إسرائيل: مشاعر متضاربة وقلق صامت.. ولا دموع

d0c97cf3cdd2c5c7fe3a1d0f8213f727_w800_h400_cp
حجم الخط

احتلت محاولةُ الانقلاب العسكرية الفاشلة في تركيا الحيّز الأكبر من عناوين الصحف الإسرائيلية التي تناولت الأمر باهتمامٍ شديد. فالعلاقات الاستراتيجية بين الدولة العبرية وتركيا نُسِجت أساساً في عهود الحكم والسيطرة العسكرية هناك، وتضررت غالباً في عهود الديموقراطية، وخصوصاً في عهد رجب طيب أردوغان. ومع ذلك، ونتيجة ضغوط أميركية وتلاقي المصالح، اضطرت تل أبيب وأنقرة مؤخراً إلى إبرام اتفاق لم يدخل بعد حيّز التنفيذ النهائي بانتظار إجراءات قانونية عدة.
وبحسب المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس»، باراك رابيد، فإن وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة الإسرائيلية عاشتا ليلة يوم الجمعة الماضي «مشاعر متضاربة» جراء ما جرى في تركيا. وفي نظر المراسل، فإن أحداً في حكومة إسرائيل «لن يذرف دمعةً لو وجد أردوغان نفسه صبيحة يوم السبت معتقلاً بدلاً من الاحتفال مع مريديه في مطار اسطنبول بتصفية التمرد». واعتبر أن الحرج سيكون كبيراً «لو تبين أن إسرائيل وقعت على اتفاق مصالحة، ووافقت على دفع تعويضات بقيمة 20 مليون دولار لشخص غدا غير ذي صلة».
وأوضح رابيد أن التوتر كان كبيراً داخل الحكومة الإسرائيلية التي لم تبد موقفاً تجاه الانقلاب. وبحسب «هآرتس»، «كان للصمت أسبابٌ، بينها أن الأحداث وقعت بعدما دخل السبت عند اليهود، ولكن كانت ثمة أسباب أخرى. فعلى خلفية الحساسية الكبيرة بين إسرائيل وتركيا، وحقيقة أن اتفاق المصالحة في بدايته، قررت الخارجية الإسرائيلية عدم الإسراع في الرد وانتظار جلاء الصورة، ومعرفة كيف سترد الأسرة الدولية على الأحداث».
وهكذا صدر البيان الإسرائيلي ضد الانقلاب، فقط بعد مرور 15 ساعة على وقوعه، وكان جافاً، وشدد على استمرار رغبة إسرائيل في تطبيع العلاقات مع تركيا، مع تحذير مبطن بوجوب عدم استغلال الانقلاب كذريعة لخرق الاتفاق. ومعروف أن البرلمان التركي كان سيُصّوت هذا الأسبوع على اتفاق المصالحة، ويسنّ قانوناً يلغي الدعاوى ضد جنود وضباط الجيش الإسرائيلي الذين شاركوا في اقتحام سفينة مرمرة في أيار 2010.
ومثل الموقف الرسمي المتضارب والمتأخر، كانت التعليقات في الصحف الإسرائيلية. ففي «يديعوت»، اعتبر المعلق بن درور يميني أن «الديموقراطية لم تنتصر» بفشل الانقلاب. وفي نظره «منذ عقد ونصف، يوجد لتركيا زعيم شعبي وقوي، رجب طيب أردوغان، الذي كلما قوّى نفسه، أضعف الديموقراطية، والآن في أعقاب فشل محاولة الانقلاب، سيكون الزعيم أقوى بشكل متزايد، والديموقراطية أضعف بشكل متزايد. الأغلبية تؤيد أردوغان، الذي انتخب في إجراء ديموقراطي. الموضوع هو أن لا حاجة للعودة إلى الإجراء الديموقراطي في ألمانيا لإثبات أن ذلك لا يضمن الديموقراطية. الأمر بعيد عن ذلك».
