ليس هناك تاريخ واحد. توجد روايات متعددة ومختلفة، وفى كثير من الأحيان متعارضة, لتاريخ معظم الأحداث والوقائع والأشخاص. يرتبط كثير من هذه الروايات بدوافع سياسية أو فكرية، أو حتى شخصية, لكتاَّبها. كما يحفل غير قليل منها بأخطاء متعمدة أو غير مقصودة.
وينطبق ذلك على ثورة 23 يوليو 1952 وقادتها، كما على غيرها. غير أنه نظراً لكثرة الروايات عن هذه الثورة، كما عن التنظيم الذى وقف وراءها “الضباط الأحرار”، وتولى اثنان منه رئاسة مصر (عبد الناصر والسادات)، أصبح كثير من الروايات “الجديدة” متخيلاً أو يختلط فيه شىء من الواقع بكثير من الخيال.
ونجد ذلك فى كتاب إسرائيلى صدر العام الماضى، وألفه شمعون منديس تحت عنوان “جهاد السادات”. وقد عمل منديس فى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتخصص فى دراسة التاريخ الإسلامى فى العصر الحديث، وأجاد اللغة العربية. ولكن الكتاب نُشر بالعبرية، وقدمت الهيئة العامة للاستعلامات تلخيصاً وافياً له فى سلسلة ترجمات يصدرها قطاع المعلومات والبحوث فيها.
يبدو منديس معجباً بشخصية السادات وأدائه إلى حد قد يصل إلى الافتتان.
ومن الطبيعى أن يهتم المؤلف بالصبغة الدينية فى سياسة السادات. وقد لاحظ فى هذا السياق أن السادات كان يتصرف على أساس أن الله معه فى كل خطواته، لأنه كان رجلاً متديناً. ويقول إن السادات اعتقد أن الله لابد أن يساعده فى مواجهة إسرائيل رغم أنها كانت أقوى عسكرياً، وأن نشوة الإنجاز الذى حققه فى حرب 1973 جعلته يشعر بأنه خليفة يمثل امتداداً للرعيل الأول من خلفاء المسلمين. وأطلق العنان لخياله عندما قارن بين السادات والخليفة الثانى عمر بن الخطاب.
ولكنه لم يدرك، رغم تخصصه فى التاريخ الإسلامى، التعارض بين اعتقاده فى أن السادات كان يرى نفسه خليفة إسلامياً، وقوله فى موضع آخر إنه أراد أن يكون أول فرعون مسلم فى التاريخ. والأرجح أن شخصية السادات ستظل مثيرة للخيال ودافعة لروايات لا نهاية لها عن تاريخه، وعن جانب مهم فى تاريخ ثورة 23 يوليو.
عن الاهرام