تــرامـب مصـاب بجـنـون العظمــة

20162507212706
حجم الخط

«حلق ذهب في أنف خنزير»، هكذا يصف كاتب عملية التزيين والتجميل التي تجرى لتغطية البشاعة.
وتوجد لطوني شفارتس، كاتب السيرة الذاتية لدونالد ترامب، رواية خاصة به لهذا التعبير الرائع. «طليت شفتي دونالد ترامب بحمرة الشفاه»، هكذا يعترف في مقابلة منحها مؤخرا للاسبوعية الأميركية «نيو يوركر». وأثارت المقابلة ضجيجا لا بأس به في وسائل الاعلام الأميركية.
فهي تدل على نحو غير قليل على ترامب، على الطريقة التي نجح فيها في اجتياز نصف الشوط الى البيت الابيض، على دور وسائل الاعلام في نجاحه، وعلى جهدها اليائس لاصلاح ما خربته. وهذا يمكن ان يدل على شيء ما عندنا نحن ايضا.
كتاب «فن الصفقة» (THE ART OF THE DEAL)، الذي صدر في العام 1987 كان واسع الرواج. بفضله نال ترامب مسلسلا تلفزيونيا خاصا به «المختص»، والذي بني بالهام من الكتاب. قبل بضعة اشهر شاهد شفارتس تقريرا تلفزيونيا، القى ترامب خلاله خطابا على مؤيديه.
«الزعيم الذي نحتاجه هو الرجل الذي كتب «فن الصفقة»، أعلن. فسارع شفارتس الى اطلاق تغريدة على التويتر. «أنا الرجل الذي كتب «فن الصفقة». وأنا من يتعين عليه أن يتنافس على الرئاسة»، كتب.
مرت بضعة اشهر، انتصر ترامب في الانتخابات التمهيدية، وامتلأ شفارتس بمشاعر الذنب. فقرر أن يتبرع بكل المردودات التي يستحقها من بيع الكتاب الى جمعيات تكافح ضد شعارات ترامب. وقال في المقابلة: «هذا لن يطهرني من الذنب. سأتحمل الذنب حتى آخر يوم في حياتي».
فكرة نشر سيرة ذاتية لترامب وضعتها ناشرة محترمة. وقع ترامب على العقد ولكنه لم يكن قادرا على الكتابة. فدخل شفارتس الى الصورة بعد أن نشر تقريرا عرض فيه ترامب كشخصية عليلة، مريضة نشر. ولمفاجأته، أحب ترامب التقرير، وعرض عليه أن يكتبا الكتاب معا. نصف مليون دولار دفعت الناشرة كسلفة للكاتبين؛ حيث كان شفارتس يحتاج المال.
اعتقد أن ترامب، الذي كان ابن 39 في حينه، سيملي عليه ذكريات. هذا لم ينجح: فلم يكن لترامب ما يرويه. والاخطر من هذا، تبين أنه غير قادر على التركيز، فهو يقود إلى الملل، يقفز من موضوع إلى موضوع ومن كرسي إلى كرسي. فاقترح شفارتس بديلا: ان يجلس هو الى جانب ترامب في مكتبه، يستمع الى كل محادثاته ويكتب الكتاب بناء عليها. فوافق ترامب. إذ إن السرية لم تكن تهمه، بل المال والشهرة فقط.
شفارتس هو الذي ابتكر اسم الكتاب، رغم أنه لم يفكر للحظة بأن الاعمال التجارية لترامب هي أعمال فنية. كان يعرف بأن القسم الاكبر مما يقوله ترامب لمحادثيه ليس له أي اساس من الصحة. فقد درج ترامب على القول ان الكذب يزيد مساحة المناورة لديه أمام رجال أعمال آخرين: فهم يعيشون في مجال الحقيقة، اما هو فعديم الحدود. وكتب شفارتس في يومياته: «اكتشفت ثقبا اسود». كل هذا لا يوجد في الكتاب.
وعلى حد روايته، فان ترامب مريض بحبه لذاته. لا يهمه أي شيء الا نفسه. لا الفكر، لا القيم، لا نساؤه، لا ابناؤه، لا شركاؤه، ولا ناخبوه. وهو يتنافس على الرئاسة ليس لانه يؤمن بشيء ما بل انطلاقا من جنون العظمة. ولما كان منصب الرئيس هو المنصب المنشود للغاية، الشهير للغاية، فهو يجب أن يكون له.
يتساءل شفارتس الان كيف سيؤدي ترامب مهام منصبه في البيت الابيض حين لا يكون قادرا على ان يستمع الى استعراض استخباري، والتحكم بكوم من الوثائق السرية او قراءة كتاب. فهو واحد من كثيرين: معظم وسائل الاعلام الأميركية تندم الان على تعاونها طويل السنين مع الرجل.
وفي الاشهر الاخيرة تهاجم الرجل وسجله بلا رحمة. نتنياهو، الذي يكثر من الشكوى على الانتقاد الذي يتعرض له من بعض وسائل الاعلام هنا، يعيش في جنة عدن مقارنة بما يتعرض له ترامب.
ولكن هذا متأخر جدا. فالآراء تبلورت، والحقائق لا تهم احدا. نصف الأميركيين يرون خنزيرا؛ والنصف الاخر يروق لهم احمر الشفاه. وهذا ايضا مثال لا بأس به على وضعنا.