منيت المعارضة السورية بشقيها المعتدل والمتطرف، بضربتين قويتين في الايام الثلاثة الماضية، الاولى ذبح الطفل الفلسطيني عبد الله عيسى، البالغ من العمر 12 عاما، على ظهر شاحنة من قبل مجموعة مسلحين، تابعة لحركة نور الدين الزنكي بطريقة سادية دموية استفزازية بشعة، اما الثانية فتمثلت في اقدام طائرات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بارتكاب مجزرة في مدينة منبج في شمال سورية راح ضحيتها اكثر من 478 مدنيا، كان من بينهم 11 طفلا، حسب بيان صادر عن المرصد السوري لحقوق الانسان.
اللافت ان هاتين المجزرتين وقعتا في منطقة حلب، او جوارها، التي تدور فيها معارك شرسة يمكن ان تحدد نتائجها مصير الصراع الاقليمي والدولي على الارض السورية، وربما في منطقة الشرق الاوسط برمتها.
الحكومة السورية كانت الكاسب الاكبر من هاتين الضربتين، مثلما خرجت المستفيد الاكبر من محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا مساء الجمعة الماضي، وادت الى حدوث انقسامات وحالة من الفوضى وعدم الاستقرار في عمق خصمها التركي القوي الذي لعب ويلعب دورا كبيرا في محاولات تقويضها، ومحاولة اسقاط نظام الحكم في دمشق طوال السنوات الخمس الماضية.
النظام السوري محظوظ، دون ادنى شك، ويعيش افضل ايامه، لان خصومه يقدمون على اعمال تخفف الضغوط عليه، وتضرب مصداقية معارضيه وداعميهم في الخليح والغرب في مقتل، وتدفع الكثير من المترددين السوريين الى الانضمام اليه، او عدم معارضته على الاقل، في وقت يتقدم فيه الحل العسكري، ويحقق انجازات على الارض لمصلحة تحالفه، في ظل تراجع، وربما موات، الحلول السلمية التفاوضية.
الائتلاف الوطني السوري المعارض الذي بدأ يتقدم اعلاميا وسياسيا، بعد بيات شتوي، بسبب تهميشه “سعوديا” وامريكيا، لمصلحة معارضة الرياض، ادان المجزرتين بقوة، سواء تلك المتعلقة بذبح الطفل الفلسطيني، او الثانية التي اودت بحياة 11 طفلا مزقت اجسادهم الطرية صواريخ طائرات التحالف الامريكية والفرنسية، وطالب رئيسه السيد انس العبدة الطرفين اللذين يقفان خلفهما بإجراء تحقيقات عاجلة، ومعاقبة المتسببين.
من المفارقة انه في الوقت الذي يدين فيه الائتلاف المعارض ذبح هذا الطفل الفلسطيني المصاب بمرض التوحد، ودون اي كلمة “ولكن”، التي تستخدم بقوة في مثل هذه المناسبات، اقدمت اوساطا عديدة في معسكر المعارضة، او المحسوبة عليه، خاصة خارج سورية على محاولات يائسة لـ”تبرير” هذه الجريمة الدموية التي تقشعر لها الابدان، سواء بالتذكير بمثيلاتها اقدم عليها النظام السوري، والموالين له، او التأكيد بأن الطفل كان في التاسعة عشرة من عمره، وكان يحمل رشاشا حين جرى اسره.
شخصيا لم استطع مشاهدة شريط الفيديو الذي وثق عملية الذبح هذه كاملا، كما انني رفضت نشره على صفحات صحيفتنا، احتراما لمشاعر القراء، وذوي الطفل ايضا، والتزاما بالحد الادنى من قواعد المهنة، واخلاقياتها، ولكنني شاهدت هذا الطفل في اوائل الفيديو وهو يتوسل جلاديه، ويبكي بحرقة، ويطلب الرحمة، بينما هم يتلذذون بإزدرائه ويشحذون سكينهم الصدئة تمهيدا لذبحه.
الصورة لا تكذب، ومن المعيب الجدل حول عمر الطفل الضحية، واضافة سبع سنوات اليه، لتبرير الذبح، ونسي بعض هؤلاء انه حتى لو كانت هذه الرواية صحيحة، وهي ليست كذلك حتما، فان هذا الطفل كان اسيرا ومصابا، وكل الاعراف والتشريعات الاسلامية، وغير الاسلامية، تقول بحسن معاملته، واكرام وفادته، وتبديد مخاوفه ورعبه، واطلاق سراحه، او الاحتفاظ به على الاقل لمبادلته بأسرى في سجون الطرف الآخر ومعتقلاته، الم يقل الرسول الكريم لكفار قريش بعد فتح مكة المكرمة، “اذهبوا فانتم الطلقاء”، وهم الذين نكلوا به، وشككوا برسالته، وحاولوا قتله اكثر من مرة؟ ولكن لا نعتقد ان من نفذوا عملية الذبح هذه يتحلون بأخلاق الاسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته السمحاء.
لا نبالغ اذا قلنا ان القائد العادل نور الدين زنكي سيتقلب في قبره غضبا وقهرا، لو علم ان هؤلاء الذين يحاربون تحت رايته، ويستخدمون اسمه، يرتكبون مثل هذا الاثم الاجرامي في حق طفل مصاب لم يبلغ الثانية عشرة من عمره.
كل اعمال القتل للمدنيين مدانة، والاطفال منهم بالذات، سواء كانت على يد النظام او المعارضة، او طائرات التحالف الدولي، ولكن الادانة ستكون اكبر عندما يكون من اقدم عليها يقدم نفسه بديلا ديمقراطيا يحترم حقوق الانسان، ويتعهد بالحكمة والرأفة والعدل وتطبيق الشريعة الاسلامية كاملة دون نقصان.
شعرنا بالكثير من الاطمئنان عندما قرأنا رد الفعل المشرف لاهالي مدينة حلب وائمتها الذين يقيمون في مناطق تسيطر عليها المعارضة، الرافض لهذا الذبح الذي يتم باسم الاسلام ووسط التكبير “الله اكبر”، ويؤكدون ان هؤلاء المدعومين امريكيا واوروبيا وعربيا لا يمثلونهم، ولا العقيدة الاسلامية ايضا، ويتبرأون منهم، ووثقت هذا الموقف الانساني العظيم معظم وكالات الانباء والصحف العالمية.
ليت مناضلي “التويتر”، و”الفيسبوك”، وجيوشهم الالكترونية، يقتدون بهؤلاء الشرفاء ومواقفهم النبيلة التي تكشف عن معدنهم الانساني الاسلامي الاصيل، لان بمواقفهم، او بعضهم، المدافعة والمبررة عن عملية الذبح هذه، يقدمون هدية لم ينتظرها النظام وقطعا سيتلفقها بسعادة غامرة.