أصدقاء اردوغان

image
حجم الخط

ان الملحق العسكري التركي في الكويت، فوت رحلته الى المانيا أمس، ليس بسبب تأخره في الوصول الى مطار الدمام في شرق السعودية، وانما لأن السلطات في الرياض استجابت للطلب التركي باعتقاله وتسليمه. حتى الآن لم يتم تسليمه، لكنه يبدو انه لن تكون أي مشكلة بالنسبة للسعودية في التجاوب مع الطلب التركي. في اليوم الذي اتضح فيه فشل الانقلاب و"عودة الحياة الى مجاريها"، اتصل الملك سلمان من مكان اجازته في المغرب برجب طيب اردوغان وهنأه بنجاحه.

من وفر في اجراء المحادثة الخارجية كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.  فخلافا للسعودية – التي احتضنت تركيا منذ تتويج الملك سلمان، كجزء من التحالف السني الذي يهدف الى صد التأثير الايراني في الشرق الأوسط – ما كانت مصر ستحزن على سقوط اردوغان، رغم انه قبل الانقلاب قال رئيس الحكومة التركية، بينالي يلدريم، انه لا يوجد سبب يبقى على العداء بين البلدين. لقد أمر السيسي ممثله لدى الامم المتحدة بإفشال اقتراح طرح على طاولة مجلس الأمن يدعو الى "الحفاظ على الحكومة المنتخبة بشكل ديموقراطي في تركيا".  وفسر السفير الاعتراض المصري، بادعاء ان مجلس الأمن هو ليس الجهة المخولة بتحديد أي حكومة منتخبة بشكل ديموقراطي واي حكومة لم يتم انتخابها هكذا.

ولم يتأخر الرد التركي الغاضب عن الوصول. في البداية جاء الرد من قبل اردوغان، الذي قام خلال اول ظهور رسمي له بعد محاولة الانقلاب، برفع اربعة اصابع من يده وطي الابهام – وهي الحركة التي اصبحت شعار المؤيدين للإخوان المسلمين الذين رفعوا اصابعهم خلال المظاهرات التي جرت في القاهرة بعد خلع محمد مرسي، والتي سرعان ما تحولتالى سبب للاعتقال في مصر. ودعا اردوغان أنصاره الى عدم نسيان "الرباعية" التركية – وحدة الشعب، وحدة البلاد، وحدة الدولة ووحدة تركيا – لكنه لم تكن هناك حاجة الى تحليلات ذكية كي نفهم لمن تم توجيه يده. لقد سعى اردوغان الى التوضيح بأن تركيا لن تكون مصر التي سيطر فيها الجيش على السلطة. وبعد يومين اضاف الناطق بلسان وزارةالخارجية التركية بأنه "من الطبيعي لمن وصلوا الى السلطة بواسطة الانقلاب، الامتناع عن شجب محاولة الانقلاب ضد الرئيس والحكومة الذين وصلوا الى مناصبهم بواسطة انتخابات ديموقراطية".

سياسة الخارجية التركية التي تسعى الى استئناف استراتيجية "العلاقات الجيدة مع كل الجيران"، لا يفترض ان تتأثر من محاولة الانقلاب. في الحلقة القريبة يتوقع ان تتواصل عملية المصالحة مع اسرائيل كالعادة، بعد ان يصادق البرلمان التركي على الاتفاق. وسيعزز الاتفاق والمصالحة مع روسيا "الحالة الطبيعية" التي عادت اليها تركيا بعد الانقلاب. حتى في العلاقات مع ايران لا يتوقع حدوث انقلاب، خاصة بعد مسارعة حسن روحاني الى وعد نظيره بأنه سيقف الى جانبه. لكن ايران لم تتردد في لسع اردوغان: فمستشار وزير الخارجية (ونائبه حتى الآونة الأخيرة)، حسين امير عبد اللهيان، صرح بأن "الأسد واردوغان هما الزعيمان الشرعيان لسورية وتركيا". ليس من المؤكد ان اردوغان فرح لنيل الاعتراف بشكل مواز مع الأسد، الذي يتمسك باعتباره زعيما غير شرعي؛ لقد صرح يلدريم مؤخرا، بأنه كجزء من السياسة الجديدة ستستأنف تركيا علاقاتها مع سورية، لكنه سرعان ما اضطر الى التوضيح بأن هذا سيحدث فقط اذا تم خلع الأسد عن السلطة. ومن المتوقع ان يبقى الخلاف مع ايران بشأن سورية على حاله.

