انــــقـــــلاب أردوغـــــــان

اردوغان
حجم الخط

الانقلاب في تركيا ليس فقط لم ينجح، بل هو مستمر بكل قوته، وهو يحطم كل يوم ارقاما قياسية جديدة في الطريق لتغيير وجه تركيا من الاساس، وحرق كل الجسور التي تربطها بماضيها.
لا يدور الحديث عن المسرحية الفاشلة التي شاهدناها قبل اكثر من اسبوع، عندما حاولت مجموعة من الضباط والجنود الذين لم تتضح هويتهم بعد ولا اهدافهم ولا من يقف على رأسهم، السيطرة على الحكم في الدولة.
كانت المحاولة فاشلة وهاوية إلى درجة أن هناك من هو على قناعة، في تركيا وخارجها، أن الحديث يدور عن مسرحية مخططة مسبقا وقف من ورائها اردوغان وأتباعه.
إن حقيقة أن الحكومة التركية لم تنشر الى الآن تقريرا واضحا حول محاولة الانقلاب، بل تستمر في اطلاق النار بجميع الاتجاهات، تعزز قناعة من هم مقتنعون بالمؤامرة.
الانقلاب الذي يتم في هذه الايام في تركيا هو انقلاب من نوع آخر، انقلاب من صنع اردوغان الذي استغل الفرصة من اجل الحاق ضربة شديدة وقاضية لمعسكر معارضيه في الطريق لتحقيق اهدافه: اعادة ربط تركيا بجذورها الاسلامية والعثمانية ومحو إرث مؤسس الجمهورية التركية أتاتورك، ولا سيما مواقفه العلمانية.
لبنة مهمة في الطريق لتحقيق هذا الهدف وانشاء النظام الجديد المطلق لأردوغان، هي بالطبع تعزيز مكانته والقضاء على المعارضة السياسية التي تستطيع الوقوف أمامه.
في جميع العمليات الانتخابية التي تمت في تركيا في العقد الاخير، عقد اردوغان، منحه الناخب هو وحزبه الفوز، وهذا تعبير واضح عن التأييد الواسع الذي يحظى به في اوساط الجمهور في تركيا، لكن هذا الفوز كان نسبيا وليس اغلبية مطلقة، بل على العكس، مرة تلو الاخرى تبين أن اغلبية الاتراك يعارضون طريقة اردوغان أو على الاقل يفضلون عدم اعطائه اصواتهم. ووصلت الامور ذروتها في عمليتي الانتخابات الاخيرة في السنة الماضية، والتي فشل فيها حزب الرئيس في الحصول على الاغلبية المطلوبة لاحداث تغييرات في الدستور بهدف تعزيز صلاحياته. وبذلك تخليد حكمه.
إلا أنه مثلما هي الحال في امثلة اخرى في التاريخ، عندما يئس اردوغان من السير في طريق الديمقراطية للحصول على اغلبية الاصوات المطلوبة لاجراء التغييرات التي يريدها، استغل الفرصة التي توفرت في الاسبوع الماضي وضرب الحديد وهو ساخن.
البرلمان التركي أعلن عن حالة الطوارئ، وبهذا منح الهالة المطلوبة للعرض الذي بدأه اردوغان، حيث إن مؤيديه يتظاهرون في الشوارع قبالة جيش مخصي ومعسكر معارض مستنزف ومحطم ومنقسم، خصوصا أمام الجمهور التركي الخائف والمشلول، يقوم اردوغان اليوم بعمل الانقلاب الذي لم يكن له مثيل في تركيا.
واحداً تلو الآخر يسيطر على مكامن السلطة والتأثير في الدولة، بدءاً بوسائل الاعلام ومرورا بالاكاديميا وجهاز التعليم والقضاء وانتهاء بالشرطة والجيش. عشرات الآلاف من معارضيه وكل من يمكنه انتقاد خطواته، تمت اقالتهم من وظائفهم وتم اعتقال الآلاف ايضا.
كاريزما اردوغان تعتمد على نجاحه في احداث الاستقرار في الساحة السياسية المشتعلة، والتسبب بالنمو الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ تركيا.
وقد جند ايضا التأييد من خلال توجيه انظار الجمهور الى الاعداء الخارجيين، مرة اسرائيل ومرة اخرى روسيا، مرة الاكراد والآن الادارة الأميركية التي يتهمها اردوغان بمنح الحماية لرجل الدين فتح الله غولن، الذي حسب اردوغان، هو من يقف من وراء الانقلاب.
بدا في السنوات الاخيرة أن اردوغان فقد سحره وضاق الاتراك به ذرعا، وعندها حدثت المعجزة.
كثير من الشعب في تركيا يخافون. فلا أحد يتجرأ على قول أية كلمة لأنه كلما عزز اردوغان سلطته أضعف الدولة التركية وزعزع أسسها.
لكن الايام فقط هي التي ستقرر اذا كان الانقلاب الذي يحدثه اردوغان في تركيا لا رجعة عنه، كما يخشى من ذلك معارضوه.