حرب دينية

thumb.php
حجم الخط

وفقا للنظرة الاستراتيجية، فان المنصة التي قيلت عليها التصريحات المستفزة للحاخام يغئال ليفنشتاين – "مؤتمر صهيون والقدس" – هي اهم بكثير من التصريحات نفسها. فهذا المؤتمر هو الشرارة الاولى لحرب ثقافية، او اذا شئتم، حرب دينية على قلب التيار الاسرائيلي، وعلى طابع دولة اسرائيل. هذه الحرب تدور بين تنظيمات تعمل من اجل دفع التعددية الدينية والقيم الليبرالية، من جهة، وبين حاخامات وتنظيمات متزمتة – قومية، من جهة اخرى. التغيير الدرامي يتواجد في الجانب الثاني، الذي يعمل رجاله من اجل فرض صيغة متزمتة – متطرفة لليهودية على التيار الاسرائيلي، من خلال رفض قيم ليبرالية.

في السنوات الأخيرة تحدث دراما في مسألة طابع ومكانة الدين في اسرائيل وعلاقات الدين والدولة.  التنظيمات الاسرائيلية التي تؤمن بالتعددية، والتي يجري تمويلها من قبل تنظيمات مشابهة في الولايات المتحدة، تنجح في مراكمةالتأثير. لقد طرأ تغيير على نظم الدين والدولة، ومفاهيم الجمهور لليهودية. تنظيمات المجتمع المدني تقترح بديلا لاحتكار الحاخامات للخدمات الدينية. كنس انصار التعددية تقترح بدائل لتعليم التوراة الأرثوذكسية. وعلى الحلبة العامة تسمع اصوات تتحدث باسم اليهودية بشكل معتدل، كديانة تضم المختلف والآخر، وتريد رؤية اسرائيل يهودية ولكن تعددية وليبرالية.

هذا التوجه يعتبر شوكة في عيون المتدينين المحافظين، ولكن من يرفع راية النضال ضده هو التيار المتزمت القومي. فخلافا لليهود المتزمتين الذين يشمئزون من اليهودية الاصلاحية والتعددية، لكنهم لا يسعون الى التأثير على مفاهيم الجمهور الواسع وعلى طابع الدولة، يرى المتزمتون القوميون في التأثير على "شعب اسرائيل" رسالة وهدفا. بعد سنوات طويلة اهملوا خلالها هذه الحلبة، اكتشفوا التهديد المتزايد، من وجهة نظرهم، "لصورة يهودية دولة اسرائيل" وقرروا خوض الحرب.

"مؤتمر صهيون والقدس الاول" كان بمثابة اعلان حرب على التعددية الدينية وعلى القيم الليبرالية. هذا المؤتمر الذي تم تنظيمه من قبل "التنظيمات التي تعمل على تعزيز الطابع اليهودي لدولة اسرائيل" حدد لنفسه هدف مواجهة "تأثير الاصلاحات على هوية دولة اسرائيل". غالبية الحاخامات الذين شاركوا في المؤتمر ينتمون الى المعسكر المتزمت القومي. لقد استجابوا لدعوة من قبل عدة حاخامات من "المدارس الدينية القومية".

ما قاله خلال المؤتمر الحاخامات ليفنشتاين ومردخاي شترينبرغ وشلومو ابينار وغيرهم، يعكس خط الجبهة: رفض أي بديل لليهودية باستثناء الخط الارثوذكسي – المتزمت؛ محاربة الجهات الارثوذكسية المعتدلة وتيارات الاصلاحيين الناشطة في اسرائيل، والتي يعتبرها هؤلاء الحاخامات "اسوأ من المسيحية"؛ صراع من اجل تعزيز احتكار الحاخامية الرئيسية؛ منع الفصل بين الدين والدولة وتعميق الترابط بين الدولة والدين اليهودي بصيغته المتزمتة؛ وايضا محاربة الليبرالية وقيمها. وعلى قائمة الجهات المستهدفة: الحركات النسوية، الثقافة الإسرائيلية الحالية، الصراع على "قدسية"الجيش وعلى قيم الحرب، التي يتم اعتبارها اليوم غربية – ليبرالية – انسانية جدا، وعلى قيم العائلة، وضد المثليين وغيرهم.

الجمهور الديني القومي المتزمت ليس كبيرا، لكن تأثيره يتجاوز حجمه بكثير. انه جمهور يحمل ايديولوجية دينية – محافظة، متعنتة، ورؤية مبلورة جدا حول الطابع المرغوب فيه لإسرائيل. في العقود الاخيرة اندمج الكثير من المتدينين القوميين المتزمتين  في الجهاز التعليمي الديني، وباتوا يسيطرون على اجزاء واسعة منه. والاهم من ذلك، ان طلاب المدارس الدينية والكليات التابعة لهذا التيار، وعلى رأسها كلية عيلي، يتسلمون مناصب رفيعة في الجيش، والجهاز الامني وسلك خدمات الدولة. كما يبرز تأثير هذا التيار على حزب البيت اليهودي. نقاط التأثير هذه تجعل اعلان الحرب في المؤتمر بالغة الاهمية وخطيرة.

على الحلبة الداخلية الاسرائيلية يجري الصراع على روح الدولة: هل تكون اسرائيل دولة يهودية وديموقراطية، ذات طابع ليبرالي وتعددي، او دولة يهودية وديموقراطية مع ديموقراطية رسمية يتم دمج القيم الليبرالية فيها بالاكراه. وهل ستسيطر على جمهورها المحافظة الدينية وصيغة متزمتة لليهودية.

"مؤتمر صهيون والقدس الأول"، يشير الى توجه يسعى في جوهره الى تغيير طابع الدولة. امام هذه الجهود المركزة، يجب العمل بإصرار، كي تكون اسرائيل يهودية وديموقراطية بدون التنازل عن أي من هذين المركبين او عن طابعها الليبرالي – الغربي.