أراني مندفعاً وبقوة إلى الكلام عن أخي وصديقي وزميلي اللواء ماجد فرج ، ليس من منطلق التحمس العاطفي أو التعصب المهني أو الفزعة العشائرية ، ليس هذا كله ، إنما سبب كلامي يعود إلى أن هذه العاصفة التي تدور في فنجان ، إنما تهدف ضمن أمور أخرى إلى تجريد السلطة الوطنية من شرعيتها ، من خلال تجريد رموزها وشخوصها من مناقبها الشخصية والمهنية في آن معاً ، وتهدف فيما تهدف أيضاً إلى تدمير وابتزاز المؤسسة وإشغال الناس وإشعال الفتن وضرب المنجز وخلخلة المشروع واستبدال الأعداء وتغيير الأصدقاء .
هذه العاصفة التي تدور في فنجان ليس إلا ، تستهدف اللواء ماجد فرج ، لأن الرجل لا يمثل نفسه ولا شخصه بقدر ما يمثل المصلحة الوطنية – حتى لو اختلفنا حول تعريف هذه المصلحة ومداها وعمقها وحجمها – ولكن الرجل شئنا أم أبينا ، يمثل مصلحة الفلسطينيين ضمن السقوف التي يعرفها الجميع ، بكلمات أكثر وضوحاً ونصاعة وإيلاماً أيضاً ، فإن الرجل يقود جهازاً أمنياً يقع عليه بالذات أن يمشي بين الهوامش الضيقة والحفر العميقة والأشواك الكثيرة ، والمطلوب منه أن لا يتعثر ولا يخسر ولا يُدمِر أو يُدمَر ، مطلوب منه أن يقود أعقد عملية تنفيذية في بحر هائج مليء بقيود الاتفاقات ، وعشرات الالتزامات والحسابات والتوازنات ، مطلوب منه أن يبقى فلسطينياً حتى النخاع ، رغم كل المضايقات والضيق ، ومطلوب منه أن يتحرك ضمن أعقد واقع جيوسياسي يمكن لرجل أن يتخيله ، مطلوب منه أن يخترع معادلة بالغة الدقة والقوة والهشاشة في آن معاً ، ليحفظ أمن الفلسطينيين ما استطاع ، وليحفظ أمن الإقليم ما استطاع أيضاً ، ماجد فرج ليس مجرد ضابط مخابرات عادي ، بل قُدّر له أن يتسلم هذا الموقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث كل شيء مرتبك ومرتجل ويحدث للمرة الأولى ، وحيث كل شيء يُصنع للمرة الأولى ، يُصنع حسب التجربة ، والصواب والخطأ ، والاجتهاد الشخصي ، والمحاذير والمصائد والأفخاخ والألغام .
بهذا المعنى ، فإن ماجد فرج معرض لكل أنواع القذائف والرصاص والحجارة من أطراف كثيرة ومتعددة ، تريده أن يفشل ، ليس كشخص ، وإنما كموقع ، وتريد له أن يسقط ، ليس كشخص ، وإمنا كتجربة ، وتريد له أن يغيب ، ليس كشخص ، وإنما كمرحلة تاريخية يصنعها الشعب الفلسطيني ، صواباً كانت أم خطأ ، وبالمناسبة ، فإن التاريخ لا يعود إلى الوراء ، بمعنى أن تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية تجربة تاريخية ستراكم وتنجز ، بغض النظر عن التقييم أو التقويم ، ومــاجد فرج أحد رموز هـذه المرحـلة ، ولهذا فإن الكلام له أو ضده لا يعنــي شخصه أبداً .
ومعنى هذا الكلام أن الرجل في موقفه ، وبما يمثل من مصلحة ، وما يرمز إليه من تاريخ ، وما يؤديه من فعل ، بهذا الاتزان وبهذه الثقة وبهذه الرؤية ، إنما يؤدي ما عليه من واجبات وطنية ، أضاف ويضيف إليها من رؤيته المهنية وتاريخه الشخصي الناصع ، وأن تضخيم أخطائه – إن وجدت – أو فهم بعض تصرفاته – بهذا الشكل أو ذاك – إنما تعني المساس العمد والإساءة العمد أيضاً إلى تجربة شعب بكامله ، فالاختلاف بين الأحزاب والفصائل ليست شيئاً جديداً في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ، ولكن الغريب أن ينحدر الكلام إلى حضيض لا يهدف إلا دفع التجربة كلها إلى الحضيض .
وبهذا المعنى أيضاً ، فإن العاصفة التي تدور في فنجان ، وضمن أمور أخرى ، قد تكون مدفوعة الأجر ، مما يجعلها أرخص من أن تناقش أو أن تكون بوقاً لآخرين أو أن تؤدي دوراً أو أدواراً ضمن مؤامرة أكبر وأعم ، كائناً ما كان الأمر ، فإن الحديث يدور حول رجل فريد يقود جهازاً في أضيق الظروف وأصعب اللحظات ، وعلى الرغم من كونه يخص سلطة ضعيفة وشعباً محاصراً ، إلا أن المطلوب منه إقليمياً وعالمياً قد ينوء به أعرق الأجهزة الأمنية وأقواها ، ورغم كل ذلك ، فإن ماجد فرج – ورغم كل ما يحيط به – إلا أنه يعبر عن توجهات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ، ويمثل مصالح الفلسطينيين ، ويتفادى بما لديه من خصائص ومزايا ، كل الألغام وحبات المطر في آن معاً .
أما بالنسبة للصديق الصحفي ناصر اللحام ، فإن من تابعه ويتابعه في مقالاته وتغطياته الصحفية ، سيعرف أن المثقف لا يمكن أن يكون إلا نظيفاً من كل الأدران ، إن مقالات ناصر اللحام – لوضوحها وانتمائها ودقتها – تحولت إلى أناشيد يرددها شعبه ، حيث كان دائماً وخاصة إبّان الحرب على غزة ، يمثل الإعلام الحربي المقاوم ، كما أن أهلنا بغزة يستمدون المعنويات من طلته على الشاشة ، وكفى بذلك شهادة للحام وقلمه وقلبه .. أرجوكم كفى !!