هنّ، التنورة والأحمدية وفاتن

ريما كتانة نزال
حجم الخط

انتهزت فرصة مؤتمر «الشبكة النسائية الأورومتوسطية» لأتقدم بسؤالين اثنين إلى الوزراء المتواجدين بيننا، وزيرة المرأة ووزير العدل. سؤال يرتبط بآخر، السؤال الثاني يعتمد على جواب السؤال الأول. ولم تكن قضية الشروع في قتل فاتن مناصرة قد أطلت برأسها بعد.
سؤال مباشر وصريح، إنْ كان مجلس الوزراء قد توقف أمام اعتداء رجل على فتاة بسبب تنورتها التي لم يرق له طولها. والثاني عن تطليق قاضٍ لامرأة أحمدية من زوجها بدعوى الردّة عن الدين.
الجواب جاء مختصراً، مفيداً نفي توقف الحكومة أمام الحوادث المُشار إليها. وعليه، سقط تلقائياً السؤال الثاني.
لواقط استشعار المخاطر والتهديدات لا تعمل كفاية لدى أصحاب القرار، انتشار الخراب القيمي، كراهية ونبذ الآخر المختلف والتحريض عليه، عدم احترام الخصوصيات الثقافية والتنوع والاختلاف، بما يهدِّد السلم الأهلي والاجتماعي.
ويبدو أن المعنيين يتعاملون مع الأزمات المختلفة التي يترنح المجتمع الفلسطيني تحت ضغطها، كأزمات أمنية سياسية ناتجة عن الخلاف السياسي على الأرجح، معزولة عن الأزمات الفكرية والثقافية والاجتماعية الطاحنة في الإقليم، ولا يجهدون أنفسهم في البحث عن استراتيجيات وآليات تتناسب مع مركبات الأزمة، اجتماعية وتربوية وتعليمية وإعلامية وثقافية مختلفة وحاجات الإصلاح الديني، فتبقى تدور في إطار التعامل الأمني التقليدي.
الأمر واضح وضوح الشمس في حادثة التنورة وطلاق الأحمدية. في الأولى اعتداء على الحرية الخاصة للفتاة والاعتداء عليها على الأقل لفظياً، من قبل من لا يمتون لها بصلة القرابة وغيرها، في الشارع. ومن ثم يستكمل الشرطي المشهد، ليجد أن من واجبه رمي عباءة على الفتاة لتهدئة الخواطر. لقد حكم الشرطي على الفتاة وذنَّبها وأدانها بسرعة تنطلق من حكم الغواية المسبق، بل وقام بتشييئها كأحد الأملاك الخاصة والعامة، عوضاً عن حمايتها وحماية خيارها الخاص من المعتدين على الحق الشخصي، وعقاب من تدخل في شأن ليس من شؤونه.
في تطليق القاضي للمرأة الأحمدية دعوة صريحة للقتل، دعوة للكراهية والنبذ والاختلاف والإقصاء. الحدث كبير ويؤكد طبيعة الثقافة الحقوقية في البنى الرسمية المتعارضة مع مرجعياتنا والتزاماتنا الحقوقية. القرار بمثابة جرس إنذار يقرع بقوة بالقرب من مسامع الجميع، تهديد صريح للسلم الاجتماعي والأهلي من خلال إعمال وإيقاظ فتنة ما زالت نائمة، طائفية ودينية. دون أخذ الاعتبار للروائح النتنة المنتشرة مفاعيلها، بسبب عدم معالجتها المبكر، دماء وحروب بلا نهاية في المحيط الإقليمي.  
محاولة قتل «فاتن المناصرة» التي تتهم زوجها مسؤول ملف المعَّنفات، مفارقات وتناقضات وغموض. شخصية عامة. تقريران متناقضان عن جهة واحدة. محاولات تستر تعيد إلى الواجهة قانون العقوبات. للصدفة المحضة أننا نتحدث عن محاولة قتل بذكر الأسماء واضحة، دون الحروف الأولى للضحية والجاني.
أرادت الضحية الخروج عن النسق العام، تصغير الاسم تصغير القضية خدمة لتمرير الواقعة وإزاحة العبء، حتى لا تبهت الحروف وتجف الدماء، ويطلق سراح الجاني بعد فترة وجيزة، كما وقع في جريمة قتل أم الأطفال الخمسة في سلفيت، وكأننا أمام جنحة إصدار «شيكات» بلا رصيد أو غيرها.
تأتي «فاتن» لتوثق الجريمة بدءاً من أول عنف امتد إلى جسدها، سبقها إلى التجربة نساء متن بصمت وطويت قضاياهن بصمت، فلا عزاء للنساء، فتضع على بساط البحث القانون وثقافته على الموائد.
القضايا المذكورة أصبحت قضايا عامة، أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي وحرَّكت وحظيَت باهتمام الرأي العام، موصلة رسائل عديدة إلى المراكز المختلفة لصنع القرار وتدق أجراس الإنذار بقوة لمن يسمع.
الرسائل تقول كفى إدارة الظهر للقضايا الاجتماعية على المستوى الرسمي والمجتمعي. حماية التعددية والتنوع ووضع السياسات والآليات الكفيلة بعدم المساس بالديمقراطية وحقوق المواطنة والمساواة. لا مساومة على المبادئ ولا انتقاص منها.
كفى تناقضاً، التوقيع على الاتفاقيات الحقوقية ليس لوضعها في الواجهات الزجاجية لعرضها والتباهي بها، بل لتجسيدها ومواءمة القوانين بمعاييرها وإصدار قانون حماية الأسرة والإفراج عن قانون العقوبات.
كفى حديثاً نظرياً حول تغيير المناهج الدراسية والتوجه فوراً للحوار المجتمعي للمختصين لجهة حداثتها وديمقراطيتها وفلترتها من التمييز والتعمية، عدم البدء من الصفر، بل العودة إلى مخرجات ومنتوج المجتمع المدني ذو الصلة بثغرات وإصلاحات المناهج الدراسية.
كفى تسطيحاً لمظاهر الفلتان الأمني والأخلاقي والاكتفاء بعلاجها الأمني، والتوجه نحو علاجها الجذري العميق ضمن مفهوم المسؤولية الجماعية، السلطة والأحزاب والمجتمع المدني.
كفى تسويفاً وتأجيلاً. نعم، لتفعيل لواقط استشعار المخاطر والاستماع لنواقيس الإنذار.