"حماس" تشارك في الانتخابات البلدية: تحدٍّ لإسرائيل والدول المانحة

072116_1340_111
حجم الخط

هناك إعلان مفاجئ تم نشره يوم الجمعة الماضي: "حماس" ستشارك في الانتخابات البلدية والمجالس المحلية التي ستجرى في 8 تشرين الأول. بعد ثلاثة اسابيع من اعلان الحكومة الفلسطينية رسميا عن موعد الانتخابات، تبين أنها ستجرى في الضفة الغربية وفي قطاع غزة في الوقت ذاته. اعلان "حماس" تمت مباركته، ويتم تفسير مشاركتها على أنها خطوة حقيقية لإنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي بين جزأي الكيان الفلسطيني. ويبدو قرار "حماس" إحياء لمحاولات جسر الهوة السياسية التي اعتبرت فاشلة. متحدثون من اليسار أعربوا عن تقديرهم أو عن أملهم بأن هذا الامر سيمهد الطريق لانتخابات عامة للمجلس التشريعي ولإقامة حكومة جديدة تمثيلية، ولكن بعد المباركة بقيت امور كثيرة خفية.
التحدي المباشر ليس فقط تقبل الآخر سياسيا من قبل حكومة غزة التي تمنع منذ سنوات نشطاء "فتح" من إحياء الذكرى السنوية لرحيل عرفات أو تقوم بتفريق مظاهرات منظمات اليسار الصغيرة بالقوة، التي تطالب بوضع حد للانقسام السياسي. فهذا التحدي هو بالقدر ذاته للحكومة في رام الله ولأجهزة الامن التابعة لها التي تسيطر عليها "فتح". أثناء حملة الانتخابات لمجالس الطلبة، التي تجرى كل سنة، يتم اعتقال نشطاء الكتلة الاسلامية من قبل اجهزة الامن الفلسطينية. وفي هذه المرة ستضطر الاجهزة الامنية للسماح للممثلين المقربين من "حماس" بالعمل بدون تعويق. المقربون من "حماس" يتم استبعادهم من قبل وسائل الاعلام التابعة للسلطة الفلسطينية. وقنوات الراديو والتلفاز والصحف ستضطر الى أن تشملهم الآن في برامجها. وايضا وسائل اعلام "حماس" في قطاع غزة ستضطر الى فعل الشيء ذاته. وقد وقع ممثلو المنظمات المختلفة في غزة، هذا الاسبوع، على ميثاق الشرف الذي يقضي بأن الجميع سيحترمون قانون الانتخابات الفلسطيني.
قد تجذب الانتخابات المحلية غير السياسيين أو خائبي الأمل واليائسين، لأنها تتصل بشكل مباشر بالحياة اليومية. اجتماعات، افكار من اجل تحسين الوضع، اسئلة علنية للمسؤولين وإلقاء المسؤولية عليهم، مشاهدة اجاباتهم، تغطية صحافية. كل ذلك جزء لا يتجزأ من العملية. اصحاب المهمات سيُلزمون بالاجابة، ليس فقط على المستوى البلدي بل ايضا على المستوى السياسي العام. ورغم التراجع العام في تأييد المنظمات السياسية ما زالت القوائم المتنافسة تنتمي الى المنظمات السياسية العامة.
اثناء الانتخابات تكون الصحوة السياسية والمدنية كبيرة وبيانات حقوق المواطن وواجبات السلطة تبرز أكثر. هذا هو بالضبط سبب دفع النشطاء غير الحزبيين الى اجراء الانتخابات، رغم معرفة أنها لن تكون حرة بشكل كامل تحت الاحتلال الاسرائيلي، واعتماد الفلسطينيين على التمويل الخارجي.
في الانتخابات المحلية السابقة في العام 2012، حيث رفضت "حماس" المشاركة، تم إعفاء الاطراف من وجع الرأس الذي هو العقوبات الاسرائيلية المحتملة والدول المانحة في حال انتصار القائمة الاسلامية. في الانتخابات المحلية الاولى التي جرت في السلطة الفلسطينية في نهاية 2004 وبداية 2005 حصلت قائمة التغيير والاصلاح التابعة لـ"حماس" على اغلبية المجالس في الضفة الغربية. وجمدت الدول المانحة مساعداتها لتلك المجالس. وحسب الادعاء فان وزارة الحكم المحلي التابعة للسلطة أظهرت بخلها ايضا في تخصيص الميزانيات للمجالس. في الانتخابات العامة في 2006 ردت اسرائيل بموجة اعتقالات لنشطاء "حماس" في الضفة، وجمدت نقل اموال الضرائب. وقامت الدول المانحة بتجميد المساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية. وسكان شرقي القدس الثلاثة المنتخبون في قائمة "حماس"، وأحد سكان القدس الذي كان وزيرا في حكومة اسماعيل هنية، تم اعتقالهم على الفور، وفيما بعد سحبت اقامتهم وطردوا الى رام الله.
