ربما لا يطول الوقت كثيراً، حتى يظهر من يكشف بالوثائق والأدلة المؤكدة، تواطؤ أكثر من طرف إقليمي ودولي، في خلق وإنشاء، ومن ثم دعم وتسهيل ظهور الجماعات المتطرفة في المنطقة، «داعش وأخواتها»، فلم يعد هناك من شك لدى أحد، بأن ظاهرة التطرف، لا تعود لأسباب منها الاستبداد السياسي ومظاهر التحكم الخارجي من استعمار واستعمار جديد للمنطقة، حجب عنها التطور الطبيعي بكل مستوياته وأشكاله، ولكن أيضا، لاحتضان مباشر ودعم غير مباشر، لهذه الجماعات، حيث تداخلت وتقاطعت السياسات، بحيث بدا كل شيء نسبيا وممكنا، ما دام المهم هو تحقيق الهدف بفتح المجتمعات العربية، ونشر غسيلها الوسخ على الملأ الكوني، لإحاطة إسرائيل بمناطق فراغ سياسي من كل الاتجاهات حتى تعيش في «سلام» وتتجاوز ليس التهديد الوجودي وحسب، ولكن الوصول إلى فراغ سياسي، يحقق لها العيش في هدوء، رغم احتلالها لأرض الدولة الفلسطينية التي يعترف العالم كله بأنها ارض محتلة، كذلك ما تبقى بيدها من أراض عربية محتلة، هي الجولان ومزارع شبعا.
وكما حدث مع «القاعدة»، التي تشكلت من خلايا مولتها السعودية ودعمتها أميركا، حين كانت تقاوم الاحتلال العسكري السوفييتي لأفغانستان، ثم تجاوزت حدودها أو دورها المرسوم، بعد ذلك، بمناكفة الغرب، ووفرت له الحجة والذريعة للانتقال من الحرب الباردة لحرب «العوالم» وأول حلقة فيها، محاربة العالم الإسلامي، بما يعزز من بقاء القوى الرجعية، المستندة للصناعة العسكرية الأميركية، وهذا ما فتح الباب لانتصار الجمهوريين، بعد ولايتي بيل كلينتون، الذي كان هزم بشكل مفاجئ جورج بوش الأب، الذي كان يظن فوزه بالرئاسة الأميركية، مؤكداً بعد انتصار أميركا بالحرب الباردة في عهده!
ساعدت «القاعدة» إذاً الجمهوريين بالعودة للبيت الأبيض، عبر جورج بوش الابن، وساهمت في تأجيل حسم الملف الفلسطيني / الإسرائيلي، رغم أن كلينتون أمضى ولايتيه في البيت الأبيض مانحاً الأولوية لإغلاق ذلك الملف.
أما داعش، الآن، فهي عملياً، أغلقت الأبواب أمام التحول الديمقراطي في العراق وسورية، لذا فإن الغرب يحاربها في العراق، حيث إن النظام العراقي الموالي للغرب، يحل مكانها، في كل تقدم ميداني، أو انسحاب داعشي من اراضي العراق، فيما الضغط على داعش في سورية أقل حدة، لأن خروجها من مناطق سورية، يضع خيار البديل الذي يحل مكانها ضمن دائرة الصراع بين النظام السوري ومعارضيه، حدث ذلك في تدمر حيث حل النظام مكان داعش، فيما خروج داعش من المناطق المحيطة بحلب، مثل منبج، يعني حرص الغرب على أن يكون البديل احد جماعات المعارضة، حيث ظلت حلب ومناطقها تمثل الجانب الآخر، أو تجعل من استمرار الحرب في سورية ممكنة.
دلائل داعش المشبوهة تظهر فيما تشنه من عمليات إرهابية في أوروبا، ليس في إسرائيل ولا في أميركا، ولكن في بلجيكا وفرنسا بالتحديد، فلماذا فرنسا وبلجيكا؟ أولا لأن هاتين الدولتين منفتحتان على العالم الخارجي خاصة شمال أفريقيا العربي / المسلم، حيث توجد نسبة عالية من سكان الدولتين من أصول افريقية عربية / إسلامية، ما يؤجج من مطالب اليمين المتطرف في الدولتين بإغلاق أبواب الهجرة أمام العرب / المسلمين، وربما يذهب لأكثر من ذلك بفتح الأبواب لوصول اليمين القومي المتطرف في أوروبا والغرب عموما للسلطة مجددا، بعد دورات من وصول الوسط ويسار الوسط الديمقراطي للسلطة، في تلك الدول.
بعد عمليات داعش العام الماضي في فرنسا، حققت الوكالة اليهودية حلماً تاريخياً بفتح أبواب هجرة اليهود الفرنسيين لإسرائيل، خلال عامي 2014، 2015, وحيث شهد العام الحالي تراجعا، جاءت عملية نيس لترفع من المعدل العالي للهجرة مجددا، والتي عادت للتدفق مع وصول مائتي مهاجر قبل يومين.
لن نبالغ إذا قلنا بان عمليات داعش في أوروبا التي دفعت فرنسا لإعلان أحكام الطوارئ، في الوقت الذي أعلنت فيه الطوارئ أيضا بتركيا، ربما تساهم بانتخاب دونالد ترامب، وتخلق أجواء تجعل من ممارسات القتل والحصار وإرهاب الدولة، وممارسة العقاب الجماعي التي تقوم بها إسرائيل بشكل متواصل في الضفة الغربية، حيث يبدو مثال مدينة يطا، بأكثر من 120 ألف مواطن منذ نحو شهر ونصف، والخليل بنحو مليون مواطن، بعد عملية تل أبيب، لسبب واه وهو أن منفذي العملية خرجوا من تلك المدينة، ماثلا للعيان وأمراً ممكناً.
يتلاعب الغرب بنا وبالعالم بدرجة أقل، والسبب هو أن منطقة الشرق الأوسط بمكونها العربي / الإسلامي هي اضعف عوالم العالم، الذي تهيمن عليه أميركا، لذا تخلق الأدوات التي تجعل من استمرارها في السطو والتحكم _ في عالم يتجه لأن يكون أكثر عدالة ووعيا، رافضا لكل مظاهر الاستبداد والقهر والسيطرة _ أمرا ممكنا، فتنجح ولكن إلى حين، وعلى شاكلة الغرب / الأميركي المستبد / الاستعماري تبدو « دولة إسرائيل «، لذا فان مقاومة هذا التخلف السياسي وهذا الاستبداد والقهر بحق الشعوب يجب أن تتواصل دون تردد، لأن المستقبل لا بد أن يلفظ كل ظواهر القهر والتسلط، وكما تبددت القاعدة، ستذهب داعش، ولا حرية ولا مساواة لهذا العالم طالما تقوده أميركا، وطالما فيه إسرائيل دولة عنصرية / احتلالية، والمجد كله ليطا تقاوم، وللخليل تقاوم، وللقدس كفا تناطح المخرز ولكل الضفة وغزة ولكل الشعب الفلسطيني، الذي سيبقى عنواناً لحرية الشعوب في العالم.