هو جمال عبدالناصر.. فمن أنتم؟!

thumbgen (6)
حجم الخط
 

مات جمال عبدالناصر شخصا. ولكنه عاش حلما لشعبه. وكابوسا لخصومه وأعدائه. مات عبدالناصر ولكن عاشت أفكاره ومبادئه لتؤرق البعض فى صحوه ومنامه ويلهم البعض الذى لم يعرف النوم وراحة البال من بعده. خمسة وأربعون عاما وهم يحاولون اغتياله كل يوم، بل كل ساعة. فلا يغتال. لطخوه فلم يلطخ. ولوثوه فاستعصى على التلوث. وأنزلوه فلم ينزل. ولأنه لم يعرف التنازل فى حياته فلم ينزل بعدها.

أكبر جريمة ارتكبها عبدالناصر أنه جعل من حكم مصر أمرا مستحيلا لمن سيأتى بعده، جميع من خلفوه إما قتيل أو مخلوع أو معزول. جميعهم كانوا منبوذين فلم يعد فى مقدور أحدهم أن يقول ما قاله فرعون مفاخرا (أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى) فصار يقول نادما ومتحسرا (لقد أصبح لى حكم مصر وهذه المصائب تجرى من حولى). نصف قرن أو يكاد وسهام الغدر مصوبة إلى صدره. فوقاه الله شرها. فلا يزال اسمه هو الأغلب لمعظم المواليد. ولا تزال صوره هى الأعلى فوق الرءوس هنا أو هناك. اضطر مرسى لأن يتناسى أحقاده الدفينة وثأره المشتعل ليقول فى إيران لمستقبليه (جئتكم من بلد عبدالناصر). قالها فى أديس أبابا وكررها فى الصين ورددها- مضطرا- كلما حل ضيفا أو نزل زائرا. وهو طامع فى أن ينال بعض رضا واحترام وتقدير حظى به ناصر لدى الجماهير فى كل البقاع والأصقاع. أشاع بعض خلفائه أنهم يشبهونه. تشبهوا به. (فشبهوه). أشاعوا ذلك وأذاعوه لينالوا الحظوة فلم ينالوا منها قلامة ظفر. وما كان لهم أن يفعلوا ادعاء إلا لأنهم أيقنوا أنه جواز المرور إلى القلوب. وتأشيرة الدخول إلى الأفئدة.

مات غيره فلم يبق منه سوى الرفات. ومات هو فبقى منه الجليل. حلما يداعب العقول. وآمالا فى الانعتاق. والتحرر من ربقة الفقر. والخنوع. والتسليم. بقى منه المثال الذى يحتذى لكل رجل أراد أن يكون. اختطف العرب يوم أن اختطف. وفقدت أفريقيا ساعة أن فقد. قال رئيس وزراء أيرلندا لحظة أن سمع بخبر وفاته (لقد كان خسارة لأيرلندا نفسها) فما بالكم بخسارتنا نحن فيه؟!

سيموت عبدالناصر عشرات المرات. ولكنه سيبقى خالدا أبدا ولن ينسى العالم أنه كان أشجع وأعظم من حل فيه ذات يوم. سيظل ملهما لكل الثوار الحالمين ببلادهم وشعوبهم بالأفضل والأرقى.. هو جمال عبدالناصر فمن أنتم؟!