التحدي في الانتخابات المحلية هو للدول المانحة ولاسرائيل: هل ستتدخلان في العملية الديمقراطية الفلسطينية الداخلية وتعملان على إفشالها؟ هل سيؤثر ذلك على الناخبين؟ هل سيكون للخوف تأثير ويتم اختيار من لا يسبب العقاب؟ هل هناك مرشحون سيرفضون الانضمام الى القائمة بسبب خوفهم من الاجراءات الاسرائيلية؟ في انتخابات 2012 ترشحت قوائم تنتمي لتحالف منظمات اليسار. فهل سيعتبر الناخبون أن هذه المنظمات موجودة على المهداف، كما تشير الاعتقالات الادارية للنشطاء المقربين للجبهة الشعبية؟ هل سيحدث العكس؟ وكنوع من رفض الضغوط، هل سيختار الكثيرون القائمة التي ستتعرض للعقاب حتى لو كانوا لا ينتمون الى المنظمة التي تقف من وراء القائمة؟
تدرك "حماس" الاخطار، وهي ستبحث عن طريق لتقديم قوائم ومرشحين لا ينتمون بشكل مباشر إليها، في الضفة الغربية على الاقل. في الاسبوع الماضي، منذ الاعلان عن نية المشاركة، قالت وسائل الاعلام الفلسطينية إن الحركة ستترشح بقوائم "وطنية"، أي بالتعاون مع منظمات اخرى، حمائلية وتكنوقراطية. المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، قال قبل أيام إن الحركة ستشارك عن طريق قائمة خبراء ومهنيين من اجل تقديم الخدمات للجمهور. ولكن هل ستتعامل اسرائيل معهم كمختصين ومهنيين هدفهم تحسين الخدمات للجمهور؟.
الاجراءات العقابية التي اتخذت في 2005 و2006 تسمح لـ"حماس" بالقول إن فشلها في السلطة سببه العصي التي وضعها العالم واسرائيل في عجلاتها. هذا الادعاء يصعب نفيه أو إثباته. ولكن في جميع الحالات، قدرة حكومة "حماس" على الاستمرار في ادارة غزة رغم كل العقبات الدولية والاسرائيلية، تخلق في الضفة الغربية صورة للحركة أكثر كفاءة من السلطة الفلسطينية، حيث إنه في الظروف الاصعب نجحت في اظهار سيطرتها. هل سيؤثر هذا على قرار الناخب في الضفة الغربية؟
تؤكد هذه الاسئلة الى أي حد لا يمكن للاعتبارات في الانتخابات الفلسطينية المحلية أن تكون متحررة من الدائرة الخارجية للسيطرة الاسرائيلية والرقابة الدولية.
في سنة 2012 عللت "حماس" عدم مشاركتها في الانتخابات بعدم وجود الشفافية ومطاردة رجالها من قبل السلطة. وجرت الانتخابات في الضفة الغربية فقط. غياب "حماس" عن تلك الانتخابات كان مريحا        لـ"فتح". فهي لم تحتج الى وضع شعبيتها موضع الامتحان. أو اختبار وعودها من 2006 والقول إنها تعلمت من أخطاء الماضي. في تلك السنة عندما فقدت "فتح" السلطة، كان الاستنتاج العام هو أن الناخب عاقبها بسبب فسادها، وغياب الاهتمام بالجمهور الواسع والفجوة بين الخطابات الساخنة وبين الاعمال والنوايا. الاغلبية اختارت "حماس" ليس بسبب برنامجها الديني الايديولوجي. و"فتح" وعدت بأنها ستتحسن. وحسب استطلاعات الرأي العام يبدو أن صورة السلطة الفلسطينية بقيت على حالها.
أمام التساؤلات تبرز الجاهزية اللوجستية لعملية الانتخابات. حسب جدول زمني متشدد نشرته اللجنة، سيتم "فتح" مكاتب تسجيل الناخبين في الضفة وغزة لاصحاب حق الاقتراع ممن لم يسجلوا بعد اسماءهم في سجل الناخبين. ويوجد لهم خمسة ايام من اجل الانضمام لـ 2.006.64 شخص سجلوا حتى آذار الماضي، وهم يشكلون 78.5 في المئة من اصحاب حق الاقتراع في الضفة وفي ذلك شرقي القدس وقطاع غزة.
تسجيل القوائم المتنافسة سيبدأ في 18 آب وسيستمر عشرة ايام. وفي 24 ايلول سيتم نشر القوائم وستبدأ حملة الانتخابات التي ستستمر الى 6 تشرين الاول.
حسب موقع لجنة الانتخابات المركزية، كل شيء جاهز ومنظم من اجل يوم التصويت. وقد بقيت فقط الاحجية الكبرى وهي ما الذي سيفعله الجيش الاسرائيلي في ذلك اليوم وذلك الاسبوع. هل سيبدأ بالاعتقالات واقتحام القرى والاحياء؟ وكيف سيؤثر ذلك على الناخبين؟