في اوروبا وفي الولايات المتحدة، اثارت محاولة الانقلاب تساؤلات وقلق. الاتحاد الاوروبي سارع الى تحذير تركيا  من اعادة احياء عقوبة الاعدام، التي تم الغاؤها تجاوبا مع شروط الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، واوضح بان تفعيل هذه العقوبة من شأنه منع الانضمام اليه. كما ان قانون الارهاب الجديد الذي يسمح باعتقال كل من ينتقد السلطة، يثير غضب الاتحاد الاوروبي. وطلب الاتحاد الاوروبي تغيير القانون كشرط جوهري لإلغاء مطالبة الاتراك بالحصول على تأشيرة دخول الى دول الاتحاد، وهو المقابل الذي يفترض بتركيا الحصول عليه لقاء صد موجة اللاجئين السوريين، بالإضافة الى مبلغ الستة مليارات يورو التي ستحصل عليها.

تعاظم قوة اردوغان والشرعية التي حظي بها في اعقاب محاولة الانقلاب يمكن ان تجعله يصر على معارضة المطالب الاوروبية وتهديد اتفاق اللاجئين.

نوعية الديموقراطية التركية تحولت الى موضوع خلاف عميق بينها وبين الاتحاد الأوروبي. قبل محاولة الانقلاب، انتقد الاتحاد الاوروبي اردوغان بسبب ملاحقة خصومه السياسيين، والاعتقال الجماعي للصحفيين، وحربه السياسية ضد الاكراد، وسن القوانين الدينية. ومن شأن هذا الخلاف ان يتضخم امام موجة التطهير – حتى الان حوالي 20 الف مجند في الجيش ورجال الشرطة والقضاة والمدعين والموظفين، المشبوهين بالانتماء الى تنظيم فتح الله كولن، المنفي الذي يدعي اردوغان انه وقف وراء محاولة الانقلاب. الان يطالب اردوغان الولايات المتحدة بتسليم كولن لتركيا. وكان هناك من ألمح الى اغلاق قاعدة سلاح الجو في انجرليك، التي تستخدمها طائرات حلف شمال الأطلسي وتتركز فيها الصواريخ النووية، كورقة ضغط على امريكا كي توافق على طلب التسليم. لكنه من المشكوك فيه ان واشنطن ستلبي الطلب التركي من دون ادلة ثابتة على ضلوع كولن في العمل ضد النظام.

رغم هذه الخلافات، سيكون الاقتصاد هو الذي سيحدد السياسة التركية ازاء الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وروسيا. هذه الامور لا تتوقف فقط على الضربة التي مني بها فرع السياحة التركية. تركيا تحتاج الى استثمار اجنبي يؤدي الى تحسين اوضاع العمل وخلق مصادر دخل للدولة. مثل هذه الاستثمارات يتم صدها عادة عندما يتضعضع الاستقرار السياسي، وعندما يضرب الارهاب الدولة، او عندما تعتبر خصما للدول التي يأتي منها المستثمرون. تركيا التي تنطبق عليها كل هذه الامور الآن، يمكن ان تصبح "دولة غير مرغوب فيها" او حتى خطيرة للاستثمار. هذا هو التحدي الحالي لأردوغان الذي يتعلق استمرار سلطته ليس بتطهير الخصوم المحليين فحسب، وانما في الحفاظ على صورتهكمنقذ للاقتصاد.