من الواضح اننا نعيش حالة غياب نسبي لـ "قوة النموذج المثال القدوة الحسنة" وهذا ليس تعميما، وهذا الغياب هو ما ابرز النتيجة الحتمية من درجة التذمر والشعور بانعدام الجدوى من أي جهد ايجابي لأن سيد الموقف هو غياب الارادة بصناعة الفرق بالانتقال خطوة ولو بسيطة الى الامام.
السائد اليوم نتيجة لغياب قوة النموذج "نسبيا" ان اية مبادرة أو محاولة محدودة لخلق النموذج يصبح الشائع "ما الذي يريده هؤلاء أو هذا " " وراء الاكمة ما وراءها" " ابصر شو عندو بضاعة بدو يسوقها " وبالتالي بات غياب الجهد الجماعي لايجاد النموذج والقدوة الحسنة مبرر لمحاربة اية محاولة بسلبية مطلقة دون طرح أي بديل او مقارعة الفكرة بالفكرة، يكفي ان تجلس في صدر مجلس العائلة والعشيرة وتبدأ بتوزيع التهم جزافا، بالتالي تحبط اية محاولة لايجاد نموذج يحتذى أو مبادرة رائدة تسند قوة المثال، تستطيع مجموعة من اصحاب المصالح المشتركة والمتقاطعة ان يفتحوا ضدك حرب شعواء بقوة المصلحة مقابل ضعف قوة المثال والنموذج ويفرضون سلبيتهم ومصلحتهم وفقط مستندين الى قوة المصلحة.
غالبا ما تشكل المؤسسة حاضنة لقوة النموذج والمثال ولكننا نرى ضعف الدور المؤسسي للاحتضان او التبني بل أن المؤسسات باتت تبحث عن الاسهل والابسط، ولعل مقارنة بسيطة مع اوساط السبعينات والثمانينات تجد ان المؤسسة كانت رافعة وحاضنة للنموذج والمثال والقدوة الحسنة بارادة التغير والتطوير وليس التاقلم مع الواقع، كان العمل التطوعي يحمل رسالة ويشكل رافعة لدعم قوة النموذج، كانت الحركة الكشفية كذلك، كانت النقابات العمالية والمهنية كذلك، وكان الاعلام يشكل رافعة.
اليوم نلمس غيابا واضحا لدور المؤسسات واضعاف ممنهج لها تحت شعار "عزلها عن التسيس" وبالتالي لم نطبعها بالمهنية والمبادآة وبالتالي افقدناها محتواها، هناك مؤسسات كثيرة شكلت نموذج وحاضنة ولكنها اليوم مجرد مكان وباب ومفتاح والسلام ويستطيع شخص او شخصين ان يدعوا تمثيلها دون اية ارادة بالتغير أو فرض نموذج.
اليوم بات المطلوب ان يكون الناس أكثر مجاملة على حساب الموقف والفكرة أن كنت مقاطعا للمنتجات الإسرائيلية والمستوطنات يدور حول صاحب هذه الفكرة العشرات من اصحاب المصالح ومن يدور في فلكهم دون مصلحة لضرب حدة هذا النموذج والتقليل من اهميته تارة بسخافة "ما هو الهواء إسرائيلي" مرورا بمصطلح "الظلم على الجميع عدل".
عندما قيل ان منطقة قلنديا الصناعية المسماة "عطروت" انها منطقة توسع طبيعية للمواطنين في القدس المحتلة نتيجة لغياب امكانيات التوسع في مناطق اخرى من القدس، وفي ذات الوقت اعتبار اية منشآة غير فلسطينية هناك خاضعة للمقاطعة، وخصوصا مشروع رامي ليفي الجديد الذي حمل في ثناياه توجها باتجاه تطبيع اقتصادي على حساب الحقوق الوطنية، خرج علينا البعض ممن يسعون لضرب قوة المثال والتموذج لنقاطع كل منشآت منطقة قلنديا الصناعية في محاولة ليس لتحقيق المقاطعة بل لتمرير مشروع رامي ليفي فقط.
عندما ذهبت صوب عائلة لتهنئتها بنجاح ابنتهم وجدتهم بمكونات العائلة الممتدة يصرون ان يشكلوا نموذجا يحتذى فلم يطلقوا اية نوع من الالعاب النارية او غيره ولم يفكروا لثانية بهذا الامر، وكان القرار تعبيرا عن التزام، وفجاة قالوا لي لم نشكل نموذجا بل صرنا مصدرا للاستغراب وكأننا نثير الشفقة.
يجب بالمطلق ايجاد نواة لتعزيز قوة النموذج والمثال والقدوة الحسنة وماسسة هذه المسألة لننقذ الحال الذي وصلنا اليه اليوم وحتى نعيد الاعتبار لدور المؤسسات النوعي الذي غيب وغاب، لم يعد مقبولا ان يحارب اصحاب الموقف لصالح قوى الاحباط وشد الناس الى الخلف، مطلوب تطوير آليات التعاطي مع الانتحابات وعد ارجاعها لمربع منافي للمهنية الكفاءة وتوجيهها باتجاه ضرب النموذج، ونقول كما قيل ويقال "القاع لا نهاية له".