دروس من الانقلاب التركي الفاشل

turkeyune7_210165640
حجم الخط

يعرف الجميع من انتصر في المنافسة العنيفة على الحكم في تركيا، يكتب مراسلنا الى ميدان تقسيم. قبل كل شيء، الحكم نفسه. بمعنى، اردوغان واغلبية الشعب، التي في أغلبيتها متدينة وفي اقليتها علمانية. ورغم كل ما ارتبط باسم وشخصية وافعال اردوغان (ادخال خصومه الى السجن والتهديد بعقوبة الإعدام، سحق حكم القانون واستبداله بحكم الشارع، خصي الجيش كموازٍ للصراع السياسي في تركيا، رفع قوة الاسلام السني غير المعتدل، الفساد الشخصي، القصر، نزعته الى القوة وغروره، تملصاته في العلاقات الخارجية – «داعش»، روسيا، الولايات المتحدة واسرائيل)، رغم هذا، فان معظم شعبه يريده حاكما فرديا وقويا. من هم الخاسرون؟ المتمردون، المطاح بهم من الجيش في السابق وفي واقع الامر الجيش كله؛ خصمه الشيخ المنفي غولن، العلمانيون، الليبراليون، جهاز القضاء، الاعلام، ما تبقى من الديمقراطية التركية – وبالطبع الولايات المتحدة التي تجتهد جداً، ولكنها تنال صفعة مدوية، ربما، على سبيل غمزة مصالحة أخرى من اردوغان لبوتين.         
إذاً، هاكم الدروس مما حصل قبل ثلاثة أيام فقط في تركيا؛ دروس مخصصة للجميع، بما في ذلك نحن – ولن اتفاجأ ابدا اذا ما كان احد ما هنا، وخمنوا من، يعجب – يكره – الحاكم التركي، الذي يبدأ بتطبيقها:
في أن كل ما يريده هذا الحاكم يحصل عليه. وفي هذه الاثناء، حتى بدون قانون التنحية.
في أن جيشا مع تفكير قديم من القرن العشرين لم يعد قادرا على تنفيذ انقلاب بسيط ضد الحاكم وضد اغلبية شعبه، وان كانت رؤوسهم واقدامهم في القرن التاسع عشر، الا ان عيونهم على شاشات القرن الواحد والعشرين.
في أنه نظريا، اذا كان حاكم كهذا يريد أن يخلد حكمه كان ملزما قبل ذلك أن يتخلص ممن يقف في طريقه من ـ جنرالات، خصوم سياسيين، اعلام، علمانيين ذوي مكانة وتأثير، قضاة وغيرهم – لعله بالذات من المرغوب فيه حدوث انقلاب صغير ومسيطر عليه كهذا، يكون فشله بالنسبة له انتصارا كاملا وسكرة قوة مخيفة. والا، فكيف تشرح النجاعة المذهلة والفورية في اخراج الجماهير الى الشوارع، في الاعتقالات الجماعية وفي اغلاق شبكات الانترنت؟ مثل هذه الخبرة لم تثبت في منع عمليات «داعش» وفي الحرب ضد الاكراد، كما هو معروف.
في أنك كحاكم، انت ملزم بان تلاحظ فوارق القوة لافساد القوى العالمية ومعرفة من تخاف منه (بوتين) ومن تتزلف له (بوتين) وبمن تستخف وتستهين (الولايات المتحدة اوباما، الاتحاد الاوروبي) ومع من تتصرف بحذر (ايران، الصين، «داعش»).
في أن الزعيم المناهض للديمقراطية، المعادي للشبكات الاجتماعية، يمكنه وبحكمته ان يستخدمها بنجاعة لهزيمة اعدائه، باسم الديمقراطية وبمعونة الشبكات – وهو سيحيد الديمقراطية والشبكات ما أن تعرضه للخطر.
في أنه في نظرة الى الوراء فان زيادة قوة اردوغان وحبس الآلاف من معارضه سيعززان الاسلام النشط في بلاده وفي المنطقة. سيصبح اردوغان حبيب المسلمين الذين يعانون في مناطق الحروب، بمن فيهم الفلسطينيون. أما الاكراد، بالمقابل، فسيكونون مرة اخرى منعزلين في كفاحهم ومن شأنهم أن يضربوا بيأسهم قوات الجيش التركي الضعيفة ويمسوا بمرة تلو الاخرى بمراكز تركية.
في أنه ستكون ضد اردوغان الكثير من التحقيقات والفحوصات الشرطية للاشتباه بفساده وفساد ابنائه – ولكنه طرد المحققين بتحرير شيك. عندما يتحلى السلطان بمعونة الله، في قصره الفاخر – فلن يكون بوسع أي قانون، نائب عام، ومراقب ان يتغلبوا عليه. من المؤكد أن معجبا ما به هنا بات يحسده على ذلك.
في أنه اذا ما نجحت طريقته، فان رجب طيب اردوغان من شأنه أن يحقق غايتنا في أن نكون نورا للاغيار. وعليه، سارعوا الى مصالحته، مهما كلف الامر (بتعويضات مرمرة، بفتح غزة وبثمن الغاز) – وعندها لعل نتنياهو يحظى بمنصب حياته: وسيط مقبول بين اردوغان، ترامب وبوتين، ويحقق وضعا راهنا بين اصحاب الأنا المطلقة الاربعة.