وفي نظر بن يميني، فإن «التوتر قائم منذ عشرات السنين بين الجيش العلماني، والحكم الذي هو بأيدي أحزاب إسلامية. في التسعينيات، سيطر على تركيا حزب الرفاه، الذي ترأسه نجم الدين اربكان، والذي شغل منصب رئيس الوزراء. اربكان، مثل حزبه، كان إسلامياً واضحاً. أما الجيش التركي، الذي تبوأ الدور التقليدي لحارس تقاليد مؤسس تركيا العلمانية، مصطفى كمال أتاتورك، فقد أسقط حزب الرفاه من الحكم». واعتبر بن يميني أن حكم العسكر كان أكثر ديموقراطية من حكم الأحزاب الإسلامية. وبرّر الانقلابات العسكرية رغم «رائحتها الكريهة» لأن الخيار في مثل هذه الحالات ليس بين «الخير والشر»، بل «بين الشرّ وما هو أسوأ»، متوقعاً أن تواجه الديموقراطية التركية «من الآن فصاعداً سنوات أسوأ».
وفي «معاريف»، كتب البروفيسور أماتسيا برعم أن مجرد وقوع الانقلاب شكّل مفاجأة جرّاء الاعتقاد أن أردوغان كان قد أفلح في تطهير الجيش. ولاحظ أن الانقلاب دبّره ضباطٌ برتب متوسطة بعدما استبدل أردوغان برجال من أنصاره الشريحة العليا من الضباط الذين يرون أن الأسلمة التي ينتهجها خيانة لتراث أتاتورك. واعتبر أن فشل الانقلاب سيعزز مكانة أردوغان على حساب القيم الديموقراطية.
وكان لافتاً لجوء المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت» أليكس فيشمان إلى التلميح لنظرية المؤامرة من خلال استغرابه للانقلاب.
وكتب فيشمان أنه «كلما تبددت السحب من فوق المجريات في تلك الساعات القليلة التي وقع فيها هذا التمرد، تتلبد سحب جديدة من الشكوك حول منطقه والدوافع التي وقفت خلفه. فلا غَرو أنه يجري في الشبكات الاجتماعية في تركيا حديثٌ عن «انقلاب مبرمج» من مدرسة أردوغان. وسواء كان في نظرية المؤامرة هذه ما هو حقيقي أم لا، فقد كان هذا تمرداً عاجلاً: برز من اللامكان، فاجأ كل العالم ـ بمن في ذلك الأتراك أنفسهم ـ واندثر بسرعة مخلفاً وراءه قائدا واحدا متوجا بالمجد: رجب طيب أردوغان».
ونقل فيشمان عن الباحث كوهين ينروجاك قوله إن الانقلاب سيعزز مكانة أردوغان وسيزيد النظام مركزية. وخلص إلى القول إن «عدداً غير قليل من رؤساء الدول دعوا في سريرتهم لنجاح الانقلاب. وبعدما فشل الأمر رحبوا علناً بالديموقراطية التركية القوية. لقد أغضب أردوغان الكثير من الدول. والآن قام بخطوة اخرى نحو تحوله الى السلطان الذي لا ينازعه أحد على ما تبقّى من الجمهورية التركية».
ولكن «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة بنيامين نتنياهو نشرت مقالة ليوسي بيلين حملت النصح لأردوغان. وكتب أن محاولة الانقلاب برهنت أن السيطرة على الجيش ليست مسألة سهلة، وأن تغيير النظام لن يؤدي الى انقلاب فوري في المنظمة الكبيرة والأكثر أهمية في الدولة. الحديث يدور هنا عن قادة قضوا عشرات السنين في الجيش وكانت لهم مواقف في هذه السنين لم تتغير مع تغير النظام. وحقيقة أن أردوغان قد نجح في مرحلة معينة في محاكمة عدد كبير من الضباط وتسبب في تغيير القيادة العسكرية الرفيعة المستوى، لا تقضي بأن الضباط الأكثر رفعة اقتنعوا بعدالة طريقه، بل العكس، يمكن القول بأثر رجعي إن الانقلاب يجب ألا يكون مفاجئاً لهذه الدرجة.
وفي نظر بيلين، فإن المحللين يتوقعون أن يشدد أردوغان قبضته ويستغل الانقلاب الفاشل من أجل إلحاق الضرر بحقوق الإنسان والسيطرة على وسائل الإعلام من أجل عدم تكرار هذا الأمر. التقدير هو أنه سيحاول مرة اخرى تغيير الدستور من خلال البرلمان حتى يزيد من صلاحياته. وأمل أن يكون في دائرته شخصٌ يقترح عليه أن يفعل العكس، ويذكره بأنه هو السبب في ما حدث، حيث قام ببناء قصر فيه ألف غرفة مع غرفة واحدة إضافية. وإذا فعل الرئيس التركي الآن ما يتوقعونه منه، فستكون المعارضة الديموقراطية هي التي سترشده الى الطريق الى الخارج.