عندما تمَّ الإعلان عن قيام العسكر في تركيا بالانقلاب على الرئيس طيب رجب أردوغان، انتابتني مشاعر مختلفة، وتساءلت: هل يُعقل أن يقوم الجيش بمثل هذه التحركات للانقضاض على زعيم صنع لتركيا كل هذه الإنجازات، وأخرجها من حالة التبعية والإفلاس إلى دولة تنافس اقتصادياً وسياسياً أقوى دول العالم؟! وهل يمكن أن ينجح هذا الانقلاب في وأد أهم تجربة حكم ديمقراطي قادها إسلاميون في المنطقة، والتي أصبح يتغنى بها الجميع على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الأيدولوجية؟!! وهل هذا الشعب التركي الذي صوت بالأغلبية لـ"حزب العدالة والتنمية"، وانتخب زعيمه أردوغان رئيساً للدولة، سيسلم للعسكر بإجهاض خياره الديمقراطي، كما حدث في دول أخرى بالمنطقة؟ وهل نحن المستضعفين الذين تغولت علينا إسرائيل وبعض دول المنطقة سنجد لنا هناك نصيراً آخر يرفع عنا ظلم الحصار، ويقدم لشعبنا يد العون والمساعدة؟ ومن للاجئين السوريين الذين وجدوا في تركيا أردوغان مثابة لهم وأمناً، فمن لهم إذا نجح الانقلاب، وجاء العسكر لحكم البلاد؟! أسئلة كثيرة كانت تطاردني تلك الليلة، وأنا اتابع لحظات ما يجري من خلال الفضائيات، وما نتداوله عبر الفيسبوك مع الأصدقاء هناك لمعرفة مجريات الأمور ووجه الحقيقة، حيث كانت التغطيات مسيَّسة والكثير من التحليلات – للأسف - تحمل نبرة التشفي والشماتة وتمني نجاح الانقلاب.
في الحقيقة، إن تجربة تركيا أردوغان في مشهد الحكم والسياسة واستمرار نجاحها وتقدمها هي بالنسبة لنا كإسلاميين بمثابة "قلعتنا الأخيرة"، التي نحاجج بما قدمته من إنجازات في الاقتصاد والسياسة، والتألق الديمقراطي، كل من يحاول التحريض والتشهير والاستخفاف بالمشروع الإسلامي. لذلك، كانت متابعتنا مشحونة بعواطف مضطربة، ومشاعر ينتابها الخوف والقلق، مع تمنيات ودعاء لا ينقطع طوال الليل أن تفشل محاولة الانقلاب، وأن يرتد كيد المتآمرين إلى نحورهم.
كما أننا كفلسطينيين، وينتمي الكثير منَّا فكرياً لحركة حماس، ونرى أن تركيا أردوغان هي الدولة القوية بين دول المنطقة التي نعلق عليها الآمال لنصرة مواقفنا، والتي نقيم معها تحالفاً استراتيجياً، وننتظر لها دوراً فاعلاً في مستقبل إيجاد حلٍّ عادلٍ لقضيتنا الفلسطينية.
أعتقد أن الإسلاميين في كلِّ مكان قد سهروا ليلهم تلك الليلة في متابعة مجريات الأحداث على الساحة التركية، وربما كانت اللحظة التي ظهر فيها أردوغان يتحدث عبر الهاتف ويطالب بها الشعب التركي وأنصاره بالخروج للساحات والميادين والتصدي للإنقلابيين، هي التي منحتنا بعض الأمل بإمكانية فشل المحاولة الانقلابية. ومع تزايد أعداد من خرجوا للشوارع وأحاطوا بالدبابات في بعض الميادين، بدأنا نتنفس الصعداء، كما كانت مواقف أحزاب المعارضة التركية الرافضة للانقلاب مؤشر آخر يبعث على الأمل والاطمئنان.. وبرغم أن ردود الفعل والمواقف الغربية كانت في البداية ضعيفة ومتحفظة في رفضها للانقلاب، إلا أنها تركت انطباعاً لدى المتابع بأن هذا الانقلاب لا يحظى بأي شرعية أو تأييد.
لم تكن تلك الساعات من الليل سهلة علينا، حيث عشنا لحظاتها بكل جوارحنا وجوانحنا، والكل فينا يتابع بأعصاب مشدودة محاولاً الرهان على بارقة الأمل التي كانت تسوقها تحليلات بعض العارفين ببواطن الأمور من الإعلاميين الأتراك، وبعض من ظهروا من شخصيات فكرية محترمة على شاشات التلفزة من العرب.
