تابعنا عبر شاشات الفضائيات الانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, لكن قليلين من يعرفون الانقلابات التي قادها أردوغان خلال مسيرته السياسية.
بدأ تألق أردوغان وانتقاله من لاعب كرة إلي ساحة السياسة في مؤتمر جماهيري لحزب الرفاهية بقيادة نجم الدين أربكان عام1998, اقتبس خلاله أردوغان مقطوعة شعرية شديدة التطرف في خطبته الجماهيرية, تقول: امساجدنا ثكناتنا, وقبابها خوذاتنا, ومآذنها حرابنا, والمصلون جنودنا, وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا, ليجري توقيف أردوغان, ويصدر حكم بحبسه10 أشهر, ومنعه من العمل بالوظائف الحكومية, وخرج أردوغان بعد4 أشهر فقط, ليحظي بمكانة كبيرة لدي زعيم الحزب أربكان, استغلهافي تكوين تكتل داخل الحزب, يناهض زعيمه أربكان, الذي يصر علي الاصطدام بالنظام العلماني القوي, وفور إصدار القضاء حكما عام2001 بحظر حزب الرفاه, انشق أردوغان وكتلته عن أربكان, وأنشأ حزب العدالة والتنمية, وأعلن القطيعة والإدانة لزعيمه أربكان, ليشيد بالعلمانية, ويعلن تمسكه بالأتاتوركية, ويمتدح الجيش التركي حامي العلمانية الأتاتوركية, مؤكدا أن القيم الإسلامية الصحيحة لا تتعارض مع إقامة مجتمع علماني متحضر وحديث.
تبني أردوغان سياسة مفتوحة علي الاتحاد الأوروبي والدول العربية, ليقدم نموذج الدولة الإسلامية العلمانية, المرتبطة بأوروبا وأمريكا وحلف الناتو وإسرائيل, والقادرة علي تحقيق الانتعاش الاقتصادي بفضل هذا الدعم الكبير من جانب رأس المال الصهيوني والأوروبي والأمريكي.
جاء الانقلاب الثاني بعد التعثر الأمريكي في العراق, وفشل الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله عاد2006, ليبدأ أردوغان التقرب من إيران وسوريا والعراق, واتفق علي مشروعات ضخمة بعشرات المليارات من الدولارات, فيما بدا أنه تحالف جديد, يتجاوز التعاون الاقتصادي الواسع, وتحطيم الحواجز أمام السلع والاستثمارات.
وفي مؤتمر دافوس2009, دخل أردوغان مشادة حامية مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز, وقال إن الجيش الاسرائيلي يقتل الأطفال علي شواطئ غزة, ورؤساء وزرائكم قالوا لي إنهم يشعرون بالسعادة وجنودهم يجتاحون غزة بالدبابات, وعندما قوطعت كلمته خرج أردوغان محتدا, وظهر وكأنه القائد الاسلامي المدافع عن الفلسطينيين, واستقبله آلاف الأتراك في المطار بالصور والهتافات, وتتعاظم شعبية أردوغان في المنطقة, ليعززها بإرسال السفينة مرمرة لكسر الحصار الإسرائيلي علي غزة, وتتعرض للنيران الاسرائيلية, ويلقي عدد من الأتراك مصرعهم, ويعلن سحب السفير التركي من تل أبيب, لتتوهج شعبية أردوغان.
وجاء الانقلاب الثالث بتحول أردوغان إلي رأس حربة لمخطط االربيع العربي, بالتحالف مع قطر وجماعة الإخوان, ومن خلفه الولايات المتحدة وأوروبا, ويدعو إلي إطاحة الجمهوريات العربية المستبدة, مناديا بالديمقراطية ومواجهة الفساد, وتصبح تركيا المعبر الرئيسي للجماعات الإرهابية إلي سوريا والعراق, واعتقد أنه اقترب من إقامة اإمبراطورية عثمانيةب جديدة, تحظي بتأييد أوروبا وأمريكا, لأنها ستحل القضية الفلسطينية, باستيعاب الفلسطينيين, ومواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد إسرائيل ويعادي أمريكا, ويقدم نموذجا يمكن الاعتماد عليه, بتبنيه الحداثة والقيم الإسلامية غير المعادية للغرب, بخلاف المملكة العربية السعودية المحافظة, غير أن صمود سوريا وسقوط حكم الإخوان في مصر وتونس وجه ضربة قاصمة لحلمه, الذي تقلص إلي السيطرة علي أجزاء من شمال سوريا والعراق.
بدأت إرهاصات الانقلاب الرابع مع ظهوربوادر هزيمة مشروع الشرق الأوسط الجديد, فأخذ يوجه نظره إلي تقوية عرشه في الداخل, ليمنع ظهور أي بديل, وقبل الانتخابات البرلمانية السابقة, أعلن انقلابه علي الأب الروحي لحزبه فتح الله جولن, الذي كان يدير عددا كبيرا من الجمعيات الخيرية والمدارس والجامعات في كل ربوع تركيا, إلي جانب عدد من الصحف والقنوات التليفزيونية, فأعلن الحرب علي جولن, وشن حملة لاقتلاع الجمعيات والمدارس والإعلام, والسيطرة عليها, والتي كانت الرافعة القوية التي صعد عليها أردوغان إلي الحكم, أراد أن تكون بيده حتي لا ترفع أي منافس محتمل في ظل الأوضاع المضطربة في المنطقة.
أسرع أردوغان بالاستعاداد لانقلاب خامس, واستدار ليعقد مصالحة مع إسرائيل, واسترضاء الرئيس الروسي بوتين, مع تسريع وتيرة الاستحواذ علي سلطات أوسع بالتحول إلي النظام الرئاسي, وتقويض نفوذ العلمانيين في كل من القضاء والجيش, وأخذ بإبعاد واستبدال الكثير من المناصب العسكرية والقضائية وتشديد قبضته علي الإعلام, استعدادا لتكريس حكمه الفردي واسع الصلاحيات, وهو ما أثار تمرد قيادات الجيش, التي حاولت وقف المشروع الأردوغاني, وجاء فشل الانقلاب, ليمنح أردوغان فرصة اجتثاث معارضيه المحتملين إلي جانب المنقلبين عليه, في مقامرة خطيرة علي الوضع في بلاده, وعلي مستقبله أيضا, وربما حياته.
عن الأهرام