينه في الميادين وفي شوارع المدن في أرجاء البلاد. فهل نجح الاحتجاج أم فشل، وكيف ستؤثر نتائجه على احتجاج مشابه في المستقبل؟ "عندما أقامت دفني ليف وبعض النشطاء الاجتماعيين الخيام الاولى في جادة روتشيلد كنت في نيويورك في ختام حملة لتجنيد الاموال، وبعد هذا خططت لسفر في اجازة الى كوبا"، يستعيد شمولي الذكرى، ويضيف: "ولكن شيئا ما في البطن قال لي انه ينبغي لي أن اصعد الى الطائرة التي تأخذني عائدا الى اسرائيل. كان عندي حدس بأن شيئا ما يوشك على الحدوث وان مكاني هو أن أكون مع الاحتجاج في روتشيلد كي أحاول تطبيق ما اومن به. "قبل نحو ثلاثة اشهر من ذلك انتخبت لرئاسة اتحاد الطلبة القطري ووعدت بأن يصبح الطلاب في غضون وقت قصير عاملا مركزيا في المجتمع. فلسنوات طويلة اتهم الطلاب بأنهم لا يهتمون الا بشؤونهم. وعندما سمعت عن الاحتجاج الذي ينتظم في الفيس بوك وعن الخيام الاولى في الجادة، رأيت ان من واجبي ان تكون منظمات الطلبة جزءا من هذا وان تقود الكفاح. وصلت الى مطار بن غوريون في نهاية السبت، ومن هناك، مع الحقائب، سافرت مباشرة الى روتشيلد. وفي الغداة كنا أقمنا في الميدان نطاقا مع خيمة للطلاب. وفي ذاك الاسبوع تقريبا خرجت كل اتحادات الطلبة بشكل منظم من الحرم الجامعي وانضمت الى الاحتجاج". * ماذا وجدت في الجادة عندما وصلت إلى هناك" - "لم تكن بعد قيادة واضحة، ولكن طرح اسم دفني ليف كل الوقت. في الايام الاولى لم يتحدثوا عنها ولم أكن أعرفها. كان هناك عدد صغير من الخيام والنشطاء، ولكني لاحظت على الفور نوعا من الطاقة الايجابية. الكثير من الشبان الذين كان القاسم المشترك بينهم هو الاحساس او الفهم بأن الوضع سيئ، ولكن ليس بسببنا. وانه إذ يكون لك تطلعات اساسية للوصول الى مأوى واقامة عائلة وانهاء الجامعة والخروج الى سوق العمل ونيل الرزق بشكل طبيعي، ولكنك لا تنجح، فان هذا ليس بذنبك بل بذنب الحكومة". * لماذا جاء الانفجار في حينه بالذات؟ - "لأنه وقع التقاء بين وعي شاق للطريق من اناس يمكنهم ان يقودوا التغيير وبين وضع موضوعي في الميدان كان صعبا ولا يطاق. وأذكرك بأنه من 2008 حتى 2011 ارتفعت اسعار الشقق بعشرات في المئة، وكانت أزمة السكن هي الزناد المركزي للاحتجاج. لقد لاحظت على الفور فرصة لمحاولة احداث تغيير في السياسة الاجتماعية – الاقتصادية للحكومة. كان هذا هدفا مشتركا. ولكن ظهرت لاحقا خلافات في الرأي حتى في الفكر الاجتماعي – الاقتصادي وكذا في اسلوب الاحتجاج". * الانطباع الاول كان أنكم في واقع الامر لم تعرفوا ماذا تريدون. فقد اطلقت هناك في الفضاء شعارات ومطالب مختلفة ومتنوعة؟ - "يمكنني أن اقبل هذا بتفهم. عندما يقع حدث اجتماعي عظيم كهذا، ويتبين في نظرة الى الوراء انه تطور ليصبح الاحتجاج الاجتماعي الاعظم هنا، فليس صدفة ان تتلخص كل المعضلات والمشاكل في الجانب الاجتماعي – الاقتصادي للمجتمع الاسرائيلي في الجادة وانت ترى هناك جملة واسعة من مشاكل الصحة، التعليم، الرفاه، السكن.. لماذا تجتذب الجادة اليها اناسا كثيرين بهذا القدر؟ لان توقع التغيير في المجال الاجتماعي كان كاللباب الذي يعتمل من تحت الارض وانفجر فجأة إلى الخارج. عندما يكون حدث كهذا، يكون من الطبيعي فقط ان يندفع الجميع إلى الجادة ويرغبون في تحقيق المطالب التي يؤمنون بها. لقد حاولت أن اركز الاحتجاج في مطلبين – تغيير شامل في مجال السكن – بحيث تتوقف الدولة عن جني المال من الارض، وتبدأ بتقديم حلول للسكان وللسكن قابلة للتحقق، وان تزيد الدولة بشكل دراماتيكي الميزانيات للخدمات الاجتماعية. وسرعان ما تبلورت في روتشيلد مجموعتان مركزيتان: قيادة الطلاب، وأنا على رأسها، والتي اعتبرت ذات نزعة مسؤولة وذات فكرة بتعابير بناءة، والمجموعة التي سميت "مجموعة روتشيلد" التي كانت ضد فكرة التواصل مع الساحة السياسية". * أكثر عدمية؟ - "أنا قلت. الاحتجاج الذي قدته لم يكن أكثر اعتدالا، ولكني أردت ان اوجهه نحو انجازات في المجالين اللذين دفعت نحوهما". ضياع الفرصة * أسابيع قليلة فقط، ان لم يكن أيام، بعد دق الخيمة الاولى في ارض الجادة الاعتبارية، بدا أنهم في محيط رئيس الوزراء لاحظوا أن شمولي حلقة مركزية في الاحتجاج، ولكن ربما ايضا كأحد يمكن شراؤه بعروض مغرية. - "ماذا يعني شراؤه؟ في نهاية المطاف، مع كل الاحترام لكل الاخرين، فاني الوحيد في الاحتجاج الذي تعرض لاختبار الرشوة السياسية"، يقول. "استدعوني الى مكتب رئيس الوزراء، لدى الفريق الاعلى، وعرضوا الرشوة. شارة الثمن كانت جد واضحة في ذاك اللقاء. عرضوا علي أن يحصل الطلاب على رزمة امتيازات، أن يفككوا الخيام ويعودوا الى الحرم الجامعي. لقد فهموا هناك أنه ما أن تقطع الطلاب عن الاحتجاج حتى تقصم عموده الفكري. لقد كنا عمودا فكريا ايديولوجيا، ولكن تنظيميا ايضا. * مع وجود اليد على القلب، عندما عرضوا عليك رزمة الامتيازات التي تضمنت منازل طلبة، مواصلات عامة مجانية، قرى طلابية، رسوم تعليم للسنة الرابعة مجانية وغيرها، ألم تغرك لتأخذها وتكسر الاحتجاج؟ - "واضح انه كانت ثمة معضلة، ولا حاجة للتجمل. انت تقول لنفسك: "هذا كل ما حلم الطلاب به في كل الاوقات". فأي حق لي أن اعود الى الحرم الجامعي وأقول للطلاب: "كانت لي فرصة ولم آت بها لكم؟". كنت مقتنعا بأنه في الغداة سيقطعون رأسي ويسقطونني، ولكن في نهاية المطاف قلت لا قاطعة، لاني اردت ان اجعل الطلاب المنظمة الاجتماعية الاهم والاقوى في الدولة، ولاني لم أفكر بأنه اذا ما اعطوك قطعة لحم فتأخذها وتهجر الاخرين. كانت هذه في نظري اللحظة التأسيسية للاحتجاج، لحظة الاختبار، ولكني عرفت اني اذا أخذت هذه الرشوة في صالح الطلاب وهجرت الاخرين في الاحتجاج، فاني لن استطيع ان انظر في عيونهم. قلت لهم انه اذا كان هذا ما يعرضونه علينا فانهم لا يفهمون ما هو الاحتجاج. اذا كانوا يعتقدون بأن بوسعهم ان ينهوه بامتيازات للطلاب فيطفئوه بذلك فانهم منقطعون عن الواقع. قلت لهم تعالوا نتحدث عن السكن القابل للتحقق. فهل تعرف ما قالوه رداً علي؟ "قل، ماذا، هل انت روبين هود؟ ما الذي يجعلك تهتم بالجميع؟" هذه الجملة حزت في اذني حتى هذا اليوم. احد كبار المسؤولين قالها لي. وفي الغداة عقدت في روتشيلد مؤتمرا صحافيا في خيمتنا وأعلنت رسميا رفض العرض. في نهاية ذاك الاسبوع جاء الى المظاهرة 35 الف شخص. اما المظاهرة العظمى في الميدان فجاء اليها بعد ذلك نصف مليون". * وضعوا للاحتجاج تيجانا عديدة. في نظرة إلى الوراء، ما الذي حققتموه في واقع الامر؟ - "الأمر الاهم الذي حققناه هو تغيير الوعي. الانجازات تراها اساسا في العالم الاستهلاكي، إذ انه فوري أكثر. اليوم تفكر الشركات الكبرى مرتين قبل أن ترفع الاسعار. وفجأة بات المستهلك عاملا يؤخذ بالحسبان. بعض اسعار الاغذية انخفضت نتيجة للاحتجاج. وتنافس النواب فيما بينهم على من هو اكثر اجتماعيا ومن الذي يسن القوانين اكثر في المواضيع الاجتماعية، وهذا لم يكن هنا قبل 2011. هذا وليد الاحتجاج. هكذا بالنسبة للخطاب الاجتماعي الذي انفتح ليس فقط على من يفهم الامور. حتى الاغبياء يسمحون لأنفسهم بأن يتجادلوا اليوم في المواضيع الاجتماعية والاقتصادية. ولكن هيا نقول الحقيقة. هذه ليست البشرى التي توقعناها، مع كل ما اقوله عن تغيير الوعي، فاني لا اريد أن اطمس الحقيقة. لم نرغب في اشعال شعلة في يوم الاستقلال، بل ان نصل الى وضع يتمكن فيه كل شخص من أن يحصل على مأوى، وهذا ليس فقط لم نقترب منه بل منذئذ ابتعدنا عن هذا الهدف". * إذاً، من هو المسؤول عن الفشل في نهاية المطاف؟ - "الحكومة. فمحاولة توجيه اصبع اتهام نحو جمهور المحتجين في روتشيلد مرفوضة، إذ في النهاية فهم تريختبرغ حقا لماذا الاحتجاج. وفهمت الحكومة لماذا الاحتجاج. ولكن الحكومة لم تتخذ الخطوة اللازمة المتعلقة بأخذ مطالبنا وتطبيقها عمليا لتصبح تغييرات بعيدة المدى. هذا هو ضياع الفرصة الكبرى. كل ما سألته الحكومة لنفسها من اللحظة التي ضربت فيها أول خيمة في روتشيلد هو كيف ننفس الاحتجاج وليس كيف نحدث التغيير. لم يسعوا في أية لحظة على الاطلاق الى تناول مطالب الاحتجاج. كل ما سعوا اليه هو نزع الشرعية وكسر الاحتجاج من الداخل. ولكني اوجه بالفعل اصبع اتهام لذاك الجمهور الذي خرج للاحتجاج ولكنه لم يعرف كيف يترجمه الى أقانيم حزبية، وعندما وصل الى صندوق الاقتراع صوت مرة اخرى في صالح الحكومة التي خرج للاحتجاج ضدها". مشاكل الجيران في 4 أيلول، بعد اقل بشهرين من بدء التسونامي الاجتماعي، أمر شمولي بتفكيك كل الخيام التي اقامها اتحاد الطلبة وتغيير طبيعة الاحتجاج الى حوار مع الحكومة. ولاحقا، كما اسلفنا ترأس وفد قادة الطلبة الذين التقوا بأعضاء لجنة تريختنبرغ، وفي النهاية انتخب نائبا في قائمة حزب العمل التي اصبحت لاحقا المعسكر الصهيوني. ومثله ستاف شابير ومناويل تريختنبرغ، اللذان عرفنا الاحتجاج عليهما. يقول شمولي ان "عضويتي في الكنيست ولدت في روتشيلد. لو لم اكن احد زعماء الاحتجاج لما كنت نائبا، ولكني هنا بفضل العمل الكد. ودافعي الذي حركني للتنافس كان الاحساس بأن المهمة لم تنته والرغبة والحماسة لأكون في الجانب الذي يقدم الحلول وليس فقط في جانب من يعبر عن الالم والمشاكل. وجودي في الكنيست هو استمرار مباشر للنشاط الذي قمت به في الشارع. سجلي يثبت ذلك ايضا: أقود مشروع الطلاب في اسكان "حسخون ج" في اللد وأسكن هناك بذاتي. وبمفاهيم عديدة وجودي في اللد يحسن ادائي كنائب، إذ ان الكثير من المشاكل التي اعالجها تأتي من داخل بيت درج العمارة ومن مشاكل جيراني". *وزير المالية، موشيه كحلون، انتخب على رأس حزب "كلنا" بعد تعهده بحل أزمة السكن. كيف تقوّم سلوكه؟ - "فشل كحلون مدوٍ وخيبة الامل منه مريرة. فقد طلب حقاً ان يجمع في يديه الصلاحيات في مجال البناء والتخطيط وحصل عليها. ورغم ذلك، في نهاية السنة الاولى من ولايته تواصل اسعار السكن الارتفاع. توقعنا من كحلون أن يضرب الطاولة وان يزيد العرض بمئة الف شقة في السنة والا يخشى اعطاء دعم حكومي عالٍ للشباب وللسكان الضعفاء في السكن القابل للتحقق. الدولة تواصل اعتبار مجال السكن صندوقا صغيرا من خلاله يمكن جني الارباح على ظهر الازواج الشابة. كحلون هو وهم بصري. وهو النقيض لما رمز له الاحتجاج. عندما يخوزقك وزير المالية بابتسامة، فان هذا يبقى مؤلما". *لما حل أزمة السكن لا يلوح في الافق، فهل ثمة حاجة لاستكمال المهمة التي بدأتموها في روتشيلد وأن يبدأ احتجاج جماهيري آخر؟ - "هذه ليست مسألة رغبة، بل ضرورة. علينا جميعا ان نفهم بأنه دون ممارسة ضغط كثيف على الساحة السياسية فلن يتحدث تغيير. من المريح للساحة السياسية دوما الابقاء على الوضع الراهن. ولما كنت لا اعتقد ان هذه الحكومة ستفعل شيئا ما، فان الاحتجاج يجب أن يعود وبقوة. غير أنه وخلافا للاحتجاج في صيف 2011، فهذه المرة سيكون له ذراع برلمانية ايضا". في مكتب وزير المالية موشيه كحلون فضلوا عدم التعقيب. عن "معاريف" -
رئيس الوزراء العراقي يتوجه إلى موسكو الثلاثاء المقبل
04 أكتوبر 2023