لا شكَّ أن المواقف والتعليقات التي أظهرها بعض الإعلاميين العرب كانت مخزية، وتحمل لغة الشماتة والتشفي، وربما أعادت للأتراك ما تعودونا على سماعه منهم عندما يأتي ذكر العرب، بالقول "عرب خيانات"، تذكيراً بما قام به بعضهم خلال الحرب العالمية الأولى بالتآمر والتحالف مع الانجليز ضد تركيا.
إن نظرة سريعة فيما أوردته "مانشيتات" الصحف العربية الصادرة صباح اليوم الذي أعلن فيه عن فشل المحاولة الانقلابية، للتدليل بما فيه الكفاية على حجم ما تختزنه نفوس الكثير من العلمانيين من الحقد والكراهية لتركيا أردوغان.
لقد فشل الانقلاب، وحق لنا القول لهؤلاء المتشفيِّن "موتوا بغيظكم"، لقد هُزم الجمع الانقلابي، وألقي القبض على أكثر من ستة آلاف متهم بالتآمر والمشاركة في المحاولة الانقلابية، وما تزال أجهزة الأمن تلاحق من ولَّى منهم الأدبار هارباً إلى دول مجاورة.
ما جرى في تركيا كان بحق ظاهرة تاريخية استثنائية، حيث انتصرت إرادة الشعب التركي الأعزل على العسكر، وفازت ديمقراطيته، وأثبتت وقفة الحشود في الشارع أن العين يمكنها أن تتصدى للمخرز، وأن تهزم الكلمة القوية والحنجرة الهادرة حدَّ السيف وتبطل هيبته. إن الشعب التركي اليوم أعطى درساً للعالم - وللعرب كذلك - أن ارادة الحياة يمكنها أن تصنع التغيير وتحفظ الإنجاز، وإذا كان العرب قد أخفقت تجربتهم بالنهوض وتمَّ إفشال ربيعهم، فإن عليهم عدم اليأس والقنوط ومعاودة المحاولة من جديد، بعيداً عن العنف ما أمكن، وبتحقيق وحدة الميدان بين الجميع على قواسم مشتركة وبتوافق وطني، بحيث تتآكد معه الرغبة في التغيير والإصلاح لدى الجميع .
مواقف الشارع الفلسطيني: التأييد لأردوغان ورفض الانقلاب
أولاً) التيارات الإسلامية؛ عبر الكثير منهم عن فرحتهم بفشل المحاولة الانقلابية، فقيادة حركة حماس أجرت اتصالاتها وهنأت الرئيس أردوغان بنجاح الإرادة الشعبية في هزيمة الانقلابيين، أما الشارع الإسلامي فقد عبر هو الآخر عن ابتهاجه من خلال القيام بمسيرات بعد صلاة الفجر في العديد من المناطق لتأييد ودعم تركيا أردوغان، وأيضاً بتقديم الحلوى.
وتكفي نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة التوتير والفيسبوك، لرؤية حجم الدعم للإرادة الشعبية والفرحة في هزيمة من حاولوا إجهاض الحالة الديمقراطية في تركيا. وهنا نعرض بعضاً منها:
- د. أحمد بحر؛ النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، أشار في بيانه قائلاً: "إن فشل واندحار الانقلاب تمَّ بفضل حكمة وثبات ووعي القيادة التركية، ومدى التصاقها بشعبها العظيم، الذي قدم نموذجاً فريداً في حماية حقوقه المشروعة والتصدي للانقلابيين، حيث إن هؤلاء هم مجموعة من المجرمين، وفقاً لقواعد القانون الدولي، ويجب أن توقع بحقهم أقصى العقوبات".
- د. محسن الإفرنجي؛ أستاذ الإعلام الدولي بالجامعة الإسلامية، قال: " إن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا لم تفضح الانقلابيين فقط؛ بل فضحت كل من كان ينتظر سقوط الحكومة الديمقراطية المنتخبة بفارغ الصبر، وعلى رأسهم دول عربية وغربية ووسائل إعلام وإعلاميين عرب وفلسطينيين".
