لا أعرف الحاخام ايال كريم. ويروي لي الاصدقاء بأنه كان مقاتلاً وضابطاً ممتازاً في المظليين وفي وحدة سييرت متكال الخاصة، وأنه أدى مناصبه في الحاخامية العسكرية بلا مشكلات. كما اتمنى له ولنا ان يكون حاخاما عسكريا رئيسا قدوة. ولكن المحزن هو أن نرى في التعيين (وهذا ليس بذنب كريم)، انه يعرض مرة اخرى الوجه الحالي لليهودية الارثوذكسية، حيث لا تترك التوراة مكانا للياقة.
سمعنا الكثير في الايام الاخيرة عن الفرق بين النقاش الفقهي – النظري الذي يتم بين جدران المدرسة الدينية وبين أسئلة هي عملية. ولكن هل حقا منتدى الاسئلة والاجوبة على الانترنت يمكن أن يعتبر نقاشا نظريا بين جدران المدرسة؟ وهل السائل المجهول الذي يريد أن يعرف الآن اذا كان مسموحا اغتصاب نساء العدو في الحرب، يفهم بان الجواب الذي اعطي له يتعلق بالفقه (الهلاخا) الذي تقرر قبل قرابة الفي سنة وانه ليس فقها عمليا اليوم؟
يجيب الحاخام: ألم يفهم بانه سُئل هنا سؤال ملموس وليس نظريا؟ يفهم تماما. حين سئل الحاخام كريم اذا كان مسموحا اطلاق النار على «مخربين» جرحى، أجاب على الفور بالايجاب، ولكنه فهم الامكانية الكامنة الخطيرة في جوابه وسارع الى التحفظ عليه في أن «قوات الامن» وحدها هي المخولة بعمل ذلك، كي لا يترجم جوابه كإذن فقهي بالقتل. هذه ليست اقولا اخرجت عن سياقها، بل فتاوى حاخام اصدرها علنا في جواب على سؤال وهو ملزم بان يقف خلفها.
كيف أصبحت اليهودية الارثوذكسية دينا يعنى بهوس بمنح الإذن لقتل، اغتصاب ولتعذيب الآخر (تعديل: اللوطيون لا حاجة لقتلهم «فهم مرضى ويجب مساعدتهم»)؟ أين فقدنا قيم محبة الانسان والانسانية؟ متى توقفنا عن أن نكون رحماء كهيلل («ما تكرهه لا تفعله لرفيقك») وفضلنا ان نكون متشددين كشماي؟ لماذا لا نعمل على أن نكون دينا محبا، رابطا ومعانقا بدلا من دين يشعل نار الكراهية؟
ولنفترض ان الحديث يجري بالفعل عن نقاش نظري، وانا لست ضالعا في عالم الهلاخا (الفقه)، فماذا يفترض أن اقول لابنتي التي توشك على التجند؟ ان المرجعية الروحية العليا في الجيش الاسرائيلي تراها شهادتها مرفوضة، وان تجنيدها محظور بحظر خطير (بالمناسبة، خلافا لبنات وسط كريم، اللواتي يمكنهن ان يخترن اذا كن سيتطوعن للخدمة الوطنية أم لا، فان ابنتي تجند تجنيدا الزاميا ولا أحد يسألها ارادتها)؟ وماذا أقول لصديقي الدرزي الذي يتجند ابنه للجيش الاسرائيلي، الذي قضت المرجعية الروحية العليا فيه بانه يجب «احراق كتاب كتبه الكفار والقضاء على العمل الاجنبي»؟
من معرفتي برئيس الاركان، جادي آيزنكوت، فليس هذا طريقه. ولكن من كان يفترض بهم ان يقوموا عنه بالحد الادنى من الاستيضاح قبل القرار بالتعيين، أفشلوه. فجولة قصيرة في «غوغل» كان يفترض بها أن تشعل عدة اضواء حمر. وما أن أعلن آيزنكوت عن التعيين حتى خشي من أن يثير الغاؤه عاصفة كبرى. فقيد الحاخام كريم ببرقية اوضح فيها واجب طاعة الاوامر ووحدة القيادة في الجيش الاسرائيلي. من المشكوك فيه أن يكون آيزنكوت أو الحاخام كريم يصدقنان ما كتب هنا.
شفقت قليلا على كريم، الذي درج على ان يكذب على نفسه كي يحظى بالتعيين المنشود. وبدلا منه قال الحقيقة الحاخام حاييم دروكمان: «لا يوجد حاخام في اسرائيل يأمر بالطاعة لامر يتعارض والهلاخا». بمعنى، يوجد، ولكن ليس في هذا القطاع. فهل كان يمكن لايزنكوت ان يفاجئ ويعين حاخاما من قطاع آخر، مع يهودية اكثر انسانية بقليل؟ كان يمكن، ولكن يبدو أنه كان لايزنكوت ما يكفي من العواصف السياسية في السنة الاخيرة، وقد اختار الامتناع عن واحدة اخرى.
ينكب الكثيرون في الجيش الاسرائيلي على ذكرى الحاخام شلومو غورن، فهو لم يكن ليبراليا ولا اباحيا، ولكنه كان عملياً وذا ثقة كافية عالية بالنفس كي لا ينحني امام حاخامين آخرين. كان يعتمد على الهلاخا، ولكن ايضا على عقله السليم، وكان يعرف كيف يقدم حلولا واقعية لعصرنا نحن. وبدلا من الانشغال باغتصاب نساء الاغيار اثناء الحرب ومتى يحلق رأس «امرأة ذات حسن»، سرح معلقات وسمح حتى بتدنيس السبت لحماية الشعب والدولة.
ولكن وجه يهودية اليوم أقل نورا. النبرة السائدة في اليهودية الارثوذكسية تسير في الطريق القويم نحو الانخراط في المجال الشرق اوسطي، حيث يقود الدين الى الظلام، الكراهية، والعنف. ولكن حذار - لا سمح الله - أن نشبه انفسنا بهم، فاليهودية تقصي فقط النساء في النقاش «النظري» وترى في المثلية مرضا فقط في أروقة المدرسة. وحتى عندما يفتي حاخام رائد في الصهيونية الدينية ضد جلب بنات بسن ثلاث سنوات في لباس البحر الى البركة التي يوجد فيها رجال، فنحن نواصل ان نروي لانفسنا باننا لسنا مثل الجيران.
بدأ هذا الاسبوع حين طلبت شخصياتنا العامة من رئيس الوزراء اقالة مواطن يشتغل في صوت الجيش لأنه نشر على صفحته الشخصية في الفيسبوك بوستا استفزازيا وماسا. قد تكون اقوال اورشر مثيرة لحفيظة الكثيرين، ولكنها رأي شخص خاص من حقه أن يعبر عنه، وليس له أي تأثير حقيقي على أي منا.
لم ينطلق صوت أي من المسؤولين عندما اقتبس عن المرشح لمنصب رئيس الحاخامية العسكرية كمن يمس بالنساء، بالمثليين وبالاغيار. وهو لم يمسك بتفوه مصادف – بل هذا هو فكره. هذا الاسبوع هو المدخل المثالي للمجتمع الاسرائيلي في 2016: فهو يشق طريقه بثبات وثقة الى المستنقع المظلم في الشرق الأوسط، يحتقر التنور، يصبح مشابها للجيران في المحيط، ويتوق لاحد ما يعيد من جديد اشعال النور للأغيار.
«طوفَان الأقصى» و(الشرق الأوسط «الإسرائيلي» الجديد)!
16 أكتوبر 2023