القوائم الانتخابية التي نريد

ريما كتانة نزال
حجم الخط

طبيعي أن يدبّ الحماس وتجري الدماء في العروق الجافة، في اللحظة التي يتم الاعلان بها عن إجراء الانتخابات المحلية. البعض، سينطلق من رغبة مشروعة في رؤية هيئات تضمن توفير خدمات رفيعة تسهّل الحياة وترتقي بجودتها. البعض الآخر، ينطلق من طموح في الوصول للمنصب. كلاهما محق في مآربه، المرشح والناخب، وعدّاد سُلم الأولويات يميل لصالح الثاني.
قرار مجلس الوزراء القاضي بإجراء الانتخابات المحلية؛ تبعه قرار استجابة حركة حماس بمدِّ الانتخابات إلى قطاع غزة. ولجنة الانتخابات المركزية غاطسة في مهامها التحضيرية، ومراكز الاستطلاعات ترصد الخط البياني صعوداً وهبوطاً، التفاعل والميول والاتجاهات.
قراءة القرارات الرسمية في البيئة الفلسطينية المتغيّرة، متغيرة أيضا، فغالباً ما تتعرض للحتّ والإزاحة. إنها الانتخابات المحلية الأولى التي ستجرِّد الخارطة التنظيمية من تمظهرها وافتراضاتها، بمشاركة جميع الفصائل بما فيها الاسلامية، لا أحد له مصلحة في إظهار ما ستتمخض عنه النتائج، والصناديق أصدق أنباءً من الاستعراضات واستطلاعات المراكز المجتهدة في إذابة الثلج وتوضيح ما تحته من مرج، حول توازن القوى السياسية وخاصة جماهيرية التنظيمين الرئيسيين، العشائر ومكانتها ومصالحها المتنامية التي أدت إلى تبادلها المسؤولية والمصالح مع الاحزاب.
الخارطة التنظيمية تبقى افتراضية، لمضي دزينة من السنوات على آخر انتخابات محلية جمعية جرت ما بين 2004 و 2005، ومضي عشر سنوات على آخر انتخابات تشريعية. على هذه الحقيقة، تحق القراءة في ضوء التجارب الصعبة التي عايشها المجتمع فاقمت من الأوضاع الكارثية تحت الاحتلال.
السؤال الدائر في المدينة يتمحور حول إمكانية تأجيل العملية الانتخابية، إنْ تنامى الشعور بتعارضها مع مصالح الطبقات السياسية المتنفذة. وهو الأمر الذي يُشتم من بعض التحليلات الاعلامية المستهدفة تحضير الرأي العام أمام احتمال التأجيل، والربط بين الانتخابات والحالة الأمنية، عبر تركيز الأنظار على عناوين جانبية، عوضاً عن تركيزها على أهمية الانتخابات والحاجة لها والتعبئة باتجاهها.
إثارة تخوفات الانفلات الأمني حق وواجب، لكن ليس بهدف إشاعة جوّ يخدم التأجيل، بل من أجل قيام الدوائر الأمنية المختصة بدورها لإزاحته كعقبة في الطريق. أما واجب القيادات السياسية والحزبية التركيز على أهمية إجراء الانتخابات في موعدها وتوعيته بأهميتها وإقناعه الخروج من بيته للإدلاء بصوته وممارسة حقه في اختيار ممثليه، عوضاً عن الموقف السلبي الذي عبرت عنه العينة التمثيلية، في استطلاع الرأي العام المنفَّذ من قبل مركز "أوراد"، والتي يتحمل سلبيتها طرفا الانقسام.
لقد أظهر الاستطلاع عدم مشاركة ثُلث المستطلَعين في الضفة والقطاع إنْ لم تشارك بها "حماس". كما أعلن 47% من العينة مشاركتهم بينما صرّح 20% بأنهم لم يقرروا المشاركة بعد. والنسبة الأكثر فداحة في الاستطلاع عدم معرفة (57%) بقرار الحكومة.
وفي سؤال حول أحداث العنف التي جرت مؤخرا، أيّد (79%) من المستطلعين الأجهزة الأمنية المختصة فرض اجراءات مشددة للتعامل مع الأسلحة مقابل 16% لا يؤيدون ذلك، بينما أجاب 5% بعدم المعرفة. بما يعني أن غالبية المجتمع تفوِّض الاجهزة باتخاذ الاجراءات لحفظ الأمن الاجتماعي.
 آخذين الاعتبار بأن ضبط الفلتان والسلاح الفالت مطلوب في كل الأحوال، لاستعادة ثقة المواطن بسلطته وتعزيز شعوره بمسؤوليتها عن أمنه وحمايته، إلا أن الايحاء والربط بين العنف والانتخابات مرفوض، بما فيه اتخاذه ذريعة للتأجيل أو الالغاء. بل الطبيعي أن تماسك المجتمع ووقف خلخلته بإشراكه وتوظيف موقفه المؤيد من أجل التفافه ورفع الشرعية المجتمعية عن مرتكبي العنف الداخلي ونبذهم وعزلهم.
في إطار المعالجة المطلوبة من القيادات السياسية والاجتماعية والمهنية، لا بد من التطرق إلى تشكيل القوائم الانتخابية ومكوناتها ومواصفاتها، لجهة تعبيرها عن الوظيفة المهنية والفنية المنسجمة مع طبيعة الدور الخدمي الفني والتخصصي للعمل البلدي، كأحد الممارسات الفُضلى، العناية بتفاصيل القائمة بكل أعضائها، وعدم الاكتفاء بالمؤهلات المستهدفة فقط، بل التمتع بالنزاهة والشفافية والفعالية والعملية، وابتعاد أعضائها عن المحسوبية والمظهرية واستعدادهم الحقيقي لخدمة المجتمع، فالأساس أننا نريد مجلساً يسعى لتحقيق الافضل للبلد ومواطنيه وتطلعاته، الخدمية والتنموية.
إننا أمام عملية جماهيرية انتخابية وطنية كبرى، لا تقل عن الانتخابات السياسية العامة من حيث أهميتها ودلالاتها السياسية والاجتماعية، فهي المحطة الأوسع للاحتكاك بقضايا الناس ومصالحهم وهمومهم المعيشية.
هذا ما يجب معرفته والتعاطي معه في انتخابات مجالس الحكم المحلي، توخي التغيير في التعاطي، وبما يؤدي إلى تفاعل المجتمع مع الانتخابات كحالة بديلة عن حالة اللامبالاة الواضحة تماماً، وهي على الأغلب، بسبب احباط ويأس من القدرة على تقديم الاداء النوعي المختلف، في السياق العام والتجارب المعروفة، انخفاض المشاركة وتحديدا في المدن، غلبة المجالس الناجحة بالتزكية، الاخفاق والاستقالات. والحبل على الجرّار.