- د. يوسف فرحات؛ مدير الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف في قطاع غزة، قال: "إن تعاطفنا مع حكومة أردوغان ليس بسبب تعاطفه مع غزة، وإنما لأنها حكومة حظيت بتأييد الشعب ووصلت إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع" . وأضاف: "ليس غريباً أن يحدث انقلاب على الحكومة الشرعية في تركيا، فتركيا مشهورة بانقلابات العسكر، لكن الغريب والمفاجئ، هو مدى الوعي الذي تمتع به الشعب التركي، حيث كان سبباً رئيساً في إفشال الانقلاب".
- د. هاني الجزار؛ أستاذ التاريخ بجامعة الأقصى، تحدث باعتزازٍ وفخر، قائلاً: "إن طائرات ودبابات وتأييد العالم كله للانقلاب، أفشلها أردوغان وبكل ثقة بـ12 ثانية عبر "السكايب"، حين طالب شعبه بالتصدي للمحاولة الانقلابية، فتكبر كلُّ مآذن تركيا بآية واحدة فقط (سيهزم الجمع ويولون الدبر). أردوغان أحب الله، فأحبه شعبه، وكل مسلم على وجه الأرض".
- أ. د. محمد رمضان الاغا؛ وزير سابق وأستاذ أكاديمي بالجامعة الإسلامية، قال: "إن الشعب التركي أفشل أخطر خطوة في تاريخ المنطقة، والتي كان من الممكن أن تغير وجه هذا التاريخ لمئة سنة أخرى، وكانت ستكون المسمار الأخير في نعش المنطقة، لتبقى تحت الهيمنة الغربية والصهيونية قرناً آخر من الزمان".
- د. علي النزلي؛ صيدلي وناشط مجتمعي، قال: "أعتقد أن الانقلاب في تركيا قدَّم لأردوغان الفرصة على طبقٍ من ذهب، واختصر عليه عشرات السنوات لضرب واجتثاث الحرس القديم، وغلاة العسكر، والأجهزة الأمنية الأخرى، والطابور الخامس، وهو - الآن – بإمكانه فعل ما يحلو له دون أي قيود، وهذا سيمنحه مزيداً من القوة وفرض احترامه ونفوذه على كل مؤسسات الدولة، وكذلك المزيد من القوة والتأثير والفعالية في السياسة التركية الخارجية".
- د. إسماعيل رضوان؛ وزير سابق وأستاذ أكاديمي بالجامعة الإسلامية، تحدث في مسيرة تضامنية لحركة حماس، قائلاً: "إن الوقفات والمسيرات الداعمة والمساندة للشرعية في تركيا ستتوالى وفاءً لتركيا التي وقفت مع شعبنا وساندت قضيته. وأضاف: "نقف اليوم لنوجه التحية - كل التحية - للشعب التركي الأصيل، الذي حافظ على خيار الديمقراطية في بلاده"، مشدداً على رفض حركة حماس للانقلاب على شرعية الشعب التركي. وتابع: "لن نتخلى عن دعم المواقف التركية ونعلن وقوفنا بجانب تركيا؛ رئاسة وحكومة وقيادة وشعباً وأحزاباً، ووقوفنا بجانب الشرعية".
- الشيخ يونس الأسطل؛ نائب في المجلس التشريعي، هنأ الشعب التركي وحكومته ورئاسته على النصر، وإفشال محاولة الانقلاب على الشرعية والخيار الديمقراطي الذي اختاره الشعب؛ مؤكداً أن إفشال تلك المحاولة لم يتم لولا نزول أردوغان للميدان ومن خلفه الحاضنة الشعبية الداعمة له. وأضاف: إن الانقلاب فشل بفعل الحاضنة الشعبية، والتفاف الشعب التركي خلف قيادته، وعدم السماح بمصادرة حريته وخياره الديمقراطي؛ لذلك كان للشعب التركي الدور الأكبر في القبض على المتمردين، وتطويق الدبابات التي تسير بالطرقات، والمطوقة للمقار الحكومية.
- أ. د. طالب حماد أبو شعر؛ أستاذ أكاديمي ووزير الأوقاف السابق، تحدث قائلاً: "إن الشعب التركي لقَّن درساً للانقلابيين لن ينسوه أبداً، وأعطى دروساً للشعوب المقهورة في كيفية حماية قادتهم، والمحافظة على حرياتهم، فكان نزولهم للشارع سويعات قليلة بكثافة وقوة كافياً في قلب المعادلة ودحر الانقلاب".
