تركيا: انقلاب عسكري يعقبه انقلاب مدني

thumbgen (8)
حجم الخط
 

وضع الانقلاب الفاشل في تركيا هذه الدولة المحورية أمام خيارات مستحيلة، كما ألحق ضرراً كبيراً بالعلاقات الاميركية - التركية وقت تتعرض تركيا وجيرانها لامتحانات غير معهودة. لو نجح الانقلاب لكانت تركيا قد دخلت في مرحلة مضطربة قد تتطور الى نزاع أهلي، نظراً الى الانقسام السياسي والثقافي العميق بين الرئيس اردوغان وحزب العدالة والتنمية، ومناوئيه الكثر.
لكن فشل الانقلاب قد يؤدي بدوره الى وضع مماثل، بسبب الانقلاب المدني وعمليات التطهير والاجتثاث الذي شنها اردوغان على اعدائه الحقيقيين ومن يتخيلهم أعداء من اتباع حركة غولن، التي يتهمها بمحاولة إيجاد دولة متوازية. ضحايا اردوغان هم جنود ورجال شرطة مشتبه في تورطهم في الانقلاب، وآلاف الضباط والاكاديميين المشتبه في تعاطفهم مع حركة غولن ومؤسسها فتح الله غولن المقيم منذ نهاية تسعينات القرن الماضي في ولاية بنسلفانيا. ويدير غولن مؤسسة تعليمية ضخمة في اميركا تضم أكثر من 160 مدرسة عامة متخصصة في الرياضيات والعلوم وتحصل على معونات حكومية وتديرها طواقم معظم أفرادها اتراك، تربطهم في ما بينهم مؤسسات وأعمال ومصالح اقتصادية تتمحور على ادارة هذه المدارس. وأظهرت التحقيقات الصحافية ان غولن وانصاره قدموا خلال السنوات الأخيرة تبرعات مالية لمشرعين اميركيين من الحزبين.
وحتى قبل الانقلاب تحول وجود غولن في أميركا الى سبب رئيسي لفتور العلاقات الشخصية بين اوباما واردوغان والتي كانت في بدايتها ودية. المسؤولون الاتراك مقتنعون بان المسؤولين الاميركيين متعاطفون مع حركة غولن ومع نشاطها في أميركا، بما في ذلك عائداتها المالية التي يقول المسؤولون الاتراك انها تنفق جزءا منها لتمويل نشاطاتها "التآمرية" في تركيا. ولكن حتى أيام قليلة لم تقدم تركيا طلباً قانونياً لاسترداد غولن لمحاكمته. واذا لم يتضمن الطلب التركي أدلة دامغة من النوع المستخدم في المحاكم الاميركية، سوف يكون من الصعب جداً تسليم غولن الى الأتراك، وخصوصاً في ضوء رغبة اردوغان في احياء عقوبة الاعدام في تركيا، والتي كان التخلي عنها من شروط الانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي، اضافة الى احترام الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين.
ما حصل بين واشنطن وانقرة حديثاً مذهل. الوزير كيري طلب من نظيره التركي علناً الكفّ عن التلميح الى ضلوع أميركا في الانقلاب، كما لمح الى ان استمرار الانقلاب المضاد لأردوغان يهدد عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي.
استمرار انقلاب اردوغان سيدخل تركيا في نفق مظلم يمكن ان يوصلها الى نزاع أهلي ويهدد وحدتها، لان الخلافات ثقافية وقيمية وتتخطى السياسة وتشكل صراعاً على هوية تركيا وتوجّهاتها. هذا التجاذب يعود الى تأسيس الجمهورية التركية، لكن ظاهرة اردوغان جعلته ملحاً وخطيراً.

عن النهار اللبنانية