- د. إبراهيم حبيب؛ أستاذ أكاديمي بكلية الرباط، عبر عن فرحته بفشل الانقلاب، قائلاً: "كم أنت عظيم يا شعب تركيا. لقد علمتم الدنيا كيف يتم الحفاظ على الكرامة والوطن، لقد انتصر الشعب على الخونة والمأجورين. إن مؤامرة اسقاط أردوغان كانت مؤامرة عالمية، ولكن خاب فألهم ورجائهم. كان يُراد تمرير المخطط الشيطاني لإعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة من جديد، وكان أردوغان حجر عثرة أمامهم، فأرادوا به شراً فكانوا هم الأخسرين. تحية الى الشعب التركي العظيم؛ صاحب الحضارة والأمجاد، الذي لا يقبل المذلة، ولا يرضى ان يكون عبداً للبيادة كبعض الشعوب العربية".
- الأستاذ خالد البطش؛ قيادي في حركة الجهاد الإسلامي، هنأ الشعب التركي الشقيق بانتصاره على فكر وتاريخ الانقلابات المشين، الذي اتبعه قادة العسكر في تركيا منذ اسقاط الخلافة العثمانية قبل مئة عامٍ تقريباً.. وقال: "بصرف النظر عن المواقف الشخصية أو السياسية من الرئيس أردوغان وسياساته في المنطقة؛ سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، إلا أننا لسنا مع فكرة الانقلابات العسكرية على خيارات الشعب التركي.. وإذا كانت هناك لدى البعض ملاحظات على سياسة أردوغان، فإن البديل عنها هذه المرة سيكون "إسرائيل برجالها" لتحكم تركيا مجدداً، وتعيدها بكل مؤسساتها إلى الحضن الصهيوني وإرادته..".
ثانياً) اليسار والليبراليين؛ بالرغم من شماتة الكثيرين من أنصار هذا التيار، إلا أن هناك أقلاماً كانت موضوعية وكتبت بإنصاف، وكانت تحليلاتها هي في دعم الديمقراطية وضد الانقلاب، وهذا شيء أحببت الإشارة إليه؛ لأن ما يجمعنا كفلسطينيين أكثر من خلافات حول مواقفنا تجاه الآخرين.. لقد كانت تركيا أردوغان نصيراً لنا وما تزال، بغض النظر عن حالة الانقسام القائمة بيننا، حيث دعمت السلطة والرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة من ناحية، كما قدَّمت الكثير من الدعم السياسي والمالي والإنساني لقطاع غزة والضفة الغربية من ناحية أخرى، وقد اتبعت سياسات متوازنة تجاه خلافاتنا الداخلية، فلم تجنح لطرف فلسطيني على حساب الطرف الآخر، بل كانت تحاول أن تظل بوصلتها في خدمة الكل الفلسطيني، وكانت جهودها متميزة في مسعاها لرفع الظلم الواقع على الفلسطينيين جراء الاحتلال الإسرائيلي، والذي ساعدت في تكريسه – للأسف – جهات ذوي القربى.
ولعلي هنا أسجل في عجالة ما دبجته – بموضوعية واعتدال نسبي - أقلام بعض كتَّاب اليسار والليبراليين، والذي يستحق التقدير والاحترام.. فالإعلامي أكرم عطا الله أشار في مقال له بعنوان "ملاحظات على هامش محاولة انقلاب أنقرة..!!"، اعتمد فيه لغة المنطق للرد على هؤلاء المتحاملين على أردوغان والمطبلين للمحاولة الانقلابية من الفلسطينيين، متسائلاً: "لو نجح الانقلاب وسقط الرئيس التركي، هل يمكن أن يتصور الفلسطينيون أنه سينشأ هناك نظام قريب لهم مثل النظام الحالي؟ بالتأكيد لا، وبغض النظر عن دعمه لحركة حماس أثناء الانقسام الفلسطيني، وهو ما يثير الكثيرين في الساحة الفلسطينية من خصوم الحركة الفلسطينية، لكن بديل أردوغان سيكون أكثر سوءاً للقضية الفلسطينية ولحركة حماس، وهذا لا ينتظره الفلسطيني عندما يتذكر حكومات سابقة كانت في أفضل حالاتها محايدة تماماً تجاه الملف الفلسطيني، بل أكثر قرباً من إسرائيل قياساً بتركيا الحالية. وأضاف: "لو نجح الانقلاب في تركيا لكان ذلك خسارة لتجربة رائدة في الإسلام السياسي الوسطي، الذي نحاول أن ندفع بأحزابنا الإسلامية وخاصة حركة حماس لتقليده، فهو على درجة من الاعتدال الذي تحتاج أن تتعلم منه أحزاب التطرف في العالم العربي.. إن هذا القدر من الكفاءة في إدارة الشعوب، وبمرونة أيديولوجية واجتماعية متقدمة، يراها كل من أتيح له زيارة ذلك البلد، وسيعرف أن أحزابنا عندما تنقل التجربة التركية ستكون أوطاننا بخير، جيد أن النموذج لم يسقط؛ لأن ذلك كان سيوفر للمتطرفين ذخيرة العناد والإعجاب بنموذجهم الفريد.!".
أما الصحفي هاني حبيب فقد كتب هو الآخر قائلاً: "لا شك أن فشل هذا الانقلاب، أكد من جديد أن النظام السياسي التركي، نظام مستقر وصامد وقوي، وليس أدل على ذلك، من الدور الذي لعبته أحزاب المعارضة ضد الانقلابيين ونزولها إلى الشارع في مواجهة معهم، رغم خلافاتهم الحادة والمعلنة مع أردوغان وسياساته، وهو ما يؤكد مجدداً أن لا نظام قوي سياسياً بدون معارضة قوية".
أما الدبلوماسي السابق والصحفي المخضرم عدلي صادق، فقد عبر عن مشاعره في تغريدة له على الفيسبوك، بالقول: "لم أنم حتى الفجر ليلة الانقلاب، بخلاف الكثيرين.. وقد أزعجني كثيراً انقلاب بعض الجيش في تركيا، وأسعدني فشله؛ لأن إسرائيل والاستخبارات الأمريكية والعُنصريين الأتراك المعادين للعرب والمسلمين، معششون في مؤسسة الجيش. لقد خفت على شعب سوريا المظلوم المُدمى، أن يستفردوا به تماماً، وأن يخسر وقفة تركيا الجزئية والحذرة. خفت على حلب. خفت من عودة الديكتاتوريات الفاجرة الأعتى بكثير من تفرد أردوغان. ومن ألطاف المولى، أن الأحزاب العلمانية نفسها، لم تتقبل الانقلاب؛ لأنها سيأخذها في الجملة. هناك رتب عسكرية أعلى، وساسة دُهاة، مجهولون، كانوا ينتظرون نجاح الانقلاب لكي يظهروا. مخطئون هؤلاء الذين تعاطوا مع أنباء الانقلاب بأحادية ضيقة دون أن يتأملوا المشهد كله!".
ختاماً.. لقد فشل الانقلاب، وانتصرت بفخر الإرادة الشعبية، وأثبت الشارع التركي أنه قادر على حماية حكومته المنتخبة، والحفاظ على خياره الديمقراطي من تغول أصحاب الأحذية الثقيلة وهيبة الثكنات، وأن زمن الاستبداد وتسلط العسكر قد انتهى، فمكالمة على التوتير أو الفيسبوك أيقظت الشارع التركي من نومه، وحركته ليقف في وجه شرذمة الانقلابيين، وأن ما شاهدناه على شاشات التلفزة إنما هي صور لا تغيب وستعيش لأجيال قادمة، فصفحات التاريخ لا تغفل ولا تنام، ولعلنا - نحن الفلسطينيين - نتعلم من دروس وعبر ما جرى في شوارع تركيا وميادينها، حيث كانت الإرادة الشعبية أقوى من كل الأسلحة وتهديدات القتل تحت زرد الدبابات ومدافعها. إن حراك الشارع الفلسطيني إذا ما استمر الانقسام وسعى البعض لتأبيده، لن تترك لنا من خيار إلا التصدي له، والعمل بقوة الإرادة الشعبية لإسقاطه، واستعادة وحدتنا الجغرافية والوطنية.
نعم؛ تضرجت الكثير من الأجساد بالدماء في تركيا، ولكنَّ صنم العسكر تهاوى، ولم يُكتب له البقاء، وأثبتت المواجهات التي شاهدناها أن هناك تلازماً وثيقاً بين إرادة الحياة واستجابة القدر، فكان النصر والتمكين.
أردوغان: إسرائيل هي الطفل المدلل للغرب
11 نوفمبر 2023